51
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

قدّر الزمخشري بأولى ممّا قدّر الإمام عليه السلام ، أعني منزلة من كانوا يستخفّونه في الدنيا وموضعه الذي جعله اللّه له ، وهو مجلس الحكومة والإمارة ، واسمه وهو الرئيس والحاكم والأمير ، وبأيّ وجه وجّه ذلك الفاضل سببيّة الباء على تقديره ، فليوجّه بمثله على تقدير الإمام عليه السلام ، و«كنتم به» ذكر في عدّة آيات ، وأنا اُوردها لتحصيل بصيرة في أمر الباء :
في سورة التنزيل «وَأمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ»۱ . في القاموس : «كذّب بالأمر تكذيبا وكذّابا : أنكره . وفلانا : جعله كاذبا». ۲
وفي سورة سبأ: «وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِى كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ»۳ .
وفي سورة الدخان : «إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ»۴ إلى قوله تعالى : «إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ»۵ .
وفي سورة الحجر: «قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ»۶ .
وفي القاموس : «امترى فيه وتمارى : شك» . ۷
ولايخفى أنّه لم يصرّح في الآية مفعول تدّعون ، ولا أنّ مرجع زاوه الحشر أو العذاب حتّى تكون الرؤية رؤية بصر ، فتحتاج إلى توجيه نصب «زلفة» بالحاليّة أو الظرفيّة ، وإرادة غير المعنى الذي ذكرها أرباب اللغة لخصوص الزلفة ، أعني القربة والمنزلة والمكانة والدرجة ، ولا أنّ سوء الوجوه الحالة التي تحصل لها عند القرب من النار المشتعلة شبه الاحتراق ، أو الحالة التي تحصل لمن استضعف كريما فاضلاً، واستحقره عند الأراذل ، وتكبّر عليه وأهانه ، ثمّ وجده ذا قربة ومكانة عند الملك العزيز الجبّار ، والسلطان والعظيم القهّار قد شرّفه بالنيابة ، وفوّض إليه الحكومة بين

1.السجدة (۳۲) : ۲۰ .

2.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۱۲۳ (كذب) .

3.سبأ (۳۴) : ۴۲ .

4.الدخان (۴۴) : ۴۳ ـ ۴۴ .

5.الدخان (۴۴) : ۵۰ .

6.الحجر (۱۵) : ۶۲ ـ ۶۳ .

7.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۸۹ (مري) .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
50

تحت سلطانه جميع أهل العالم ، ولا يملك أحد الشفاعة عنده إلّا من أذن له من المقرّبين ذوي المنزلة والمكانة قد فوّض إليه المحاكمة بين الرعايا ، والمنع والإعطاء بصنوف العطايا ، طار لون وجه المستخفّ ، وصار كالميّت ؛ لما سبق منه بالنسبة إليه .
وفي كتاب الروضة في ذيل حديث نوح عن أبي عبد اللّه : «ثمّ إذا كان يوم القيامة وجمع اللّه تبارك وتعالى الخلائق كان نوح عليه السلام أوّل من يدعى به ، فقال له : هل بلّغت؟ فيقول : نعم . فيقال له : من يشهد لك؟ فيقول : محمّد بن عبداللّه » .
قال عليه السلام : «فيخرج نوح عليه السلام فيتخطّى الناس حتّى يجيء إلى محمّد صلى الله عليه و آله وهو على كَثيب المِسْك ، ومعه عليّ عليه السلام ، وهو قول اللّه عزّوجلّ: «فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا» » الحديث ۱ .
وأيضا في هذا الذيل في قوله تعالى : «أَمَّنْ يَمْشِى سَوِيّا عَلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»۲ قال عليه السلام : «يعني واللّه عليّا عليه السلام والأوصياء عليهم السلام » ثمّ تلا هذه الآية : « «فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِى كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ» : أمير المؤمنين» ۳ .
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم :
إذا كان يوم القيامة ونظر أعداء أمير المؤمنين ـ صلوات اللّه عليه ـ ما أعطاه اللّه تبارك وتعالى من المنزلة الشريفة العظيمة وبيده لواء الحمد ، وهو على الحوض يسقي ويمنع ، تسودّ وجوه أعدائه ، فيُقال لهم: «هَذَا الَّذِى كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ» منزلته وموضعه واسمه ۴ . انتهى .
وفي الكشّاف :
تدّعون : تفتعلون من الدعاء ، أي تطلبون وتستعجلون . وقيل : هو من الدعوى ، أي بسببه كنتم تدّعون أنّكم لا تبعثون . وقرئ : تدعون ۵ .
أقول : لابدّ من تقدير مفعول ل «تدّعون» على فرض كونه من الدعوى ، وليس ما

1.الكشّاف ، ج ۴ ، ص ۱۳۹ .

2.الكافي ، ج ۸ ، ص ۲۶۷ ، ح ۳۹۲ . والآية في سورة الملك (۶۷) : ۲۷ .

3.الملك (۶۷) : ۲۲ .

4.الكافي ، ج ۸ ، ص ۲۸۸ ، ح ۴۳۴ .

5.تفسير القمّي ، ج ۲ ، ص ۳۷۹ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 90578
صفحه از 688
پرینت  ارسال به