قدّر الزمخشري بأولى ممّا قدّر الإمام عليه السلام ، أعني منزلة من كانوا يستخفّونه في الدنيا وموضعه الذي جعله اللّه له ، وهو مجلس الحكومة والإمارة ، واسمه وهو الرئيس والحاكم والأمير ، وبأيّ وجه وجّه ذلك الفاضل سببيّة الباء على تقديره ، فليوجّه بمثله على تقدير الإمام عليه السلام ، و«كنتم به» ذكر في عدّة آيات ، وأنا اُوردها لتحصيل بصيرة في أمر الباء :
في سورة التنزيل «وَأمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ»۱ . في القاموس : «كذّب بالأمر تكذيبا وكذّابا : أنكره . وفلانا : جعله كاذبا». ۲
وفي سورة سبأ: «وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِى كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ»۳ .
وفي سورة الدخان : «إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ»۴ إلى قوله تعالى : «إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ»۵ .
وفي سورة الحجر: «قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ»۶ .
وفي القاموس : «امترى فيه وتمارى : شك» . ۷
ولايخفى أنّه لم يصرّح في الآية مفعول تدّعون ، ولا أنّ مرجع زاوه الحشر أو العذاب حتّى تكون الرؤية رؤية بصر ، فتحتاج إلى توجيه نصب «زلفة» بالحاليّة أو الظرفيّة ، وإرادة غير المعنى الذي ذكرها أرباب اللغة لخصوص الزلفة ، أعني القربة والمنزلة والمكانة والدرجة ، ولا أنّ سوء الوجوه الحالة التي تحصل لها عند القرب من النار المشتعلة شبه الاحتراق ، أو الحالة التي تحصل لمن استضعف كريما فاضلاً، واستحقره عند الأراذل ، وتكبّر عليه وأهانه ، ثمّ وجده ذا قربة ومكانة عند الملك العزيز الجبّار ، والسلطان والعظيم القهّار قد شرّفه بالنيابة ، وفوّض إليه الحكومة بين
1.السجدة (۳۲) : ۲۰ .
2.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۱۲۳ (كذب) .
3.سبأ (۳۴) : ۴۲ .
4.الدخان (۴۴) : ۴۳ ـ ۴۴ .
5.الدخان (۴۴) : ۵۰ .
6.الحجر (۱۵) : ۶۲ ـ ۶۳ .
7.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۸۹ (مري) .