101
مكاتيب الأئمّة ج3

4

كتابُه عليه السلام إلى أهل الكوفة

بعد شهادة الحسن عليه السلام

۰.و[ لمَّا ] بلغ أهل الكوفة وفاة الحسن ، فاجتمع عظماؤهم فكتبوا إلى الحسين رضى الله عنه يُعزُّونه . وكتب إليه جَعْدَة بن هُبَيْرَة بن أبي وَهَب۱، وكان أمحْضَهم
حُبَّاً ومَودَّةً :
أمَّا بَعدُ ؛ فإن مَن قِبَلَنا مِن شيعَتِكَ مُتَطَلِّعَةٌ أَنفُسُهُم إلَيكَ ، لا يَعْدِلونَ بِكَ أحَداً ، وَقَد كانوا عَرَفوا رأيَ الحَسَنِ أَخيكَ في دَفعِ الحَربِ ، وَعَرَفوكَ باللِّينِ لأَولِيائِكَ ،
وَالغِلْظَةِ عَلى أَعدائِكَ ، والشِّدَّةِ في أمرِ اللّه ِ ، فَإنْ كُنتَ تُحِبُّ أنْ تَطلُبَ هذا الأمرَ فَأقدِم علَينا ، فَقَد وطَّنا أَنفُسَنا عَلى المَوتِ مَعَكَ .
فكتب إليهم :
أمَّا أخي ، فَأَرجو أنْ يكونَ اللّه ُ قَد وَفَّقهُ ، وسَدَّده فيما يأتي .
وَأمَّا أنَا ، فَلَيسَ رأيي اليومَ ذلِكَ ، فالصَقوا رَحِمَكُم اللّه ُ بالأَرضِ ، واكمَنوا فِي البُيوتِ ، وَاحتَرِسوا مِنَ الظِّنَّةِ ما دامَ مُعاوِيَةُ حَيَّاً ، فَإن يُحدِثِ اللّه ُ بهِ حَدَثاً وأنَا حَيٌّ ، كَتَبتُ إِلَيكُم برأيي ، وَالسَّلام . ۲

1.جُعْدَةُ بنُ هُبَيرَةَ المَخْزومِيّ جعدة بن هبيرة بن أبي وهب القرشيّ المخزوميّ ، واُمّه أُمّ هانئ بنت أبي طالب . وُلِد على عهد النّبيّ صلى الله عليه و آله ، لكنّه لم يصحبه (رجال الطّوسي : ص ۳۳ الرّقم ۱۵۶ ؛ الإصابة : ج ۱ ص ۶۲۸ ) ، ورآه (الإصابة : ج ۱ ص ۶۲۸ ، تهذيب الكمال : ج ۴ ص ۵۶۴) . أثنى المؤرّخون على استبساله في القتال (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ۱۰ ص ۷۷) ، وفقاهته (تهذيب الكمال : ج ۴ ص ۵۶۴ ، الاستيعاب : ج ۱ ص ۳۱۱ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ۱۰ ص۷۷) ، وقدرته الخطابيّة (وقعة صفّين : ص ۴۶۳) . وهو ابن اُخت الإمام عليه السلام (راجع : المستدرك على الصّحيحين : ج ۳ ص ۲۱۰ ح ۴۸۷۰ ، تهذيب الكمال : ج ۴ ص۵۶۴ ؛ رجال الطّوسي : ص ۵۹ الرّقم ۵۰۷ ، رجال الكشّي : ج ۱ ص ۲۸۱ الرّقم ۱۱۱) ، وصهره (راجع : المستدرك على الصّحيحين : ج ۳ ص ۲۱۰ ح ۴۸۷۰ ، نسب قريش : ص ۳۴۵ ) . وكان الإمام عليه السلام يحبّه كثيرا ويحتفي به (وقعة صفّين : ص ۴۶۳) . وحين دخل الكوفة كان معه في داره (وقعة صفّين : ص ۵ ؛ الفتوح : ج ۲ ص ۴۹۲) . وفي حرب صفّين قابل عتبة بن أبي سفيان وتحدّث معه باقتدار كبير ، وأثنى على منزلة الإمام عليه السلام الرّفيعة ، وطعن في أبي سفيان بكلّ صلابة (راجع : رجال الكشّي : ج ۱ ص ۲۸۱ ح ۱۱۱ ، الاختصاص : ص ۷۰ ، وقعة صفّين :ص۴۶۴) ، وجَبُن عتبة في مواجهته إيّاه ، ففرّ منه (وقعة صفّين : ص ۴۶۴) . وحواره معه آية على وعيه لموقف الإمام الحقّ ، وسفاهة العدوّ ورِجسه . استعمله الإمام عليه السلام على خراسان (راجع : المستدرك على الصّحيحين : ج ۳ ص ۲۱۱ ح ۴۸۷۰ ، تاريخ الطّبري : ج ۵ ص ۶۳ ، تهذيب الكمال : ج ۴ ص ۵۶۴ ، الإصابة : ج ۱ ص ۶۲۸ ؛ تاريخ اليعقوبي : ج ۲ ص ۱۸۳) . وكان بالكوفة عند استشهاد الإمام عليه السلام . وعندما ضُرب الإمام صلّى مكانه (تاريخ الطّبري : ج ۵ ص ۱۴۵ ، الكامل في التّاريخ : ج ۲ ص ۴۳۵ ، البداية والنّهاية : ج ۷ ص ۳۲۷) . تُوفّي جِعدةُ في أيّام معاوية (التّاريخ الكبير : ج ۲ ص ۲۳۹ ، التّاريخ الصّغير : ح ۱ ص ۱۴۷) . رجال الكشّي : قال له [ أي لجعدة ] عتبةُ بن أبي سفيان : إنّما لك هذه الشّدّة في الحرب من قبل خالك . فقال له جعدة : لو كان خالك مثل خالي لنسيتَ أباك . (رجال الكشّي : ج ۱ ص ۲۸۱ ح ۱۱۱ ، الاختصاص : ص ۷۰ ) وقعة صفّين : قال عتبة : يا جعدة ! إنّه واللّه ِ ما أخرجَكَ علينا إلاّ حبُّ خالِكَ . . . فَقال جَعدةُ : أمّا حُبّي لِخالي فواللّه ِ أن لو كان لكَ خالٌ مثله لنسيت أباك (وقعة صفّين : ص ۴۶۳) . وقعة صفّين عن الأصبغ بن نباتة : إنّ عليّا لمّا دخل الكوفة ، قيل له : أيُّ القصرَين ننزلك ؟ قال : قَصرُ الخبال لا تُنزِلونيهِ ! فنزل على جعدة بن هبيرة المخزوميّ (وقعة صفّين : ص ۵) . المستدرك على الصّحيحين عن مصعب بن عبد اللّه الزّبيريّ : قال جعدة : ومَن ذا الّذي يأبى عليَّ بخالهِوخالي عليٌّ ذو النّدى وعقيلُ (المستدرك على الصّحيحين : ج ۳ ص ۲۱۰ ح ۴۸۷۰ ، تهذيب الكمال : ج ۴ ص ۵۶۵ ، نسب قريش : ص ۳۴۴ ، الاستيعاب : ج ۱ ص ۳۱۱ نحوه وفيه «يباهي» بدل «يأبى» ، اُسد الغابة : ج ۱ ص ۵۳۹ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ۱۰ ص ۷۹ .

2.الأخبار الطّوال : ص ۲۲۱ وراجع : تهذيب تاريخ ابن عساكر : ج ۴ ص ۳۲۶ ، تاريخ مدينة دمشق ترجمة الإمام الحسين عليه السلام : ص ۱۹۷ ، تاريخ الخلفاء : ص ۲۰۶ ، أنساب الأشراف : ج ۳ ص ۳۶۱ ، البداية والنّهاية : ج ۸ ص ۱۶۱ ؛ المناقب لابن شهرآشوب : ج ۴ ص ۸۷ ، بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۳۲۴.


مكاتيب الأئمّة ج3
100

3

كتابُه عليه السلام إلى معاوية

حول معاملة له مع مسلم بن عقيل

روى المدائنيّ ، قال : قال معاوية يوماً لعَقيل بن أبي طالب : هل من حاجة فأقضيها لك؟
قال : نعم ، جارية عُرِضت عليَّ وأبى أصحابُها أنْ يبيعوها إلاَّ بأربعين ألفْاً ، فأحبّ معاويةُ أنْ يمازحَه .
فقال : وما تصنع بجارية قيمتُها أربعون ألفاً ، وأنتَ أعمى تجتزِئ بجارية قيمتها خمسُون درهماً .
قال : أرجو أنْ أطأها فتلد لي غلاماً إذا أغضبتَه يضرب عنقك بالسَّيف .
فضحك معاوية ، وقال : مازحناك يا أبا يزيد ! وأمر فابتيعَت له الجارية الَّتى أولد منها مسلِماً ، فلمَّا أتت على مسلم ثماني عشرة سنة ـ وقد مات عَقيل أبوه ـ قال لمعاوية : يا أمير المؤمنين إنَّ لي أرضاً بمكان كذا من المدينة ، وإنِّي أُعطيتُ بها مئة ألف ، وقد أحببتَ أنْ أبيعَك إيَّاها ، فادفع إليَّ ثمنها ، فأمر معاوية بقبض الأرض ، ودفع الثَّمن إليه .
فبلغ ذلك الحسين عليه السلام فكتب إلى معاوية :
أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّكَ غَرَرتَ غُلاماً من بني هاشم ، فابتَعتَ مِنهُ أرضاً لا يَملِكُها ، فاقبض مِنَ الغُلامِ ما دَفَعتَهُ إليهِ ، وارْدُدْ إلينا أرضَنا .
فبعث معاوية إلى مسلم ، فأخبَرهُ ذلِكَ ، وَأقرَأهُ كِتابَ الحُسَينِ عليه السلام ، وَقال : ارْدُد علينا مالَنا ، وخُذ أرضَكَ ، فَإنَّك بِعتَ ما لا تَملِك .
فقالَ مسلم : أمَّا دونَ أنْ أضرِبَ رأسك بالسَّيف فَلا .
فَاستَلقى مُعاوِيَةُ ضاحِكاً يَضرِبُ برِجْلَيهِ ، فَقالَ : يا بُنيَّ ، هذا وَاللّه ِ ، كَلامٌ قالَهُ لي أَبوكَ حِينَ ابتعتُ لَهُ أُمَّكَ . ثُمَّ كتبَ إلى الحُسَينِ : إنِّي قَد رَدَدتُ عَلَيكُمُ الأَرضَ وَسَوَّغْتُ مُسلِماً ما أخَذَ .
فقال الحسين عليه السلام : أبيتم يا آلَ أبي سُفيانَ إلاَّ كرَماً .۱
أقول : هذا من مفتعلات المدائنيّ وأضرابه ، لأنَّ مسلما رحمه الله ـ على ما يظهر من الشَّواهد ـ لم يكن وقتئذٍ شابَّاً له ثمان عشرة سنة ، بل هو من الرِّجال الكاملين ، مضافاً إلى أنَّه لم يكن بين بني هاشم وَبني أميَّة هذه المودَّة .

1.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ۱۱ ص ۲۵۱.

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج3
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 60248
الصفحه من 340
طباعه  ارسل الي