123
العقد النّضيد و الدّر الفريد

الحديث الثامن والثمانون

۰.أورد الإمام الشهيد محمّد بن أحمد بن الفتّال النيسابوري رحمه الله بإسناده ـ مرفوعا ـ إلى محمّد بن إدريس الشافعي ، عنه إلى رجاء بن حبوة الكندي يقول :. إنّ عمرو بن العاص السهمي سأل معاوية حاجة كبُرَ عليه قضاؤها ، فقضاها لعمرو من ساعته ، فقال له عمرو : جزاك اللّه خيرا ، فما أعمّ إحسانك ، وأبين فضلك وأتمَّ برّك يا أمير المؤمنين !
فقال له معاوية : لو شكرتني على إحساني إليك وإيثاري لك وعطفي عليك لشغلك ذلك عن أجلّ أُمورك ، ولكنَّك لا تشكر إلاّ يسيرا من كثير ما اصطنعته إليك ، وخصصتك به دون غيرك ، فاعرف حقّنا ولا تنكر فضلنا !
فتغيّر وجه عمرو ، ورفع من صوته وقال : فكّرت في أصغر بذلي عندك فوجدته
يعلو الأيادي التي ذكرتها!
فقال معاوية : وكيف ذلك؟
قال : لأنّي طمست لك الشمس بالطين نهارا ، والقمر بالعهن المنفوش ليلاً ، وأبطلت حقّا وحقّقتُ باطلاً حتّى سحرتُ أعين الناظرين وآذان السامعين في إخفاء أودك وإطفاء نور غيرك ، فهل رأيت حقّا كان أحقّ من عليٍّ ـ الهمام الهزبر الضرغام الليث المقدام ، السيّد الإمام والبدر التمام ـ قرابة وشجاعة ونسبا وعلما وحسبا وفضلاً وصلاةً وصياما وعدلاً وطهارة وجودا وكرما وآثارا حسنة في الإسلام ؟!
وهل رأيت باطلاً أبطل منك أوّلاً وآخرا ، اللعين ابن اللعين ، والطليق ابن الطليق ، وثن ابن وثن ، متردّدا فيالطلقاء ، ومن أبناء الطلقاء ، جميع الآثار القبيحة لك ولأبيك ولسلفك في الإسلام ، حتّى خِفتُ أنّي لو لقيت ربّي تبارك وتعالى بأحسن أعمال العاملين مع فعلي مع أهل البيت الطاهرين لم أنجُ من النار قطّ ؟!
فكيف تمنّ عليّ بإحسانك إليّ؟! وأنا فرشت لك الخلافة ، وشددت الخيبة ، وصرعت أعلم الناس وسيّد العرب ومن معه لك ، وأنت في قعر جبٍّ يابس ، آيسا من كلّ خير ، متوقّعا كلّ شرٍّ ، فدفعتك بلطيف حيلتي فإذا أنت في أعلاه ، ثمّ دفعتك أُخرى فإذا أنت في قُلّة الفخر والسلطان ؛ ينفذ قولك في القريب وخاتمك في البعيد ، وأنا أخاف على نفسي أن أموت بالمقت والخسران ولم يرحمني ربّي برحمته، واللّه ُ يقول في كتابه: «سَلَـمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ * إِنَّا كَذَ لِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ»۱ .
ورأيت النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم يخطب الناس ويقول : «أنا وعليٌّ من طينة واحدة طيّبة إلى آدم ، ولم يدخلنا شيءٌ من نكاح الجاهليّة» .
وسمعت رسول اللّه يقول : «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما خير منهما ، وأُمّهما سيّدة نساءِ العالمين» . ثمّ بكى عمرو .
فقال معاوية : يا عمرو ، ما تركت بابا مغلقا إلاّ فتحته ، ولا وعاءً مشدودا إلاّ حللته ، ولا خبئة إلاّ استخرجتها ، الويل لعدوّك منك يا عمرو ! وموتك راحة العدوّ ، وسرورٌ للوليّ .
فقال عمرو : إذا كان بعد موتك يا معاوية ، فهو عيدٌ من الأعياد . قال : اللهمّ افعل ذلك .
فقام معاوية فقال : إمّا أن تنهض وإمّا أن ننهض ، فدخل معاوية بيتا ، وخرج عمرو وهو يقول :
معاوية الخير لا تنسَ لي وعن سنَن الحقِّ لا تعدِلِ
أتنسى محاورة الأشعريّ ونحن على دَومَةِ الجَنْدلِ
فألمظُه عسلاً باردا وأَمزج في ذاك بالحنظل
ألين فيطمع في غِرّتي وقد غاب سهمي في المفصل
ورقّيتك المنبر المشخر بلا حدّ سيف ولا منصل
وأخلعتها منهم بالخداع كخلع النعال من الأرجل
وثبّتها فيك لمّا يئست كلبس الخواتيم في الأنمل
فلمّا ملكت ومات الهمام وألقت عصاها يد الأفضل
منحت لغيري وزن الجبال وأعطيتني زنة الخردل
فإن كان في ذاك نلت المنى ففي عنقي علق الجلجل
وما دمُ عثمان منجٍ لنا من النار والحسب الأطولِ
وإنّ عليّا غدا خصمنا كذاك البتول مع المرسل
فماذا جوابك فيها غدا إذا كان خصمك فيها عليّ۲

1.الصافّات (۳۷) : ۱۳۰ ـ ۱۳۱.

2.حكي صدر الحديث عن الفتّال النيشابوري في الصراط المستقيم ۳ : ۱۷۹ ، وأشعاره عن قصيدة الجلجليّة لعمرو بن العاص نقلها الأميني في الغدير ۲ : ۱۱۳ ـ ۱۱۷ ، باختلاف في بعض الألفاظ والأبيات.


العقد النّضيد و الدّر الفريد
122
  • نام منبع :
    العقد النّضيد و الدّر الفريد
    سایر پدیدآورندگان :
    الناطقي، علي اوسط
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1381
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 24830
صفحه از 243
پرینت  ارسال به