49
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

على ما في النسخ المشهور من السهو أيضا؛ إذ ليس في كتب اللغة «ساء يسيء» بمعنى ساء يسوء، اللّهمَّ إلّا أن يُؤخذ من باب الإفعال ويقصد حاصل المعنى. قال في القاموس : «أساءه : أفسده». ۱
وهذا ـ مع عدم خلوّه عن تكلّف ـ مخالف لاستعمال الآية التي الكلام فيها .
وفي الكشّاف :
الزلفة : القرب . وانتصابها على الحال أوالظرف ، أي رأوه ذا زلفة ، أو مكانا ذا زلفة. «سِيئتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا» أي ساءت رؤية الوعد وجوههم بأن علّتها الكآبة ، وغشيها الكسوف والقترة وكلحوا ، كما يكون وجه من يُقاد إلى القتل ، أو يعرض على بعض العذاب ۲ .
أقول : هذا التشبيه بناء على أنّ المرئيّ نار جهنّم ، والزلفة القرب المكاني لا الرتبي، أي رأوا النار ذات قرب منهم ، وعلى ما قاله الإمام عليه السلام من أنّهم يرون أمير المؤمنين عليه السلام في أغبط الأماكن ، أي «فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ»۳ القرب الرتبي . ويشهد لقول الإمام تفسير عامّة أهل اللغة الزلفةَ بالقرب الرتبي واقتصارهم عليه . قال ابن فارس في المجمل : «الزلفة : الدرجة ، والمنزلة» ۴ .
وفي المغرب : «الزلفة والزلفى : القربة» ۵ .
وفي الصحاح : «الزلفة والزلفى : القربة ، والمنزلة» ۶ .
وفي القاموس : «الزلف ـ محرّكةً ـ : القربة ، والدرجة» ۷ .
فكان المناسب أن يشبّه بمن استخفّ فاضلاً واستهانه ، وأنكر فضله وكماله عند العوامّ ، ويدّعي مرتبته لكي يترأّس عليهم ، ويتأمّر على الفاضل تغلّبا وقهرا وتدليسا ومكرا ، ثمّ رآه بعين اليقين ، ووجده ذا زلفة ومكانة ومنزلة عند الملك القاهر الذي

1.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۱۸ (سوء) .

2.الكشّاف ، ج ۴ ، ص ۱۳۹ .

3.القمر (۵۴) : ۵۵ .

4.المجمل ، ج ۲ ، ص ۴۳۸ (زلف) .

5.المغرب ، ص ۲۰۹ (زلف).

6.الصحاح ، ج ۴ ، ص ۱۳۷۰ (زلف) .

7.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۱۴۸ (زلف) .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
48

قال البيضاوي : «أي الحشر ، أو ما وعدوا به من الخسف والحاصب» 1 .
أقول : أو العلم بكيفيّة حال النذير الذي وعدهم اللّه على وجه التخويف حيث قال: «فَسَتَعْلَمُونَ» وهذا أشدّ وعيد يخوّف به ، كما لايخفى على من له درية بأساليب الكلام.
والأظهر أنّ الضمير المنصوب في «رأوه» راجع إلى هذا الموعود ، أي فلمّا رأوا بعين اليقين أنّ النذير ذا زلفة أي قربةٍ ومنزلةٍ عند اللّه ، وعلموا كيف هو يوم الجزاء سيئت وجوههم ؛ لما علموا من أنفسهم ما فعلوا بالنسبة إليه في الدنيا من الاستخفاف وادّعاء الرئاسة في أهل مكّة والمدينة وقد خصّه اللّه بها .
وعلى هذا في الآية تعريض للذين نصبوا أنفسهم للخلافة ، ودعوا الناس إليهم ، وإن كان وجه الكلام إلى مشركي قريش ومترئّسيهم الذين كانوا يدعون الناس إلى اتّباعهم، ويصرفونهم عن متابعة النبيّ صلى الله عليه و آله ، ويدّعون الإمارة والحكومة ؛ فالمتوجّه إليهم الكلام ظاهرا والمعرّض لهم كلاهما داخلان في الحقيقة في خطاب «ءأمنتم» وغيبة «فلمّا رأوه» والتخويف بمجيء يوم يرون فيه ما يسوء الوجوه على كليهما جميعا ، غاية الأمر أنّه على أحدهما على وجه التنزيل ، وعلى الآخر على وجه التأويل .
وتخصيص الإمام غاصبي الخلافة ومنتحلي اسم أمير المؤمنين بالذكر لاستدعاء المقام بيان الفرد الخفيّ ، لا للحصر ، فلنبيّن ما يحتاج إلى البيان من أجزاء الحديث .
قوله : (وأصحابُه الذين). [ح 68 / 1155]
رفع على الابتداء ، وخبره جملة «يرون».
والتعبير عن متغلّبي زمانه عليه السلام بأصحابه من باب قوله تعالى : «قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِى خَلَقَكَ» 2 في أنّ الصحبة تتحقّق بين المؤمن والكافر ، وبهذا الاعتبار قوله تعالى : «إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ» 3 .
وقوله عليه السلام : «لهم» سهو من النسّاخ ، والظاهر «له» كما أنّ قوله : «فيسيء وجوههم»

1.أنوار التنزيل ، ج ۵ ، ص ۳۶۶ .

2.الكهف (۱۸) : ۳۷ .

3.التوبة (۹) : ۴۰ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 90653
صفحه از 688
پرینت  ارسال به