143
دليل المحبّة

لا يتحقّق بدون التوجّه إلى الخالق ، فالذي لا يحبّ الشعب للّه ، ولا يحرص على مصلحته في سبيل اللّه ، لا يمكن أن يتنكّر لذاته ولا يأخذ مصالحه الشخصيّة بنظر الاعتبار . إنّ المحبّة القائمة على أساس المصلحة الشخصيّة هي في الواقع ليست محبّة للآخَر ، بل هي نوع من الأنانيّة ولكن بثوب محبّة الآخرين ، ولهذا السبب يبقى وجودها واستمرارها رهنا بالمصلحة ؛ فحيثما شعر أنّ المحبوب غير قادر على تلبية إرادة المحبّ ومصلحته ، زالت تلك المحبّة ، وكثيرا ما تتحوّل المحبّة إلى عداء ، وهذا هو السبب الذي جعل النصوص الدينيّة تؤكّد أنّ المحبّة القائمة على اُسس الدين وفي سبيل اللّه هي المحبّة الوحيدة التي يُكتب لها البقاء ، أمّا المحبّة المبنيّة على الأنانيّة والدوافع المصلحيّة فهي تتحوّل عاجلاً أو آجلاً إلى بغضاء : « الْأَخِلاَّءُ يَوْمَـلـءِذِم بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ »۱.
وفي ضوء ما مرّ ، يتّضح أنّ حكمة الترغيب في المحبّة في اللّه هي أنّها قوام المجتمع الإنساني المنشود وأنّه لا سبيل لتحقّقه إلاّ بها .

فلسفة البغض في اللّه

قد يتبادر هنا إلى الأذهان سؤال مهمّ ، مفاده أنّ الإسلام إذا كان يرنو إلى تشييد صرح مجتمع قائم على المحبّة ، فلماذا يحرّض أتباعه

1.الزخرف : ۶۷ .


دليل المحبّة
142

الموجودة لدى الإنسان ، ولو تمّت معالجة هذا الداء لحلّت المحبّة محلّ العداوة ، ولذاقت الإنسانيّة حلاوة المحبّة وطعمها .

مبدأ المحبّة

إنّ العلاج الأمثل لداء الانانيّة هو محبّة اللّه ، وما دام الإنسان بعيدا عن سبيل اللّه ، لا يتسنّى له الانعتاق من ربق ذاته ، وطالما بقي مقيّدا في أغلال ذاته ، لا يمكنه أن يحبّ غيره حبّا حقيقيّا ، ولهذا جاء في الحديث القدسي : «يَابنَ آدَمَ ! كُلٌّ يُريدُكَ لِأَجلِهِ ، وأنَا اُريدُكَ لِأَجلِكَ» ۱ ، فكلّ من يدّعي محبتك أيّها الإنسان إنّما يريدك في الحقيقة لسدّ حاجاته وضمان مصلحته الذاتية ، وإنّ اللّه الغنيّ وحده هو الذي يريد الإنسان من أجل الإنسان نفسه ، وليس من أجل شيء آخر .
واستنادا إلى ما سلف قوله تتحدّد محبّة الإنسان للآخرين بمدى خلوّه من محبّة ذاته ، وامتلائه بمحبّة اللّه ، وهكذا ينكشف لنا السرّ الكامن وراء تأكيد الإسلام مبدأ الحبّ في اللّه ، ويتّضح أنّ الذين يحبّون الناس حبّا حقيقيّا ويحرصون على مصالح أبناء الشعب هم الذين يحبّونهم للّه وفي اللّه ، ولم يكن فشل الماركسيّة في شعار حماية مصالح أبناء الشعب إلاّ لأنّ الحرص على مصلحة أبناء الشعب

1.المواعظ العددية : ۴۲۰ .

  • نام منبع :
    دليل المحبّة
    سایر پدیدآورندگان :
    التقديري، محمّد؛ المسعودي، عبدالهادي؛ غلامعلي، مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1382
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 42256
صفحه از 170
پرینت  ارسال به