383
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

السليقة في مقام حلّ العبارات الشريفة القرآنيّة ، وإبداء الاحتمالات لها ، واستنباط المعاني الشريفة الغامضة منها ، وكذا في مقام عقد البراهين على المطالب الغير الدينيّة، وفي مقام ذكر مساوي الدنيا وآفات النفس ووجوه اغترارها وزللها ، وأسباب الزلل وعللها ، ويستبعد العقل كلّ الاستبعاد أن يخفى على من هذا شأنه حقيّة أمير المؤمنين عليه السلام مع كمال ظهورها وبطلان من عارضه وغصب حقّه مكرا وخديعة ، فيجوز بل يظنّ أنّ ما يكون ما أودعوه في كتبهم من التوجيهات الركيكة والاستدلالات الواهية على سبيل المجاملة واسترضاء جماعة من الحمقى المقلّدين ، وأهل البغض المتعصّبين ، حفظا للعرض والعيال ، وصونا للدِّماء والأموال ، ويقول : لعلّهم راعوا في تصوير تلك الأباطيل بصورة الحقّ وتمويهها وزخرفتها مصلحةً اُخرى أيضا زائدة على مصلحة التقيّة ، وهي أن يصل في غابر الزمان إلى نظر أرباب العقول السليمة ، والأذهان المستقيمة ، فيتفطّنوا من ظهور سقوط تلك الأباطيل وهن بنيانها ، وذكاء الآتين بها ، ومظهري الاعتماد عليها بأنّهم كانوا اُسراء جبابرة عصرهم ، لم يستطيعوا الخروج عن مملكتهم ، وإذ كانوا معروفين بالفضل المتوقّع منهم أن يصنّفوا في نصرة المذهب فعلوا ما فعلوا مجاملةً وتقيّةً ، فيترحّموا عليهم ، ويرقّوا لهم .
فمع هذا الاحتمال القويّ الظاهر عند اُولي البصائر كيف يجترأ باللعن عليهم والطعن فيهم ، مع أنّه ورد في الحديث أنّه : «إذا لعن أحد أحدا ، فإن كان ذلك مستحقّا له، وإلّا رجع إلى اللاعن» . ۱
فالحزم كفّ اللسان عنهم ، وأن يوكَلَ أمرهم إلى اللّه يفعل بهم ما يستحقّون ، وإن شاء ألبتّة أن يلعن عليهم على وجه الجزئيّة والخصوص ، فبقيد الشرط ، لا على سبيل الإطلاق ، بأن يُقال : اللهمَّ العن فلانا إن كان باطن أمره على وفق ظاهره .
فإن قلت : إنّهم ذكروا في كتبهم ما لا يدعو إليه ضرورة التقيّة .

1.بحار الأنوار ، ج ۷۲ ، ص ۱۶۶ ، ذيل ح ۳۷ ؛ سنن أبي داود ، ج ۲ ، ص ۴۵۷ ، ح ۴۹۰۵ ؛ المجموع للنووى ، ج ۴ ، ص ۳۹۴ ؛ كنزالعمّال ، ج ۳ ، ص ۶۱۷ ، ح ۸۱۹۳ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
382

وأمّا الاحتياج إلى الجزء الثاني ، وهو قوله عليه السلام : «ويقطع بحزمٍ وعزم» ؛ فلأنّ المجتري الغير الجازم ربما يقطع في اللّه عمّن أمر اللّه أن يوصل من الرحم ، بسبب أنّه يرى فيه ما يرى أنّه بدعة ، ومن مال إليه ملعون مستحقّ للقطيعة ، مثل مطالعة كتب الصوفيّة أو كتب الحكمة ، والحرص عليها ، وصرف الأوقات فيها ، والحزم أن لا يقطع بذلك عنه ، ولا يقع بمجرّده فيه ؛ إذ لعلّ غرضه تفتيش الحقّ وإحقاقه ، وتمييز الباطل وإزهاقه ، ولو كان رأى هذا المجتري أنّ الصوفيّة والحكماء المشهورين ملاحدة، وكتبهم كتبُ ضلال ، يجب أن تُحرق أو تغسل ، فضلاً أن ينظر فيها ويتأمّل .
فالحزم أن يقول : إنّ الآراء مختلفة ، ومراتب الأفهام متفاوتة ، فلعلّ أخي لم يصل فهمه إلى ما فهمت ، وعرضت له شبهة لم يستطع أن يخرج عنها ويدفعها كما دفعت أنا، خصوصا وقد رأى فضلاء كثيرين من الفرقة الناجية يعظّمونهم ويبجّلونهم، ويذكرونهم في كتبهم بأحسن الذِّكر ، ويأوّلون ما كان من كلامهم غير صحيح الظاهر بتأويلات مخرجة إيّاه عن البطلان ، ورأى فضلاء آخرين على عكس ذلك ، فإن وقع من هذه الجهة أو غيرها من الجهات في الشبهة وقال : إنّ أحد الفريقين قد عرض له الغلط لا محالة ، فينبغي الفحص والبحث بنيّة خالصة صافية عن الميلان عسى أن يهديني سواء السبيل ، لم يكن بعيدا كلّ البُعد ، فيصله ويجعل من أعظم صِلاته الدُّعاءَ له ، والتضرّع إلى اللّه تعالى أن يهديه إلى الطريقة المستقيمة .
وقومٌ تنزّلوا عن تكفير الصوفيّة ، وجوّزوا التجوّد في عباراتهم ، ولكن نسبوا مشايخهم الماضين مثل العطّار والسنائي والمولوي إلى التسنّن لمّا رأوا أنّهم مدحوا الخلفاء في صدور دواوينهم ، فلذلك يلعنونهم ، ويقطعون عنهم ، ويتبرّؤون منهم .
وهذا أيضا خلاف الحزم ، وكذا لعن كثير من العلماء المتأخّرين ـ الذين ذكروا اُولئك الملاعين في كتبهم ومدحوهم من المفسّرين والمتكلِّمين ، مثل صاحب الكشّاف والفخر الرازي والبيضاوي والتفتازاني والسيّد الشريف وغيرهم ـ خلاف الحزم ، فإنّا نرى في تصانيفهم آثار كمال الفطانة والذكاء ، وجودة القريحة واستقامة

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 106493
صفحه از 688
پرینت  ارسال به