يستحقّ محبّة تحمل على التعظيم والتكريم والنصح في السرّ والعلانية والمواساة وأمثال ذلك دون الإتيان في كلّ ما يأمر وينهى ، وذلك الاستحقاق أيضا بشرط أن لا يعارض ولا ينافي محبّة اللّه ، وصاحب ولاية الأمر يستحقّ محبّة تحمل على جميع المذكورات مع الاتّباع في كلّ ما يأمر وينهى في أمر الدِّين والدنيا من غير أن تبلغ حدّ محبّة الغالين .
وليعلم أيضا أنّ وجود منشأ القسم الأوّل من المحبّة لايجب أن يكون معتقَدا للمحبّ باعتقاد جازم مطابق لما في نفس الأمر ؛ إذ لو أحبّ أحدا كان أخاه في ظاهر علمه ـ إمّا من جهة أنّه رأى تولّده من اُمّه ، أو من جهة الاستفاضة ، أو تقليد شاهدين مظنون العدالة ـ وهو في نفس الأمر من نطفة الزنى ، لم يكن مأثوما ولا ملوما في محبّته وفعل ما يحمل المحبّة عليه من الإكرام والمواساة ، وكذا لو أحبّ من كان في ظنّه أنّه مشارك له في الدِّين ـ وإن رآه في زيّ المخالفين ـ وغلب على ظنّه من جهة القرائن أنّه جاملهم لمصلحة صحيحة وإن لم يعلمها على الخصوص ، وكان الرجل في الواقع على خلاف ما في ظنّ المحبّ ، لم يكن مأثوما ولا ملوما ، بل الظاهر ـ كما سيظهر لك ـ أنّه مأثوم بناءً على الظاهر ووجود منشأ القسم الثاني من المحبّة ، وهو ولاية الأمر ، يجب أن يكون معتقدا باعتقاد جازم مطابق لما في نفس الأمر ؛ وذلك لأنّ بديهة العقل يحكم بأنّ من لم يتيقّن ذلك من أحد ، ولم يكن في ذلك على بصيرة ، لم يجز له أن يتّبعه في جميع أوامره ونواهيه في أمر الدِّين والدنيا من العبادات والأموال والفروج والدِّماء ، كما هو مقتضى عدم التقييد في قوله تعالى : «أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ»۱ .
ولعمري أنّ هذا الحكم أظهر وأوضح من أن يحتاج إلى النظر والاستدلال والتفتيش ، وأنور من أن يرتاب فيه أحد حتّى ضعفاء الأبصار من الخفافيش . هذا بيان الاحتياج إلى الجزء الأوّل .