29
الرجال لابن الغضائري

وفي ما لو تعارض قوله مع قولهما أو قول أحدهما، فلا بُدّ من الترجيح أو الجمع مهما أمكن، وإلاّ فالتوقّف في الراوي، لمكان الجرح المنقول الّذي يؤدّي إلى الريب فيه، وهذا هو مؤدّى تقديم الجرح على التعديل.
وقد لا يكون في ما أورده الغضائريّ أو غيره دلالةٌ على «الطعن» القادح في الثقة، فلا يمنع من القبول أو ترجيح غيره.
وقد رأيتُ أفضل من فهم أغراض ابن الغضائريّ، وعمل بها ووجّهها بقوة، هو الإمام العلاّمة الحلّي في «الخلاصة».
وأمّا ما يُظهره ابن الغضائريّ من التصرّفات، فهو يصرّح بوجه عمله فيها بقوله: «وعندي» و«وأظنّه» و «فيما رأيته» و «ما رأيت له» و «لا أعرف له» و «فإني رأيتُ» و«قد وجدتُ» و«رأيت له» و«ولا أرى» و«أرى» وغير ذلك مما ظاهره «الاجتهاد» من ابن الغضائريّ في الموارد.
ولو جمعتْ هذه الموارد ـ الّتي ظاهرها اجتهاده الخاص ـ لم تتجاوز العَقْد كثيرا.
مع أنّه مصيبٌ في كثير منها، وما أخطأ فيه ليس إلاّ معدودا.
فما هذه الضجّة المصطنعة ضدّه: إنّه كثير الجرح؟!
ثمّ إنّ أحكامه ـ كالسابقين عليه ـ إنّما عُرفت من خلال كتب المجروحين ورواياتهم، وهي نُبذت وصُودرت وطرحت من المجاميع المتأخّرة، وصُفّيت من الكتب، فصفَتْ من أحاديث التخليط والغُلوّ والارتفاع، الّتي عرف بها رواتها هؤلاء، وإنّما بقيتْ المجموعة المقبولة، الخالية من شوائب تلك المخالفات. فليس من الصواب انتقاد علماء الرجال الطاعنين في أُولئك الرواة، بزعم خلوّ أحاديثهم المتداولة ممّا اتهموهم به من الطعون!


الرجال لابن الغضائري
28

419 ـ 501) مع المناقشة الضافية.
إنّ الاهتمام بأمر «الضعفاء» تَبدو فائدته جليّة على منهج القدماء، حيث إنّ وجود الطعن، يعني عدم الثقة، وانتفاؤه يعني الثقة، إطلاقا وتقييدا، كما شرحنا.
وإذا انحصر عدد الضعفاء في مقدار معيّن، فإنّ «أصالة الوثاقة في المؤمن» تكون فاعلةً مؤثّرة، في مَنْ ثبت انتماؤه المذهبيّ إلى الإماميّة، وبهذا نتمكّن من تمييز وثاقة مجموعة كبيرة من الرواة، ولا نقف على المأزق الّذي يدفعنا إلى التشبّث بالتوثيقات العامّة المتعمّلَة، والّتي قد ينكشف عوارها بعد حينٍ، وتقلب الأحكام وتغيّر الفتاوى، وتُظهر الفضائح.
إنّ المنهج القويم الّذي التزمه القدماء في التوثيق والتضعيف والمبنيّ على اُسس علميّة رصينة، وسارت عليها الطائفة في تحمّلها طوال القرون وتعاقب الأجيال، لهو أقربُ الطرق الموصِلة إلى معارف أهل البيت عليهم السلامعقيدةً وفقها.
وهو الّذي التزمه ابن الغضائريّ وألّف على أساسه كتابه العظيم هذا، سالكا فيه مسلك العلم والاحتياط للعلم والدين،فرحمه اللّه وإيّانا وجميع العُلماء والمؤمنين.

عمل ابن الغضائريّ

لاريب أنّ ابن الغضائريّ ـ وهو زميل النجاشيّ والشيخ الطوسيّ ـ هو مثلهما في عدم المعاصرة لأكثر الرواة الّذين ذكروهم في كتبهم، وإنّما اعتمدوا في ما ذكروه من أحوالهم، على ما أخذوه من المشهور بين علماء الرجال عند الطائفة، وأقربهم إليهم أبوه الحسين الغضائريّ الّذي اشتهر بالمعرفة بالرجال.
فما أورده المؤلّف في كتابه من عبارات الجرح والتعديل، إذا كانت مطلقة غير مسندة إلى أحد، فحكمها حكم ما أطلقاه الطوسيّ والنجاشيّ، محمولةً على أنّ ذلك هو المعروف عند الطائفة.

  • نام منبع :
    الرجال لابن الغضائري
    سایر پدیدآورندگان :
    حسيني الجلالی، محمد رضا
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1380
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 22902
صفحه از 208
پرینت  ارسال به