الكريم الذي تفضّل عليك بما تفضّل به أوّلاً، هو متفضّل عليك آخرا ، فربطه في المعاصي .
وقيل للفضيل بن عياض : إن أقامك اللّه يوم القيامة وقال لك : «مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ» ماذا تقول ؟ قال : أقول : غرّتني ستورك المرخاة .
وعن يحيى بن معاذ : أقول : غرّني بك برّك بي سالفا وآنفا . [و]ره: أنّه سبحانه إنّما «ذكر الكريم» من بين سائر أسمائه لأنّه كان لقّنه الإجابةَ حتّى يقول : غرّني كرم الكريم . ۱
أقول : يظهر من كلام أمير المؤمنين عليه السلام أنّ ذكر الكريم تقريع وتوبيخ لمن مات على معصية ربّه بلا توبة مع ما رأى في نفسه من صنوف آثار كرمه وإحسانه، ومن أعظمها أنّا أغفلنا عن كثير من وظائف فروضه ، وتعدّينا عن مقامات حدوده إلى حرمات انتهكناها ، وهو ـ جلّت نعماؤه وجسمت آلاؤه ـ يستر علينا تكرّما ، ويتأنّى بنا وينتظر مراجعتنا تحلّما ، ولم يبتدرنا بعقوبته ، ولم يعاجلنا بنقمته ، ومع هذا كلّه دلّنا على التوبة وحثّنا عليها ، ووعدنا القبولَ ، فقال : «اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارا»۲ ، وقال : «وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحا ثُمَّ اهْتَدَى»۳ ، فالتمادي على المعصية إلى الخروج إلى دار الجزاء بلا التوبة والاستغفار غاية الغفلة ، ونهاية الاغترار خصوصا ، وقد سمع اللّه ـ عزّ من قائل ـ يقول : إنّه سينالهم عن ذلك ، فلينظر ناظر بعقله هل الغرض في الإخبار تنبيههم عن نوم الاغترار ، وتخويفهم عن السؤال ، أو إغراؤهم على ما هم عليه ؟
وفي نهج البلاغة :
ومن كلام له عليه السلام قاله عند تلاوته : «يَا أَيُّهَا الْاءِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ» :
أدْحَضُ مسؤولٍ حجّةً ، وأقطعُ مغترٍّ معذرةً ، لقد أبْرَحَ جَهالةً بنفسه ، يا أيُّها الإنسانُ ما جرّأك على ذنبك ؟ وما غرّك بربّك ؟ وما آنسك بهُلكة نفسك ؟ أمّا دائك ۴ بُلولٌ ، أم ليس