الحديث التاسع والثمانون
۰.عن ابن دأب قال :. دخل عمرو بن العاص ذات يوم على معاوية ، فلمّا رآه معاوية استضحك منه ضحكا شديدا .
فقال له عمرو : أضحك اللّه سنّك وأدام سرورك ، يا أمير المؤمنين ممّ ضحكت؟
قال : يا عمرو ، ذكرت حملة أبي الحسن عليّ بن أبي طالب عليك يوم صفِّين ، وأ نّه لمّا غشيك طرحت نفسك عن فرسك واستقبلت سوءتك حتّى صرف وجهه عنك ، فواقفت واللّه هاشميّا ، فكثر تعجّبي منك كيف أدركت ذهنك حتّى فعلت ما فعلت!
فقال عمرو : أمّا أنا يا أمير المؤمنين ، فإنّي فررت ممّن لا يستحى الفرار منه ، واحتلت نفسي كما تحتال الرجال ، أما واللّه لو بدا له من صفحتك الذي بدا له من صفحتي لأوجع قذالك ، وأيتم عيالك وأنهب مالك ، وأعدمك سلطانك ، غير أنّك تحرّزت منه بالرجال ، أما إنّي قد كنت عن يمينك يوم دعاك إلى مبارزته ، فأحولّت عيناك ، وأربد شدقاك ، وانتفخ جنباك ، وبدا لك من أسفلك ما أكره ذكره لك !
قال معاوية : لم نرد كلّ هذا منك يا عمرو . قال : فمن نفسك يا أمير المؤمنين فاضحك ، ومنها فتعجّب! ۱
الحديث التسعون
۰.عن عبد اللّه بن مسعود قال :. مرّ علينا كعب الأحبار ونحن جلوس عند عمر بن الخطاب في خلافته وعليّ بن أبي طالب عليه السلامجالس معنا ، قال : فجلس إلينا كعب ، فقال له عمر : يا كعب ، حدّثنا بشيءٍ جاء في التوراة في هذا الأُمّة.
فقال له كعب : يا أمير المؤمنين ، أيّها أحبّ إليك ، أُخبرك بالحقّ أو أسكت؟
فقال : أخبر بالحقّ بما يصدّقك القرآن .
فقال كعب : لا يدخل الجنّة من أُمّة محمّد إلاّ القليل الذين أحدثوا من بعده .
فأقبل عليٌّ عليه السلام فقال : «يا كعب ـ ويلك ! ـ أتدري ما قلت؟» قال : نعم ، فقال له عليٌّ : «وَلِمَ لايَدْخُلُونَ الجنّة وهُمْ يَشْهَدُونَ أن لا إله إِلاّ اللّهُ ، ومُحَمَّدا رَسُولُ اللّه ، ويُصَلُّونَ ويَصُومُونَ ويَحجُّونَ البَيْتَ؟».
فقال كعب : إنّك لتعلم ذلك في القرآن خيرا مِمّا أعْلَمُ ، وفي التوراة أيضا : إنّهم سيظلمون صدّيق هذه الأُمّة ـ وعالمها الأكبر ، وخليفة نبيّهم من بعده ـ حقَّه ، وجدته واللّه في التوراة هكذا .
ثمَّ ركب حماره وانطلق إلى منزله ، وكان منزله يومئذٍ ب «قُبا» ، فقال عند ذلك عمر : علَيَّ عهد اللّه ، إن لم يخرج كعب ممّا قال ويخرج لنا ذلك من التوراة لأضربنّ عنقه ! اِيتوني بكعب الساعة .
قال ابن مسعود : فأتبعناه فأخبرناه بما قال عمر فيه .
فقال كعب : واللّه إنّي إذا قلتُ الحقّ لا أُبالي نصرت أو ظلمت . ثمّ أقبل حتّى وقف على عمر ، فقال له : ما قلت اخرج منه ، فقال : واللّه وجدته في التوراة ، فإن تكفَّ عنّي أكتمه ولا أذكره ، وإن أشهيت أن أصدقك أبوح به .
فقال عمر : أصدقني وتقول فيما بيني وبينك ، فقال : هو واللّه عليّ بن أبي طالب .
فقال له عمر : ويحك ! لقد ضلّت أُمّة محمّد وعمر ، وما حفظوا وصيّته فيه إذا .
وروي هذا في سنن أبي مسعود ابن الفرات الرازي أيضا بإسناده .