إشارة إلى هذا ، على أنّ اللام في «ليذوقوا» كاللام في «لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّا وَحَزَنا»۱ . أو أظهر الحكيم أمرا واقعيّا في صورة الغضب لمصلحة تخويف الذين ليسوا بخبيثي الذات .
كما أنّ وصف مؤذيات جهنّم من العقارب والحيّات والشرب المشبّهة بجمالات صفر بأوصافها وعدم إطلاق المداواة والتنقية عليها ، مع أنّها كذلك في الحقيقة لأجل ذلك .
واعلم أنّ إبليس قبل أن توجد كان معنى معلوما للّه ومقدورا خاصّا من مقدوراته تعالي ، وخصوصيّة التي بها هو إبليس أنّه خبيث ليس فيه خير إلاّ من وجهين :
أحدهما : أنّه يصلح أن يجعل فتنة للناس يتميّز من يطيعه لمناسبة بينهما في السنخ عمّن يطيعه للانخداع والاغترار ، ثمّ يتنبّه ولو بعد حين ، فيندم على ما كان منه ، ويرجع إلى اللّه ، فيصير من الذين ذكرهم اللّه بقوله : «اِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ»۲ وبقوله : «فَاُّولـئِكَ يُـبَدِّلُ اللّهُ سَـيِّـئاتِـهِمْ حَسَناتٍ»۳ أو يكفّر ذنبه بوجه آخر لطهارة طينته .
والوجه الثاني : أنّه ليس من المعاني التي لاتحتمل الجود والرحمة الواسعة بوجه من الوجوه حتّى يترك في محبس العدم ، بل هو بحيث إذا أوجد وتلوّث بدنه بخبث أعماله السيّئة من التكبّر وإغواء خلق اللّه حسدا وحقدا وزادت على الخباثة الذاتية الخباثة العارضية زالت العارضية بالتعذيب ، وإن تجدّدت عقيب الزوال من جهة الخباثة الذاتية ، كالمجنون الذي يلبسه المربّي ثوبا نظيفا ، فيوسّخه المجنون ويدنّسه بارتكاب الأقذار والتقلّب في الأنجاس ، فيبدّل المربّي الملوّث بنظيف آخر شفقةً ورحمةً ، فلا يزال يجري الحال بينهما على هذا المنوال .
وإذ كان هذان الخيران معلومين للّه تعالى في المعنى الخبيث المسمّى بإبليس ، اقتضى الحكمة الكاملة والرحمة الشاملة إيجاده ليصير مشمولاً للجود على حسب القبول ، أعني تطهيره عن الخبث العارض وإن جدّده الخبث الذاتي ، ولو لم يوجد