وبقيت بنو هاشم وبنو المطّلب في الشعب ثلاث سنين مقطوعا عنهم الميرة والتفقّد حتّى ضاقت بهم الحال ، وجعل صبيانهم يتضايعون من الجوع ، ثمّ سلّط اللّه الاُرضة على الصحيفة ، فأكلت منها كلّ ما كان فيها من ذكر جور وقطيعة رحم، وتركت ما كان فيها من اسم اللّه ، وأوحى بذلك إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فذكر لعمّه أبيطالب ، فاجتمعت بنو هاشم وبنو المطّلب ، ولبسوا أحسن ثيابهم ، فخرجوا إلى الحِجر ، وجلسوا مجالس ذوي الأقدار من قريش ، ثمّ قال أبو طالب : يا معشر قريش ، إنّا قد جئناكم لأمر ، فأجيبوا فيه بالمعروف . فقالوا: مرحبا بك ، فقل ما تحبّ ، فعندنا ما يسرّك . فقال أبو طالب : إنّ محمّدا أخبرني ولم يكذبني قطّ ؛ أنّ اللّه تعالى سلّط على صحيفتكم الاُرضة ، فلحست كلّ ما كان فيها من ذكر جور وقطيعة رحم ، وترك ما كان فيها من ذكر اللّه ، فإن كان صادقا نزعتم عن سوء رأيكم ، وإن كان كاذبا دفعته إليكم فقتلتموه أو استبقيتموه . فقالوا : قد أنصفتنا ، ثمّ تمالأت جماعة من قريش في نقض شأن الصحيفة ، فلمّا اُحضرت ونشرت إذا هي كما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فعند ذلك سُقط القوم في أيديهم ، وعلموا أنّهم كانوا ظالمين ، ثمّ مزّقت الصحيفة ، وخرج الناس من الشعب وتخالطوا من بعضهم بعضا ، ثمّ عادت قريش لعداوتها ؛ فهذا معنى قوله عليه السلام : «إنّ بني المطّلب لم يفارقونا في جاهليّة» . انتهى .
والغرض من النقل عن المطرزي أن يعلم أنّ أهل الخلاف اعترفوا من حيث لا يشعرون أنّ أبا طالب كان مؤمنا حيث نقلوا قوله : «إنّ محمّدا أخبرني ولم يكذبني قطّ».
وفي قصيدته اللاميّة المشهورة بين الخاصّة والعامّة :
ألم تعلموا أنّ ابننا لا مكذّبلدينا ولا يعبأ بقول الأباطل۱
وسننقل قدرا وصل إلينا من هذه القصيدة إن شاء اللّه تعالى .
قوله : (شَنَأَ المُقامَ بمكّة) .
في الصحاح : «الشناءة مثل الشناعة : البغض» .
قوله : (حين أوجبتُ لك الطاعةَ على خَلْقي) . [ح ۴ / ۱۱۹۵]