89
في رحاب حديث الثقلين و احاديث اثني‌عشر

تعرفونهم أو تجدونهم إلّا من فروع الشجرة المباركة وبقايا الصفوة الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وبرأهم من الآفات، وافترض مودّتهم في الكتاب؟۱
وقال القندوزي نقلاً عن المناقب، عن عبد اللَّه بن الحسن المثنّى بن الحسن المجتبى ابن عليٍّ المرتضى عليهم السلام، عن أبيه، عن جدّه الحسن السبط : «خطب جدّي صلى اللَّه عليه و آله يوماً، فقال بعد ما حمد اللَّه وأثنى عليه :
معاشِرَ الناس، إنِّي اُدعى‏ فَاُجيبُ ، وإِنّي تارِكٌ فيكُمُ الثَّقَلَينِ : كِتابَ اللَّهِ وعِترَتي أهلَ بَيتي ، إن تَمَسَّكتُم بِهِما لَن تَضِلّوا ، وإنَّهُما لَن يَفتَرِقا حَتّى‏ يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ، فَتَعَلَّموا مِنهُم ولا تُعَلِّموهُم ؛ فَإِنَّهُم أعلَمُ مِنكُم ، لا تَخلُو الأَرضُ مِنهُم ، ولَو خَلَت إذاً لَساخَت‏۲بِأَهلِها.
ثمّ قال : اللهُمَّ بلى لا تَخلُو الأرضُ من حجّة على خلقك؛ لِئلّا تَبطُلَ حُجَّتُكَ ، ولا تَضِلَّ أولياؤكَ بعد إذْ هَدَيتَهُم، اُولئِكَ الأَقَلّونَ عَدَداً ، وَالأَعظَمونَ عِندَ اللَّهِ قَدراً .
لَقَد دَعَوتُ اللَّهَ - تَبارَكَ وتَعالى‏ - أن يَجعَلَ العِلمَ والحِكمَةَ في عَقِبي وعَقِبِ عَقِبي ، وفي زَرعي وزَرعِ زَرعي إلى‏ يَومِ القِيامَةِ ، فَاستُجيبَ لي۳»
.
ب : ثقالة التمسك بهما والعمل بما يتلقى عنهما، ورعاية حقوقهما على الناس؛ لأنّهما يأمران بالعبوديّة والإخلاص للَّه تعالى ومخالفة الهوى والعدل والإحسان، وينهيان عن الفحشاء والمنكر وعن متابعة النفس والشيطان وعن الظلم والعدوان.
قال ابن الأثير في النهاية : سمّاها ثقلين؛ لأنّ الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل‏۴.
وعن الأزهري في تهذيب اللغة، ومحمّد بن مكرم بن منظور الإفريقيّ المصري في لسان العرب،۵ وأبي عبد اللَّه محمّد بن خلفة المالكيّ في إكمال المعلّم،۶ وأبي عبد اللَّه محمّد

1.الصواعق المحرقة: ص ۱۵۰ ؛ و راجع: جامع أحاديث الشيعة: ج ۱ ص‏۴۰.

2.ساخت بهم الأرض : انخسفت (لسان العرب : ج ۳ ص ۲۷ «سيخ») .

3.ينابيع المودّة : ج ۱ ص ۷۴ ح‏۹ وراجع: كفاية الأثر : ص ۱۶۵، بحار الأنوار : ج ۳۶ ص ۳۳۸ ح ۲۰۱ .

4.النهاية في غريب الحديث: ج ۱ ص ۲۱۶.

5.لسان العرب: ج ۱۱ ص ۸۸.

6.محمّد بن خلفة بن عمر الآبي الوشتانيّ‏المالكيّ من أهل تونس نسبته إلى «آبة» من قراها، وله إكمال إكمال المعلّم لفوائد كتاب مسلم (الأعلام للزركلي: ج ۶ ص ۱۱۵).


في رحاب حديث الثقلين و احاديث اثني‌عشر
88

والأحكام الشرعيّة، ولذا حثّ صلى اللَّه عليه و آله على الاقتداء والتمسّك بهما.۱
أقول: كون التمسّك بهما حافظاً عن الضلال وهادياً إلى الحقّ يستلزم كونهما معدناً للعلوم الدينيّة والأسرار والحِكم، كما لا يخفى.
والذي يظهر من كلمات هؤلاء أنّ كلاًّ منهما معدن للعلوم والأسرار، بحيث يمكن أن يُتمسّك بإحداهما دون الآخر وإن لم يكن جائزاً وحافظاً عن الضلال، ولكنّ الحقّ أنّ العترة لا يفترق عن الكتاب، وعلومهم ينتهي إلى الكتاب، كما أنّ الكتاب لا يكتفى به؛ لأنّ علوم القرآن عندهم، وهم الذين يفسّرونه ويتكلّمون فيه عن علم دون آخرين، فلا يمكن التفكيك بينهما، فافهم ذلك، وكذلك السنّة أيضاً مكتوباً عندهم بإملائه صلى اللَّه عليه و آله وخطّ عليّ عليه السلام، فلا ينال أحد علم الكتاب والسنّة إلّا من طريق أهل البيت . عليهم السلام ، قال ابن حجر في الصواعق‏۲ :
قوله تعالى : (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)۳أخرج الثعلبيّ في تفسيرها، عن أبان بن تغلب، عن جعفر محمّد رضى اللَّه عنه أنّه قال : «نَحنُ حَبْلُ اللَّهِ الذي قال اللَّه : (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)،۴»، وكان جدّه زين العابدين إذا تلا قوله تعالى : (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَ كُونُواْ مَعَ الصَّدِقِينَ )۵ يقول دعاءً طويلاً يشتمل على طلب اللحوق بدرجة الصادقين والدرجات العَليّة، وعلى وصف المحن وما انتحلته المبتدعة المفارقون لأئمّة الدين والشجرة النبويّة،
ثمّ يقول : وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا، واحتجّوا بمتشابه القرآن، فتأوّلوا بآرائهم» واتّهموا مأثور الخبر - إلى أن قال - : فإلى من يفزع خلف هذه الاُمّة؟ وقد درست أعلام هذه الملّة، ودانت الاُمّة بالفرقة والاختلاف، يكّفر بعضهم بعضاً، واللَّه تعالى يقول : (وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْبَيِّنَتُ)۶، فمَن الموثوق به على إبلاغ الحجّة وتأويل الحكم إلّا أهل الكتاب وأبناء أئمّة الهدى ومصابيح الدجى، الذين احتجّ اللَّه بهم على عباده، ولم يدع الخلق سدى من غير حجّة؟ هل

1.راجع: جامع أحاديث الشيعة: ج ۱ ص ۳۷.

2.الصواعق المحرقة: ص ۱۵۱.

3.آل عمران:۱۰۳.

4.تفسير الثعلبي: ج‏۳ ص ۱۶۳.

5.التوبة: ۱۱۹.

6.آل عمران: ۱۰۵.

  • نام منبع :
    في رحاب حديث الثقلين و احاديث اثني‌عشر
    سایر پدیدآورندگان :
    فرجی، مجتبی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1391
    نوبت چاپ :
    اول
    شمارگان :
    1000
    قیمت :
    45000
تعداد بازدید : 94782
صفحه از 260
پرینت  ارسال به