الحديث الثامن والمائة
۰.خبر الطفيل بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف:.
بإسناد الشيخ المفيد عن ابن عقدة مرفوعا إلى ابن فضّال ، إلى حسن بن جنادة
السلوليّ قال :
كان الطفيل بن الحارث بن عبد المطلب لمّا قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم باليمن، وكان بدريّا ، فلمّا بلغه بيعة الناس لأبي بكر قال : ما فعل بنو عمّنا بنو هاشم؟
قيل له : أمّا عليّ عليه السلام فجلس ببيته بعد أن دعوا إلى البيعة ومشوا إليه فأبى أن يبايع . قال : ثمّ مه؟ قال : قيل له : اُخرِج كما يُخرجُ البعير الأجرب ، وأُحرِق بابه ، وصفقَ على يده ۱ وهو كاره .
قال الطفيل : اللّهمّ سبحانك لا يعجزك شيءٌ ، لقد رأيتنا ندعوه في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم بإمرة المؤمنين ، وما كنتُ أَظنُّ القوم صارفوا هذا الأمر عنه .
قال : فمَن اعتزل معه البيعة؟ قيل له : الزبير والمقداد وسلمان وأبو ذرّ وجماعة لم يؤل أمرهم إلى شيءٍ ، ولقد وَكَّف لفاطمة حمارا ۲ ، فأخرجها وطاف بها على الناس كلّهم ونشدهم حقّها وحقّه ، فما أجابهما أحد .
قال : فبكى الطفيل فقال : ما فعل الرجلان : عبّاس وعقيل؟
قيل له : لم يعينا شيئا .
فقال الطفيل رحمه الله :
أهل مبلغٌ عنّي على النأي هاشما مغلغلةً ضاقتْ بها حرج الصدر
أمرنا إليكم ما أتى من ظلامة وفيكم وصيّ المصطفى صاحبُ الأمر
وقل لطليقيهم عقيل وعمّه ألا تغسلا عارَيكما اليومَ في بدر
ألا ترجعاها عودة بعد مدّة فما لكما ألاّ تجيبان من عذر
أمن قلّة فالقلّ قد يُبْتَغى به ولا عذر عند اللّه في طلب الكثر
ولو أسد الله استمرّت حياته لأغنى عباد الدين في العسر واليسر
ولو ذو الجناحين الطويل نجادُه لها الأروع الرحب الوسيعة والصدر
ولو كان . . . . . ابن سخيلة لأبصرته حامي الحقيقة ذا نكر
أخفضا إلى الدنيا بكم واستكانةأرى أم قلوبا مانعين من الكفر
قال ابن فضّال : موافقٌ لما روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وقد ذكرته ورويته ليكون شاهدا على صدق قول الطفيل ، [ و ] كان من خاصّة أمير المؤمنين ، ولم يفارقه حتّى شهد معه مشاهده كلّها .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : لو كان لي حمزة وجعفر حيّين ما سلّمت هذا الأمر أبدا ولا قَعَد أبو بكر على أعوادها ، ولكنّي ابتليت بجلفين حافيين : عقيل والعباس .
وقال الطفيل بن الحارث أيضا :
ألا من لقلب بات بالهمّ منصبا وعين غدا توكافها متسكّبا
وجفن أبى إلاّ اعتماضا على القذى قريبا كما نادى المنادي ...
حليف سهادٍ بات طاوٍ على الأسى يقاسي جوىً باقٍ وصبرا مغلّبا
وما ذاك إلا أنّ تيما وأُختها عَدِيّا أجالا في الضلالِ فأوعبا
أزاحا وصيّ المصطفى عن مقامه وباءا عليه ضلّة وتكذبا
وبايعه قومٌ علينا أظنّةٌسراع إلى البأساء فينا تألّبا
ولم تأل منّا عصبة ذو حفيظة دفاعا ولا فعلاً حميدا مجرّبا
جزى الله عنّا صالحا من جزائه أبا معبد المقداد والمرء جندبا
هما وفيا للّه فينا بعهده ولم يبغيا عن منهج الحقّ مذهبا
ولا يبعد الله الزبير ابن أُختنا دفوعا عن الأحباب فينا مذببا
وسلمان مولى القوم من آل أحمد أطاع بنا الطهر الّتي المقرّبا
قال ابن فضّال ـ بإسناد ذكره عن محمّد بن عبد اللّه بن أبي رافع عن أبيه ، وكان
ابنه كاتب أمير المؤمنين ـ : إنّ الطفيل بن الحارث وأخاه الحصين بن حارث ممّن شهدا حروب علي عليه السلام ـ في حديث طويل والتقطنا منه ما كنّا به محتاجين في هذا الموضع ـ قال : فأقبل كعب بن سور يوم الجمل فنادى : من يبارزني؟ فقال رجلٌ من همدان : أنا أُبارزك ، فبرزا فقتل كعب بن سور الهمداني ، ثمّ أخذ بِخطام الجمل ساعة وقال : من يبارزني؟ فقال له الطفيل : عليك لعنة اللّه وعلى من يكنع عنك ! فقال له كعب : فابرز إذ شئت ، قال : واللّه ما أنت تخطر لي! ولكن قل للزبير يبارزني.
فقال كعب للزبير ، فجاء الزبير ، فقال : مَنْ ذا يبارزني؟ فقال الطفيل : أتعرفني؟ قال : وهل أُنكرك؟ قال له الطفيل : ألا تنكرني فقد أنكرت الحقّ ومن هو خير منّي!! قال : ومن ذاك؟ قال : ذاك الأصلع الأنزع مولاك ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة! قال : لمن كان كذلك؟ فلقد كنت له خير أُمّتك ؛ لقد جئته متوفّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وكنت معه ولم أُحدث بيعة ولم أمشِ فيما يكره حتّى بايع ، فلمّا بايع بايعت ، وأُنكره ؟! لتعرف ذلك يا طفيل حتّى تقول :
فلا يبعد الله الزبير ابن أُختنا دفوعا عن الأحباب فينا مذبّبا
أطاع بنا الرحمن من دون قومنا ولم يطع الشيطان فينا ولا صبا
قال الطاطري : هذا البيت الأخير زيادة لم يروه أبان بن تغلب .
رجع الحديث :
فقال له الطفيل : فما بالك نصبت له الحرب وأنت تعرف له هذا؟! قال : فتلا الزبير : «وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَـلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً»۳ هذه واللّه فينا وفيكم خاصّة نزلت؟
قال له الطفيل : بل فيك وفي أصحابك نزلت ، ارجع عنّي يا زبير ، فإنّي أكره قتالك ، وكيف لا وأنت ابن خالي !؟ [ فقال الزبير : ]أرجع لعلّ اللّه أن يصلح بين
هذين الفيلقين .
قال الطفيل : فما بالك قدت هذا الفيلق أنت وطلحة وخرجتما بأُمّ المؤمنين ، وعصيتما الرحمن ، ثمّ أنت الآن تتمنّى الأماني في إصلاح بينهما ؟!
قال : فقال له الزبير : إنّ مع الخوف الطمع ، ارجع عنّي فلا تسألني ، فواللّه إنّي لأخشى أن أكونَ من أهل هذه الآية : «فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ»۴ وذكر .