مع الصدوق و كتابه « الفقيه » - الصفحه 107

مع الصدوق وكتابه «الفقيه»

السيّد ثامر هاشم حبيب العميدي

الصدوق: هو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي المعروف بالصدوق مطلقاً، ومقيداً بلفظ (الثاني) تمييزاً له عن لقب أبيه (الصدوق الأول)، وإذا اطلق (ابن بابويه) فالمراد به الصدوق غالباً، وأبوه أو أخوه ـ الحسين ابن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ـ أحياناً، ولو ثُنّي بقولهم: (ابنا بابويه) فالمراد به الصدوقان ۱ .
ولادته: لولادة الشيخ الصدوق قصة سائرة ترددت على لسان مشايخه بإعجاب وإكبار وتعظيم لشخصه، وانتشرت بين أوساط الشيعة في عصره لا سيما في مدينة قم المشرفة مسقط رأسه.
فقد روى الشيخ الطوسي، عن أبي عبد الله الحسين بن محمد بن سورة القمي أنه قال: حدثني علي بن الحسين بن يوسف الصائغ القمي ومحمد بن أحمد بن محمد الصيرفي المعروف بابن الدلّال وغيرهما من مشايخ قم؛ أن عليَّ بن الحسين بن
موسى بن بابويه كانت تحته بنت عمه محمد بن موسى بن بابويه، فلم يرزق منها ولداً، فكتب الى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) أن يسأل الحضرة أن يدعو الله أن يرزقه أولاداً فقهاء، فجاء الجواب:
انك لا ترزق من هذه، وستملك جاريه ديلمية وترزق منها ولدين فقيهين.
وقال لي أبو عبد الله بن سورة (حفظه الله): ولأبي الحسن بن بابويه رحمه الله ثلاثة أولاد: محمد، والحسين: فقيهان ماهران في الحفظ، ويحفظان مالا يحفظ غيرهما من أهل قم، ولهما أخ اسمه الحسن وهو الأوسط، مشتغل بالعبادة والزهد، لا يختلط بالناس ولا فقه له.
قال ابن سورة: كلما روى أبو جعفر، وأبو عبد الله ـ ابنا علي بن الحسين ـ شيئاً، يتعجب الناس من حفظهما ويقولون لهما: هذا الشأن خصوصية لكما بدعوة الإمام لكما. وهذا أمر مستفيض في أهل قم ۲ .
ويؤيد ذلك ما رواه الشيخ أيضاً، وما قاله الصدوق نفسه، واللفظ للصدوق؛ قال: «وحدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه) قال: سألني علي بن الحسين بن بابويه (رضي الله عنه) بعد موت محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) أن أسأل أبا القاسم الرُّوْحي، أن يسأل مولانا صاحب الزمان عليه السّلام أن يدعو الله عزّوجلّ أن يرزقه ولداً ذكراً. قال: فسألته، فأنهى ذلك. ثم أخبرني ـ بعد ثلاثة أيام ـ أنه قد دعا لعلي بن الحسين، وأنه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به، وبعده أولاد.
قال أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه): وسألته في أمر نفسي أن يدعو الله لي أن يرزقني ولداً ذكراً، فلم يجبني إليه، وقال: ليس إلى هذا سبيل! قال: فُولِد لعلي بن الحسين (رضي الله عنه) [وفي رواية الشيخ: تلك السنة] ۳ محمد بن
علي، وبعده أولاد، ولم يولد لي.
قال مصنف هذا الكتاب (رضي الله عنه) [أي: الصدوق نفسه]: كان أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه) كثيراً ما يقول لي ـ إذا رآني أختلف الى مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه)، وأرغب في كَتْبِ العلم وحفظه ـ : ليس بعجب أن تكون لك هذه الرغبة في العلم، وأنت ولدت بدعاء الإمام عليه السّلام » ۴ .
ونظيره ما ذكره النجاشي في ترجمة الصدوق الأول، قال: «كان قدم العراق واجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله وسأله مسائل، ثم كاتبه بعد ذلك على يد علي بن جعفر بن الأسود يسأله أن يوصل له رقعة الى الصاحب عليه السّلام ويسأله فيها الولد. فكتب اليه: قد دعونا الله لك بذلك، وسترزق ولدين ذكرين خيّرين، فوُلِدَ له أبو جعفر، وأبو عبد الله من أم ولد.
وكان أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله يقول: سمعت أبا جعفر يقول: أنا ُولِدت بدعوة صاحب الأمرعليه السّلام . ويفتخر بذلك» ۵ .
ومن مراجعة النصوص المتقدمة يُعلَم أنّ الصدوق الأول قد بعث برسالته ـ التي طلب فيها الولد ـ من قم الى بغداد على أثر رجوعه من بغداد، إذ كان قدم إليها في أوائل سفارة الحسين بن روح بُعَيد وفاة العمري، واجتمع مع الحسين ابن روح، ثم عاد إلى بلدته قم، وكتب إليه ما تقدم.
وبما أن وفاة العمري مرددة الوقوع بين سنة 304هـ ، وبين آخِر جمادى الأولى ـ الشهر الخامس ـ من سنة 305هـ ۶ ، وهي السنة الراجحة بقرينة التحديد بالشهر، زيادة على كون التاريخ المذكور قد وُجِد مكتوباً بخط الجليل الثبت
أبي غالب الزراري (285 ـ 368هـ ) المعاصر للعمري، إذ كان عمره يوم وفاة العمري عشرين عاماً بناء على ما نُقل عن خطه في تحديد تاريخ الوفاة؛ فإنه من المحتمل جداً أن يكون اجتماع الصدوق الأول بالحسين بن روح ما فَضُلَ من شهور سنة 305هـ ، بل هو الظاهر من كلام النجاشي.
وعليه، فلو احتملنا تحقق الاجتماع بينهما بعد شهر واحد أو شهرين من وفاة العمري، فإنّ ستة شهور كافية لرجوع الصدوق الأوّل من بغداد إلى قم، ثم مراسلة السفير الثالث من قم إلى بغداد، ورجوع الجواب مشفوعاً ببشرى الولد من الديلمية التي لم يتزوجها علي بن بابويه بعد. وهذا يعني وصول جواب رسالته في أوائل سنة 306هـ على أبعد تقدير.
ولو قلنا بأنّ زواجه من الديلمية قد تمّ في أول شهر ربيع الأول من سنة 306هـ ، أي: بعد مرور شهرين على وصول جواب رسالته ـ وهي مدة كافية للبحث عنها إن لم يكن قد وجدها وكفّ عن التزويج مواساة للرسول الاعظم صلّى الله عليه و آله و سلّم بذكرى محاولة أبناء الطلقاء من شيعة آل سفيان إبادة آل محمدصلّى الله عليه و آله و سلّم ـ ستكون ولادة الصدوق في أواخر سنة 306هـ .
ومما يؤيّد ذلك ما مر في كتاب الغيبة من عبارة: «فولد لعلي بن الحسين (رضي الله عنه) تلك السنة محمد بن علي».
وواضح أن الإشارة بـ «تلك» إنما هي إشارة إلى سنة وصول الجواب من بغداد إلى قم مشفوعاً ببشرى الولد. وقد تقدم ما يدل على وصول الجواب في أوائل سنة 306هـ ، فيكون من البعيد حمل «تلك السنة» ـ في كلام الشيخ ـ على سنة اُخرى غير السنة المذكورة.
هذا، وأما لو أخذنا بالتاريخ الأوّل لوفاة العمري، أي: سنة 304هـ ، فإنه تبعاً لتعدد الاحتمالات في تقدير شهر الوفاة، ستكون ولادة أبي جعفر الصدوق (رضي الله عنه) مرددة بين سنة 305هـ ، وسنة 306هـ ، والله العالم.

1.روضة المتقين ۱۴: ۴۹۳ باب الكنى، وسفينة البحار ۱: ۴۱۰.

2.كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي: ۳۰۸/۲۶۱.

3.راجع كتاب الغيبة/الشيخ الطوسي: ۳۲۰/۲۶۶ في ذكر التوقيعات الواردة من جهة الإمام المهدي عليه السّلام .

4.إكمال الدين ۲: ۵۰۲ ـ ۵۰۳/۳۱، باب ۴۵ في ذكر التوقيعات.

5.رجال النجاشي: ۲۶۱/۶۸۴.

6.كلا التاريخين أوردهما الشيخ في كتاب الغيبة: ۳۶۶/۲۳۴.

الصفحه من 174