43
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

النفاق في القلب ذلك اليومَ ، كما ورد عن الصادقين عليهم السلام .
ثمّ لمّا رأوا الالتفاتات من النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ إذ كان مأمورا بذلك للمصلحة ، كما دلّ عليه قوله تعالى : «وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ»۱ ، وقوله : «وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ»۲ عاد الرجاء ، فآمنوا ثانيا كما أخبر اللّه تعالى بقوله : «ثُمَّ آمَنُوا» .
ثمّ لمّا وقع في مرض الموت ما وقع من قضيّة جيش اُسامة وطلب الدواة والقلم، انقطع الرجاء بالكلّيّة ، فعاد الكفر ـ كما قال تعالى : «ثُمَّ كَفَرُوا» بعد قوله : «ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرا» ـ بعد رحلة النبيّ صلى الله عليه و آله وهو قوله تعالى : «ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرا» فختم الأمر على ما اقتضته طيناتهم الخبيثة ؛ نعوذ باللّه من سوء الخاتمة .
وقد قلت في المثنويّ المسمّى ب «نان وپنير» محتذيا بالمثنويّ المسمّى ب «نان وحلوا» للشيخ الأجلّ بهاء الدِّين محمّد قدس سره :

كار با انجام كارست وسرشتختم ، كاشف از سرشت خوب و زشت
وربما كان إيمان المرء مبتنيا في بدو الأمر على الاستحسان ، وقابلاً للتغيّر والزوال ، وكانت طينته في علم اللّه طيّبة ، فتفضى به إلى الاستبصار باستماع البراهين القاطعة والدلائل الشافية ، كما كان في جمع ممّن بايعوا أمير المؤمنين عليه السلام .
والآية التي نحن فيها في سورة آل عمران .
قوله :«إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا»۳[ح ۴۳ / ۱۱۳۰] في سورة محمّد .
قوله :«وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ»۴[ح ۴۴ / ۱۱۳۱] في سورة الحجّ .
قوله : («فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِى ضَلَـلٍ مُّبِينٍ»۵يا معشر الكذّابين حيث أنْبَأْتُكم ....) [ح ۴۵ / ۱۱۳۲]
هذا الحديث ممّا يعضد ما قلناه في أمر القرآن ، والآية في سورة الملك .
قوله :«وَإِنْ تَلْوُوا»۶[ح ۴۵ / ۱۱۳۲] في سورة النساء .

1.آل عمران (۳) : ۱۵۹ .

2.محمّد (۴۷) : ۲۵ .

3.الحجّ (۲۲) : ۲۵ .

4.الملك (۶۷) : ۲۹ .

5.النساء (۴) : ۱۳۵ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
42

عنه أبدا ؛ أنّ الذي تنكرونه وتسبّونه لاخفاء أنّه آمن بالنبيّ صلى الله عليه و آله في زمان كان في كمال الضعف والخوف ، فهل كان ذلك منه طوعا أو كرها . فلم يستطع الشيعي أن يقول كرها ، واغتمّ لذلك ، وكان في زمان الغيبة الصغرى ، فكتب على يدي بعض السفراء إلى الصاحب عليه السلام ، فخرج الجواب : «لا طوعا ولا كرها ، بل طمعا» .
أقول : ليس المراد أنّ الرجل كان الداعي له إلى إظهار الإيمان الطمعَ في العاجل إمّا الجاه أو المال حتّى يجعل الضعف والفقر اللذان كانا به صلى الله عليه و آله كاشفين عن الإيمان لم يكن للطمع ؛ بل الطمع في الآجل ، ومعلوم لذوي التجارب والتتبّع لأوضاع العالم أنّ أرباب الهمم العالية ربما يتحمّلون المشاقّ ، ويركبون الأهوال مدّةً مديدة لتحصيل نفع يرجونه إذا كان عظيما لائقا لأمثالهم متوقّعَ الحصول لهم ، وقد سمعت من أفاضل محبّي الرجل ما كان منشأ لرجائه .
ثمّ أقول : ليس يلزم من قول الإمام عليه السلام : «بل طمعا» أن يكون الرجل مؤمنا باللسان وكافرا بالقلب ، كما هو شأن المنافقين الذين أخبر اللّه عنهم بقوله : «إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ»۱ حتّى يقال: إنّ المعاشرة وتتبّع الأحوال أوجب لنا اليقين بأنّه لم يكن كذلك ، بل أقول : إنّ رجاء الانتفاع بجاه المرجوّ منه ، المظنون بإخبار الأساقفة والكهنة قد يوجب المحبّة والميل القلبي إذا كان الراجي مسخّرا للهوى ، مشغوفا بحبّ الدنيا ، فهو كما ورد في الحديث : «عبد لها ولمن في يَدَيه شيء منها» ۲ فلا يمتنع أن يكون الرجل وأخواه آمنوا بالقلب، ولكن لمّا كان أصل منشأ الميل والمحبّة رجاء الجاه والمال ، صدق كون الإيمان للطمع ، فهم كانوا مؤمنين بالقلب كما دلّت عليه الآية ، ولكن إيمانا مستودعا قابلاً للزوال ، فلمّا وقع أمر يوم الغدير ، ورأوا عقد الولاية للغير ، وكانت الطينة في علم اللّه خبيثةً ، انقطع الرجاء الداعي إلى الإيمان الموجب للمحبّة، فانتفى الإيمان بانتفاء السبب ؛ وهو قوله تعالى : «ثُمَّ كَفَرُوا»۳ عقيب قوله : «إنّ الَّذِينَ آمَنُوا» ووقعت حسكة

1.المنافقون (۶۳) : ۱ .

2.نهج البلاغة ، ص ۱۵۹ ، الخطبة ۱۰۹ .

3.النساء (۴): ۱۳۷.

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 91304
صفحه از 688
پرینت  ارسال به