87
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

الحقّ ، وهذا اعتراف بالوحدانيّة .
وقوله :

«وأيّده ربّ العباد بنصرهوأظهر دينا حقّه غير باطل»
مأخوذ من قوله تعالى : «هُوَ الَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ»۱ .
وقوله : «يستسقى الغمام بوجهه» إخبار عن معجزة لم يحضر وقتها ، تظهر على يديه ، وهذا غاية في تصديق دعواه . ۲ انتهى .
ولعمري أنّه ـ طاب ثراه ـ أودع في ذلك الكتاب أعني كتاب العمدة من فضائل الأئمّة الأطهار عليهم السلام ما سدّ طريق الفرار على الأشرار ، ولا يمكنهم الجحود إلّا بعد جهار الإنكار ، لدين النبيّ المختار ، وإلّا بعد تحمّل العار في هذه الدار ، وتوطين النفس بدخول النار في دار القرار ؛ أعاذنا اللّه منها بفضله وكرمه .
قوله : (أسلم أبو طالب بحساب الجُمَّل) . [ح ۳۳ / ۱۲۲۴]
روى الصدوق في كتاب إكمال الدِّين وتمام النِّعمة بإسناده عن أحمد البروزاتي ، قال:
كنت عند أبي القاسم بن روح ـ قدّس اللّه روحه ـ فسأله رجل : ما معنى قول العبّاس للنبيّ صلى الله عليه و آله : إنّ عمّك أبا طالب قد أسلم بحساب الجمّل؟ وعقد بيده ثلاثة وستّين ، فقال: عنى بذلك إله أحد جواد .
وتفسير ذلك أنّ الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والهاء خمسة ، والألف واحد ، والحاء ثمانية ، والدال أربعة ، والجيم ثلاثة ، والواو ستّة ، والألف واحد ، والدال أربعة؛ فذلك ثلاثة وستّون . ۳
قال الفاضل الشارح الصالح :
لعلّه أراد به عقد الخنصر على البنصر ، وعقد الإبهام على الوسطى ؛ فإنّه يدلّ على هذا العدد عند أهل الحساب ، وأراد بهذا الرمز أنّه آمن باللّه بـ مدّة زمان تكليفه وهي ثلاث وستّون سنة ۴ .
أقول : هذا أصحّ فتح المحامل ، ولا يُصغ إلى قول من جعله رمزا عن إيمانه في حالة

1.الأنفال (۸) : ۶۲ .

2.العمدة ، ص ۴۱۳ ، ذيل ح ۸۵۵ .

3.كمال الدين ، ج ۲ ، ص ۵۱۹ ، ح ۴۸ .

4.شرح اُصول الكافي ، ج ۷ ، ص ۱۸۴ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
86

أشدّ الاهتمام ، مشمّرا ذيله في الذبّ عنه ، وقد نظم ممادحه في أشعار كثيرة ، منها قوله في القصيدة اللاميّة : (شعر)

ألم تعلموا أنّ ابننا لا مكذّبلدينا ولا يعبأ بقول الأباطل
وأبيض يستسقى الغمام بوجههثمال اليتامى عصمة للأرامل
وذلك حين استسقى بالتماس أهل مكّة في سنة جدب ، فأنزل اللّه عليهم ببركة دعائه غيثا مغيثا ۱ .
ونقل الشيخ الأجلّ عماد الإسلام وناصر أهل البيت عليهم السلام أبو الحسين يحيى بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن محمّد بن بطريق الأسدي الحلّي ـ جزاه اللّه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ـ في أواخر كتاب العمدة في فصل ما جاء في أبي طالب رضى الله عنهعن الثعلبي أنّه روى في تفسير سورة براءة حديثا في سبق أمير المؤمنين عليه السلام إلى الإيمان ، ثمّ قال :
ويروى أنّ أبا طالب قال لعليّ عليه السلام : أي بُنيَّ ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ قال : «يا أبت ، آمنت باللّه ورسوله ، وصدّقته فيما جاء به ، وصلّيت معه للّه » . فقال له: أما إنّ محمّدا لا يدعو إلّا إلى خير ، فالزمه ۲ .
قال :
وروى الثعلبي أيضا في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى : «وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ»۳ : وبالإسناد المقدّم ، قال : قال مقاتل: نزلت في أبي طالب ـ واسمه عبد مناف ـ وذلك أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان عند أبي طالب يدعوه إلى الإسلام ، فاجتمعت قريش إلى أبي طالب يريدون سوءا بالنبيّ صلى الله عليه و آله ، فقال أبو طالب: (شعر)

واللّه لن يصلوا إليك بجمعهمحتّى أُوسَّد۴في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضةوابشر وقِرّ بذاك منك عيونا
ودعوتني وزعمت أنّك ناصحيولقد صدقت وكنت قبل أمينا
وعرضت دينا لا محالة أنّهمن خير أديان البريّة دينا
قال الثعلبي : وهذا قول مقاتل والقسم بن محيصر وعطاء بن دينار وإحدى الروايات عن ابن عبّاس ۵ .
وقال بعد ذلك :
ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي ، الحديث الحادي عشر من إفراد البخاري في الصحيح من مسند عبد اللّه بن أحمد بن حنبل ۶ .
وساق الكلام إلى أن قال :
وهذه القصيدة معروفة عند أهل النقل ، وهي : (شعر)

لعمري لقد كلفت وجدا بأحمدوأحببته حبّ الحبيب المواصل
وجُدت بنفسي دونه وحميّتهووارأت۷عنه بالذرى والكلاكل
فلا زال في الدنيا جمالاً لأهلهاوشينا لمن عادى وزين المحافل
حليما رزينا۸حازما غير طايشيوالي إله الحقّ۹ليس بماحل
وأيّده ربّ العباد بنصرهوأظهر دينا حقّه غير باطل
ألم تعلموا أنّ ابننا لا مكذّبلدينا ولا يعبأ بقول الأباطل
وأبيض يستسقى الغمام بوجههثمال اليتمى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلّاك من آل هاشمفهم عنده في نعمة وفواضل
كذبتم وبيت اللّه يبزى محمّدولما نطاعن۱۰دونه ونقاتل۱۱
ثمّ قال قدس سره :
وفي هذه القصيدة أشياء ، منها قوله : «لا مكذّب لدينا» فقد أثبت صدقه ونفى عنه الكذب ، وهذا هو الإيمان ؛ لأنّ الإيمان في اللغة هو التصديق .
ومنها قوله : «يوالي إله الحقّ ليس بماحل» أي ليس بمتقوّل للكذب . وأقرّ أنّ اللّه إله

1.نقله العلّامة المجلسي رحمه الله عنه في بحار الأنوار ، ج ۳۵ ، ص ۱۶۶ . وانظر أيضا : الروض الأنف ، ج ۲ ، ص ۱۳ ؛ والبداية والنهاية لابن كثير ، ج ۳ ، ص ۵۴ .

2.العمدة ، ص ۴۱۰ ، ح ۸۵۳ .

3.الأنعام (۶) : ۲۶ .

4.في المصدر : «اغيب» .

5.العمدة ، ص ۴۱۱ ، ح ۸۵۴ .

6.المصدر . وفيه : «مسند عبداللّه بن عمر» .

7.في المصدر : «ودارأت» .

8.في المصدر : «رشيدا» .

9.في المصدر : «إله الخلق» .

10.في المصدر : «نناضل» .

11.العمدة ، ص ۴۱۲ ، ذيل ح ۸۵۵ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 65436
صفحه از 688
پرینت  ارسال به