455
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

قال الفاضل الشارح البحراني :
دحْضُ الحجّة : بطلانها . و«أبرح جهالة بنفسه» : بالغ في تحصيل جهالتها . لمّا كانت الهلكة في الآخرة بمحبّة الدنيا وباطلها ، وكان الإنسان شديد الاُنس بها ، صدق يعجبه من اُنسه بهلكة نفسه .
والبلول : الصحّة . والضاحي : البارز . والجلد : القوّة . والمدارج : الطرق . تعمّده : قصده .
وقوله : «وأيم اللّه » إلى قوله : «الأعمال» أي لو كان هذا الوصف المذكور من إقبال اللّه عليك وإدبارك عنه وصفَ مثلين من الناس في القوّة والقدرة أنت السيّء منهما ، لكان فيما ينبغي لك من الحياة والأنفة أن تكون أوّل حاكم على نفسك بتقصيرها وقبح أعمالها ، وإنّما لم تغرّه الدنيا إذ لم يخلق في العناية الإلهيّة لذلك ، وغروره ظنّه أنّ المقصود منها لذاته الحاضرة ، ومكاشفاتها بالعِظات ظهور ما ينبغي الاتّعاظ به من الغير ، والتصاريف اللازمة لها .
و«أذنتك على سواء» أي أعلمتك على عدلٍ منها تصاريفها ؛ إذ كان مقتضى خلقها بعدلٍ من اللّه وحكمة تعرفها اعتبارَ تصاريفها ، ومحلّه الشفيق منزلته .
وقد أضاف اسم «نعم» و«بئس» هنا إلى ما ليس فيه الألف واللام ، كقوله : فنِعمَ صاحب قومٍ لا صلاح لهم ، وجمع بين اسم الجنس والنكرة التي تبدّل منه ، وقد جاء مثله ، فنعمَ الزاد زاد أبيك زاد .
و«الراجفة» قيل : هي النفخة الاُولى في الصور . وجلائلها : أهوالها العظيمة ، جمع: جليلة .
والمنسك : محلّ العبادة ، وهو إشارة إلى لحوق كلّ نفس يوم القيامة بمعبودها ومقصودها في الدنيا وما أحبّته فيها ؛ كما قال صلى الله عليه و آله : «لو أحبّ أحدكم حجرا يُحشر معه» .
وخرق البصر في الهواء : لمحه . وتيسّره لسفره : استعداده بالرياضة للسفر إلى الآخرة . وأن يشمّ برق النجاة ، أي يوجّه بصر عقله إلى استلاحة أنوار الهداية المُنجية . ۱ انتهى .
قوله : (لم يُنِبْ إلى الحقّ) .] ح ۱ / ۲۸۶۶ ]
في القاموس : «ناب إلى اللّه : تاب ، كأناب» . ۲

1.شرح نهج البلاغة، ج ۴، ص ۷۶ ـ ۸۲، ذيل الخطبة ۲۱۴.

2.القاموس المحيط ، ج ۱ ص ۱۳۵ (نوب) .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
454

من نومتك يَقْظَةٌ ؟ أما ترحم من نفسك ما ترحم من غيرك ؟ فلربّما ترى الضاحِيَ ۱ الشمس فتِظُلُّه ، أو ترى المُبتلى بأَلَمٍ يُمِضُّ جسدَه فتبكي رحمةً له ، فما صبّرك على ذاتك ۲ ، وجلّدك على مصابك ، وعزّاك عن البكاء على نفسك ۳ ، وكيف لا يوقظك خوفُ بياتِ نِقْمةٍ وقد تورَّطْتَ بمعاصيك مدارج سطواته ، فَتَداوَ من داء الفترة في قلبك بعزيمةٍ ، ومن كَرَى الغفلة في ناظرك بيقظةٍ ، وكن للّه مطيعا ، وبذكره آنسا ، وتَمَثَّلْ في حال تولّيك عنه إقبالَه عليك يدعوك إلى عفوه ، ويتغمّدك بفضله ، وأنت متولٍّ عنه إلى غيره ، فتعالى مِن قويٍّ ما أكْرَمَه ، وتواضَعْتَ من ضعيفٍ ما أجرأكَ على معصيته ، وأنت في كنف ستره مقيمٌ ، وفي سَعَةِ فَضْله متقلِّبٌ ، فلم يمنعك فَضْلَه ، ولم يَهْتِكْ عنك سِتْرَه ، بل لم تَخْلُ من لطفه مَطْرَفَ عينٍ في نعمةٍ يُحْدِثُها لك ، أو سيّئةٍ يسترها عليك ، أو بليّةٍ يَصْرِفُها عنك ، فما ظنُّك به لو أطَعْتَه .
وأيم اللّه لو أنّ هذه الصفة كانت في متّفقَيْن في القوّة متوازيَيْن في القدرة لكنتَ أوّل حاكم على نفسك بذميم الأخلاق ، ومساوي الأعمال ، وحقّا أقول : ما الدنيا غَرَّتْك ولكن بها اغتررتَ ، ولقد كاشفَتْك العِظات ، وآذَنَتْكَ على سواءٍ ، ولَهِيَ بما تَعِدُك ـ من نزول البلاء بجسمك والنقصِ في قوّتك ـ أصدَقُ وأوفى من أن تَكْذِبَكَ أو تُغُرَّكَ ، ولَرُبَّ ناصحٍ لها عندك متّهمٌ ، وصادقٍ من خبرها مُكذَّبٌ ، ولئن تَعَرَّفْتَها في الديار الخاوية والربوع الخالية لَتَجِدَنَّهَا من حسن تذكيرك ، وبلاغ موعظتك بمحلّة الشفيق عليك ، والشحيح بك .
ولنعم دارُ من لم يرضَ بها دارا ، ومحلُّ من لم يُوَطِّنْها محلّاً ، وأنّ السُّعداء بالدُّنيا غدا هم الهاربون منها اليوم ، إذا رجفت الراجفة ، وحَقَّتْ بجلائلها القيامةُ ، ولَحِقَ بكلّ مَنْسَكٍ أهلُه ، وبكلّ معبودٍ عَبَدَتُه ، وبكلّ مطاعٍ أهل طاعته ، فلم يَجُزْ في عدله وقسطه يومئذٍ خَرَقُ بَصَرٍ في الهواء ، ولا هَمْسُ قَدَمٍ في الأرض إلّا بحقّه ، فكم حجّةٍ يوم ذاك داحظةٌ وعلائق عذرٍ منقطعةٌ ، فَتَحَرَّ من أمرك ما يقوم به عُذْرَك ، وتَثْبُتُ به حجّتُك ، وخَذْ ما يبقى لك ممّا لا تبقى له ، وتيسَّرْ لسفرك ، وشِمْ برقَ النجاة ، وارْحَلْ مطايا التشمير . ۴

1.في المصدر : + «من حرّ» .

2.في المصدر : «دائك» .

3.في المصدر : + «وهي أعزّ الأنفس عليك» .

4.نهج البلاغة ، ص ۳۳۴ ـ ۳۳۵ ، الخطبة ۲۲۳ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 65413
صفحه از 688
پرینت  ارسال به