421
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

إشارة إلى هذا ، على أنّ اللام في «ليذوقوا» كاللام في «لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّا وَحَزَنا»۱ . أو أظهر الحكيم أمرا واقعيّا في صورة الغضب لمصلحة تخويف الذين ليسوا بخبيثي الذات .
كما أنّ وصف مؤذيات جهنّم من العقارب والحيّات والشرب المشبّهة بجمالات صفر بأوصافها وعدم إطلاق المداواة والتنقية عليها ، مع أنّها كذلك في الحقيقة لأجل ذلك .
واعلم أنّ إبليس قبل أن توجد كان معنى معلوما للّه ومقدورا خاصّا من مقدوراته تعالي ، وخصوصيّة التي بها هو إبليس أنّه خبيث ليس فيه خير إلاّ من وجهين :
أحدهما : أنّه يصلح أن يجعل فتنة للناس يتميّز من يطيعه لمناسبة بينهما في السنخ عمّن يطيعه للانخداع والاغترار ، ثمّ يتنبّه ولو بعد حين ، فيندم على ما كان منه ، ويرجع إلى اللّه ، فيصير من الذين ذكرهم اللّه بقوله : «اِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ»۲ وبقوله : «فَاُّولـئِكَ يُـبَدِّلُ اللّهُ سَـيِّـئاتِـهِمْ حَسَناتٍ»۳ أو يكفّر ذنبه بوجه آخر لطهارة طينته .
والوجه الثاني : أنّه ليس من المعاني التي لاتحتمل الجود والرحمة الواسعة بوجه من الوجوه حتّى يترك في محبس العدم ، بل هو بحيث إذا أوجد وتلوّث بدنه بخبث أعماله السيّئة من التكبّر وإغواء خلق اللّه حسدا وحقدا وزادت على الخباثة الذاتية الخباثة العارضية زالت العارضية بالتعذيب ، وإن تجدّدت عقيب الزوال من جهة الخباثة الذاتية ، كالمجنون الذي يلبسه المربّي ثوبا نظيفا ، فيوسّخه المجنون ويدنّسه بارتكاب الأقذار والتقلّب في الأنجاس ، فيبدّل المربّي الملوّث بنظيف آخر شفقةً ورحمةً ، فلا يزال يجري الحال بينهما على هذا المنوال .
وإذ كان هذان الخيران معلومين للّه تعالى في المعنى الخبيث المسمّى بإبليس ، اقتضى الحكمة الكاملة والرحمة الشاملة إيجاده ليصير مشمولاً للجود على حسب القبول ، أعني تطهيره عن الخبث العارض وإن جدّده الخبث الذاتي ، ولو لم يوجد

1.البقرة (۲) : ۲۲۲ .

2.القصص (۲۸) : ۸ .

3.الفرقان (۲۵) : ۷۰ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
420

والمراد هنا الأعمال السيّئة كما نقل عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن الصادقين عليهم السلام ۱ ، والبيضاوي لعدم إثبات الفعل للعبد فسّرها بالبليّة ۲ ، وعلى ما هو الحقّ فللشيء صفة مسندة إليه بالذات ، وإذا كانت سيّئة فالمسند إليه له أيضا جهة سوء بالذات ، لا من جهة الخلقة .
إذا تمهّد هذا فنقول : المعاني المعلومة في الأزل قسمان : قسم ليس يجوز فيالحكمة أن يوجد ، فلا يوجد أبدا ، والجائز أن يوجد واجب في الحكمة أن يوجد على النحو الذي جوّزته الحكمة ؛ إذ الجواد الغنيّ لا يشترط جوده بشيء سوى إمكان قبوله واحتماله ؛ لأنّه ليس كلّ ماهيّة ـ أي معنى علمي ـ تقبل كلّ نحو من الجود ، ألا ترى أنّ ماهيّة العرض لا تقبل جود الوجود قبل ماهيّة الجوهر ، وأنّ ماهيّة السماء لا تقبل هذا الوجود الذي له في البيضة المعروفة ، فخلق العالم بجميع أجزائه مبنيّ على الجود : الصالح والطالح ، والمطيع والعاصي ، والخبيثُ بالذات ـ الذي هو من جملة المقدورات ـ قد اقتضى الجودُ إدخالَه في سلسلة الموجودات كإبليس ومردة جنوده من الجنّ والإنس الذين ليست شهوتهم وإرادتهم الذاتيّة إلّا إلى الشرّ وسيّئات الأعمال، ومقتضى ذاته التدنّس والتلوّث بها ، ومقتضى كونه من مقتضيات الجود أن يدخل في تربية ربّ العالمين ويزال عنه الفساد ، ولكن على حسب ما يقبل ، فمَثَله كمثل من ولد مجذوما ومادّة الجذام كامنة في بدنه غير قابلة للقلع بالدواء ، والطبيب المشفق يعالج اللحوم المتآكلة البالية المتعفّنة بأدوية حادّة شديدة اللذع ، فتتناثر وينبت مكانها لحم صالح ، والمادّة تفسده أيضا والطبيب يعالجه ، فلا يزال أذيّة الأدوية اللذّاعة واردة عليه ولكن لا على سبيل الغيظ والانتقام ، بل على سبيل الترحّم حسب القبول .
والظاهر أنّ قوله تعالى : «كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ»۳

1.تفسير القمّي ، ج ۱ ، ص ۱۴۴ .

2.تفسير البيضاوي ، ج ۲ ، ص ۲۲۱ .

3.النساء (۴) : ۵۶ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 65415
صفحه از 688
پرینت  ارسال به