عَنِ اللَّهِ - جَلَّ وعَزَّ - لا تَخلُو مِنْ مَعنَيينِ :
إمّا حَقٌّ فَيُتَّبَعُ، وإمّا باطِلٌ فَيُجْتَنَبُ . وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الاُمّةُ قاطِبَةً لَا اختِلافَ بَيْنَهُمْ أنَّ القُرآنَ حَقٌّ لا رَيْبَ فيهِ عِندَ جَميعِ أهلِ الفِرَقِ وَفي حالِ اجتِماعِهِمْ، مُقِرُّونَ بِتَصْدِيقِ الكِتابِ وَتَحْقيقِه ، مُصيبُونَ مُهْتَدُونَ؛ وذلِكَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه و آله :
لا تَجْتَمِعُ اُمَّتي عَلى ضَلالَةٍ .
فَأَخْبَرَ أنَّ جَميعَ مَا اجْتَمَعَتْ عَلَيهِ الاُمَّةُ كُلُّها حَقٌّ ، هذا إذا لَمْ يُخالِفْ بَعْضُها بَعْضاً . وَالقُرْآنُ حَقٌّ لَا اخْتِلافَ بَيْنَهُمْ في تَنْزِيلِه وتَصْدِيقِه ؛ فَإذا شَهِدَ القُرآنُ بِتَصديقِ خَبَرٍ وَتَحقِيقِه، وَأَنكَرَ الخَبَرَ طائِفَةٌ مِنَ الاُمَّةِ، لَزِمَهُمُ الإِقرارُ بِهِ ضَرُورَةً حينَ اجْتَمَعَتْ في الأصلِ عَلى تَصدِيقِ الكِتابِ، فَإنْ هي جَحَدَتْ وأنْكَرَتْ لَزِمَها الخُرُوجُ مِنَ المِلَّةِ .
فأوَّلُ خَبَرٍ يُعْرَفُ تَحقيقُهُ مِنَ الكِتابِ وَتَصدِيقُهُ وَالتِماسُ شَهادَتِه عَلَيْهِ خَبَرٌ وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه و آله وَوُجِدَ بِمُوافَقَةِ الكِتابِ وَتَصدِيقِه بِحَيْثُ لا تُخالِفُهُ أقاوِيلُهُمْ ؛ حَيثُ قالَ : إنِّي مُخَلِّفٌ فيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتابَ اللَّهِ وَعِتْرَتي أهْلَ بَيْتي، لَنْ تَضِلُّوا ما تَمَسَّكتُم بِهِما، وَإِنَّهُما لَنْ يفترقا حتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ . فَلَمّا وَجَدْنا شَواهِدَ هذا الحَدِيثِ في كِتابِ اللَّهِ نَصّاً مِثلَ قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَلِبُونَ )۱ .
وَرَوَتِ العامَّةُ في ذلِكَ أخباراً لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام أنَّهُ تَصَدَّقَ بِخاتَمِه وَهُو راكِعٌ، فَشَكَرَ اللَّهُ ذلِكَ لَهُ وأنْزَلَ الآيةَ فيهِ، فَوَجَدْنا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه و آله قَد أتى بِقَولِهِ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَليُّ مَولاهُ، وَبِقَولِهِ : أنتَ مِنِّي بِمَنزِلَةِ هارُونَ مِن مُوسى إِلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدِي . وَوَجَدْناهُ يَقُولُ : عَليٌّ يَقْضي دَيْني، و يُنْجِزُ مَوْعِدِي، وَهُوَ خَليفَتي عَلَيْكُم مِنْ بَعْدِي.
فَالخَبَرُ الأَوَّلُ الَّذِي اسْتُنبِطَتْ مِنهُ هذِهِ الأَخبارُ خَبَرٌ صَحيحٌ مُجمَعٌ عَلَيهِ لَا اختِلافَ فيهِ عِندَهُم، وَهُوَ أيضاً مُوافِقٌ لِلْكِتابِ ؛ فَلَمّا شَهِدَ الكِتابُ بِتَصدِيقِ الخَبَرِ وَهذِهِ الشَّواهِدُ الاُْخَرُ لَزِمَ عَلَى الاُمَّةِ الإقرارُ بِها ضَرُورَةً؛ إِذ كانَتْ هذِهِ الأخبارُ شَواهِدُها مِنَ القُرآنِ ناطِقَةٌ، وَوافَقَتِ