381
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

يستحقّ محبّة تحمل على التعظيم والتكريم والنصح في السرّ والعلانية والمواساة وأمثال ذلك دون الإتيان في كلّ ما يأمر وينهى ، وذلك الاستحقاق أيضا بشرط أن لا يعارض ولا ينافي محبّة اللّه ، وصاحب ولاية الأمر يستحقّ محبّة تحمل على جميع المذكورات مع الاتّباع في كلّ ما يأمر وينهى في أمر الدِّين والدنيا من غير أن تبلغ حدّ محبّة الغالين .
وليعلم أيضا أنّ وجود منشأ القسم الأوّل من المحبّة لايجب أن يكون معتقَدا للمحبّ باعتقاد جازم مطابق لما في نفس الأمر ؛ إذ لو أحبّ أحدا كان أخاه في ظاهر علمه ـ إمّا من جهة أنّه رأى تولّده من اُمّه ، أو من جهة الاستفاضة ، أو تقليد شاهدين مظنون العدالة ـ وهو في نفس الأمر من نطفة الزنى ، لم يكن مأثوما ولا ملوما في محبّته وفعل ما يحمل المحبّة عليه من الإكرام والمواساة ، وكذا لو أحبّ من كان في ظنّه أنّه مشارك له في الدِّين ـ وإن رآه في زيّ المخالفين ـ وغلب على ظنّه من جهة القرائن أنّه جاملهم لمصلحة صحيحة وإن لم يعلمها على الخصوص ، وكان الرجل في الواقع على خلاف ما في ظنّ المحبّ ، لم يكن مأثوما ولا ملوما ، بل الظاهر ـ كما سيظهر لك ـ أنّه مأثوم بناءً على الظاهر ووجود منشأ القسم الثاني من المحبّة ، وهو ولاية الأمر ، يجب أن يكون معتقدا باعتقاد جازم مطابق لما في نفس الأمر ؛ وذلك لأنّ بديهة العقل يحكم بأنّ من لم يتيقّن ذلك من أحد ، ولم يكن في ذلك على بصيرة ، لم يجز له أن يتّبعه في جميع أوامره ونواهيه في أمر الدِّين والدنيا من العبادات والأموال والفروج والدِّماء ، كما هو مقتضى عدم التقييد في قوله تعالى : «أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ»۱ .
ولعمري أنّ هذا الحكم أظهر وأوضح من أن يحتاج إلى النظر والاستدلال والتفتيش ، وأنور من أن يرتاب فيه أحد حتّى ضعفاء الأبصار من الخفافيش . هذا بيان الاحتياج إلى الجزء الأوّل .

1.النساء (۴) : ۵۹ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
380

قوله : (يُحِبُّ في اللّه بِفقْهٍ وعِلْمٍ ، ويَقْطَعُ من اللّه۱بحَزْمٍ وعَزْمٍ) .] ح ۱ / ۲۲۸۰]
هاتان الفقرتان الشريفتان دستور عمل لمن يريد أن يحبّ أحدا في اللّه ، ويبغض أحدا في اللّه ويقطع عنه ، والمؤمن شديد الاحتياج إلى كلّ من جزءيه :
أمّا إلى الأوّل ، فلأنّ الجاهل ربّما يرى أنّ محبّة فلان في اللّه إمّا لأنّه من أرحامه ، أو لأنّه قلّد من لا يصحّ تقليده أنّ محبّته واجبة من اللّه فيغلط ، وإمّا في مقدار المحبّة ، مثل أن ينصر أخاه على من بينهما منازعة وكان الأخ على غير الحقّ ، أو يفضّل أقرباءه وذوي أرحامه في صدقات الناس التي اجتمعت عنده تفضيلاً يُوجب الإجحاف بالفقراء وشدّةَ العسر عليهم ، هذا أدنى مراتب الغلط في مقدار المحبّة ؛ محبّة الغلاة للأئمّة الهُداة سلام اللّه عليهم أجمعين .
وأمّا في أصل المحبّة ، كمحبّة أصحاب الجهالات المرتطمين في وحل الشبهات لفلان وفلان و فلان بزعم أنّ لهم عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله قدما ، وكان بينهم وبين أمير المؤمنين مضافاة ؛ ولمّا لم ينشأ هذه المحبّة من فقه وعلم ، بل من تقليد الآباء والأسلاف ، ولم يقع الإصابة بحسب الاتّفاق أيضا ، كانت «كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْئانُ مَآءً حَتَّى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئا»۲ فهل يدفع عطشه حسبان الماء ورجاء الارتواء ؛ على أنّ تلك المحبّة أفضت بهم إلى مهالكَ عظيمةٍ ، مثل العمل مدّة العمر في عبادة اللّه تعالى ببدعهم ، ومعاداة من خالفهم بفقه وعلم وبصيرة، وسيقولون إذا رأوا ما يوعدون : «لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلاً لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِى»۳ ولأجل هذا قال اللّه تبارك وتعالى : «وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحا ثُمَّ اهْتَدَى»۴ .
فمن فوائد اقتران الفقه والعلم بالمحبّة أن يعرف المرء أنّ صاحب أيّ صفة يستحقّ أيَّ قسم من المحبّة ، وبأيّ شرط مثلاً يعرف أنّ صاحب قرابة الرحم وصاحب الجوار وصاحب الأخلاق الجميلة ـ مع المشاركة في الدِّين وصاحب التأديب والحضانة ـ إنّما

1.في الكافي المطبوع : «في اللّه » .

2.النور (۲۴) : ۳۹ .

3.الفرقان (۲۵) : ۲۸ ـ ۲۹ .

4.طه (۲۰) : ۸۲ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 106492
صفحه از 688
پرینت  ارسال به