صيغ الأداء و التحمل تاريخها، ضرورتها، فوائدها، اختصاراتها - الصفحه 84

صِيَغ الأداء و التحمّل للحديث الشريف تاريخها وضرورتها وفوائدها واختصاراتها

السيّد محمّدرضا الحسيْني الجلالي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، الذي هدانا لدينه بالعلم واليقين، وأوضح لنا طرق التحصيل لهما بالأنبياء والمرسلين، سيّما خاتمهم وسيّدهم إمام المتّقين، الصادق الأمين، الذي وثّق عُرى الإيمان وأنعم على الاُمّة بولاية الأئمّة المعصومين، أئمّة الصدق والحقّ والدين، وعلى أصحابهم رواة العلم وهداة الخلق إلى أصْفى معين، فأدّوا ما عليهم خير أداء عليهم صلوات الله إلى يوم الدين.

المقدّمة:

وبعدُ، فإنّ الحديث الشريف هو أوسع مصادر الفكر الإسلامي أثراً، وأعظمها بعد القرآن دوراً، لأنّ به يعرف تفصيل ما جاء في الكتاب الكريم، ومن خلاله تنكشف أسرار التشريع العظيم.
وقد أكّدالقرآن بآياته البيّنات على حجيّة الحديث ولزوم اتّباع الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم في سنّته، وحتميّة طاعته فيما أدّاه بحديثه وروايته.
وقد أصْبح من أهمّ بديهيّات الإسلام، وأوضح ما عرفه المسلمون في كلّ القرون والأعوام: أنّ الالتزام بسنّة الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم واتّباع ما بلّغه من خلال حديثه هو جزءٌ من التصديق بمقالته والتحقيق للشهادة بنبوّته ورسالته.
كما قد تواترت الأحاديث والروايات عن الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم ـ بحيث لا تقبل التشكيك في صحّتها ـ مؤكّداً على أنّ ما جاء به من الهدى تحويه سنّته المباركة، وأنّ في مخالفتها الضلال والردى.
كما حدّدَ صلوات الله وسلامه عليه الطرق الأمينة الموصلة إلى سنّته، وعيّنَ الحاملين الاُمناء لها إلى اُمته.
كما أنّ أئمّة الإسلام وحجج الله على الأنام بعد الرسول عليه السّلام الذين نصبهم أعلاماً للهداية، ومنجاة من الضلالة والغواية، وهم خلفاؤه الأئمّة الأطهار الاثنا عشر عليهم السّلام قد أكّدوا ـ قولاً وعملاً ـ على أهميّة السنّة الشريفة، وعظمة الحديث الكريم، ووجوب تعلّمه وتعليمه، وحفظه ونقله وبثّه وتبليغه، والحفاظ عليه بالتدوين والتقييد والكتابة، والضبط والتجويد والنشر، والتأكيد على أنّها الأساس لحفظ الشريعة وإقامة الدين، ومن خلالها يتحقّق الاتّباع والاقتداء بسيّد المرسلين صلّى الله عليه و آله و سلّم .
وقد تكرّست الجهود العلميّة الجبّارة من علماء المسلمين، صحابةً وتابعين وقدماء ومتأخِّرين، على الاهتمام بالحديث الشريف.
فجُمِعَ الحديث الشريف منذ عصر الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم وعلى يد الاُمناء الأوفياء من صحابته الكرام، وفي مقدّمتهم أمير المؤمنين علي عليه السّلام وأصحابه الأكرمون، مع ما قاسوا في سبيل تأليفه وتدوينه من المنع والأذى والحبس والتهديد والتشريد،
من الحكّام المتّكئين على أريكة القدرة والسلطة، المانعين عن الحديث النبويّ أن يُدوّن ويُكتب، بل وأن يُذاع ويُنشر، مما هو معروف في تاريخ الحديث ۱ .
فكانَ للكرام من علماء صحابة الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم مواقف جليلة في مواجهة أساليب المنع القمعيّة والمتشدّدة، حتّى خلّدوا الحديث في مجاميع كثيرة، تعتبر النواة الاُولى لكنوز الحديث الشريف.
وفي عصر التابعين، كثرت جهود المُعارضين للمنع، وزادت أعمال العلماء الجامعين للحديث الشريف في مدوّناتهم، اقتداء اًبإرشادات الأئمّة من آل البيت عليهم السّلام ، الذين لم يألوا جهداً في القيام بعمليّة الجمع، إلى جانب الحثّ عليه، والتأكيد على لزومه وضرورته.
كما آبَ كثير من أتباع المانعين إلى رشدهم، فأعرضوا عن المنع وأسبابه وعلله ومبرّراته، ولجأوا إلى الجمع والتأليف والتدوين، وبذلك تألّفت كتبُ الحديث العظيمة الخالدة.
وفي مقدمة مؤلّفات الحديث الأصول الأربعمائة، المأثورة عن الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السّلام وما قارنها وتلاها من مؤلّفات عظيمة، كالمصنّفات، والنوادر، والجوامع، التي خلّدت الحديث الشريف، الجامع لأصول الدين وفروع الشريعة، والمرشد إلى الفكر الإسلامي الخالد، والحمد لله ربّ العالمين.
وقد أسّس العلماء ـ بعد عصر التدوين ـ قواعد متينةً، محكمةً رصينةً، مأخوذةً من أساليب العلماء الأوّلين، ومستلهمةً من أعراف المحدّثين، بِهدَف الحفاظ على نصوص الحديث ومتونه وحمايته من الدسّ والتحريف والوضع والتصحيف، فتجمّعت ـ على طول الأعوام ـ اُصولٌ معتبرة عقلاً، وعرفاً، وافق
عليها العلماء التزاماً، واصطلحوا عليها عملاً، مع موافقة الشرع على كلّ عَمَلٍ يؤدّي إلى إصلاح الشأن وتنظيمه، وخاصة الحديث الذي هو مورد رعايته وعنايته.
فتلك القواعد والأصول، إنّما وضعت لترعى وجود الحديث وتجمع شتاته، وتُبيّن موارده، وتُحدّد مسالكه ومصادره، وتُحيي مناره، وتوضّح معالمه، وتكشف متشابهه، وتدفع المساوى عنه، وتصدّ العبث به، لكي يبقى مصوناً مأموناً سليماً، محفوظاً موثوقاً به، لا يتطرّق إليه ريبٌ، ولا يعتريه نقص أو علّة أو عيب، ولا يعترضه تشكيك، أو تزييف.
ومن تلك القواعد ما وضعوه لتحمّله وأدائه من الطرق المعتبرة، اتفقت عليها كلمتهم على أنّها «ثابتة» اعتمدوا على تحديدها بثمانية طرق، على أساس من الحصر المنطقي القويم، والعقل الإنسانيّ السليم، والالتزام العُرفي القائم، وضبطوا كلّ واحدة من تلك الطرق بضوابط، وحاطوها بشروط تضمن سلامتها وإيصالها، مبنية على الوثوق بالمحمول بكلّ طريق.
كما أخذوا على كلّ من الناقلين ـ شيوخاً ورواة ـ صفاتٍ وآداباً، وسنناً وواجبات، تزيد من الرعاية والحماية لأصل الحديث، وتحمي الأعمال والجهود من العطب والتلف.
وممّا قرّروه في باب التحمّل والأداء هو «الألفاظ الخاصة» التي تؤدّى بها رواية الحديث الشريف.
وفي المراحل المتعاقبة، تعدّدت تلك الألفاظ وتكاثرت، حسب الحاجة، التي هي اُمّ الاختراع، فحدّدوا لكلّ طريق لفظاً، وخصّصوا كلّ لفظ بطريق، ورتّبوا على هذا التحديد والتخصيص آثاراً، وحكموا لها بأحكام، تزيد من روعة هذا العلم، وتدلّ على مزيد عنايتهم بشؤونه، وتدفع المتعلّم على متابعة جهودهم لمعرفة
مصطلحاتهم.
فكان من الضروريّ معرفة هذه الألفاظ، وأهداف واضعيها، وآرائهم فيها، وترتيبهم لوضعها، والأحكام التي رتّبوها عليها، وبالخصوص: مدى أهميّة هذه الجهود، ومدى اعتبارها علميّاً وتراثياً.
فقد ظهرتْ آثار مهمّة: علمية، وتاريخيّة، وتوثيقية وتراثية، وحتى رجالية مؤثرة في معرفة أحوال الرجال ودراسة حياتهم الخاصة، عندما التزموا بها واصطلحوا عليها.
وقد تجمّعت لديّ ـ ضمن متابعتي للدراسات الحديثية ـ مجموعة من البطاقات المتعلّقة بموضوع (الألفاظ الخاصّة لأداء الحديث الشريف) وأحسستُ أنّ في ترتيبها وتقديمها خدمةً لحديث المصطفى وآله الحُنفا صلوات الله وسلامه عليهم، وهديةً إلى هُواة هذا العلم ومريديه، ليرغبوا في معرفة مصطلحاته، ويسهل لهم أمر متابعة بحوثه وسائر مجالاته.

1.لقد تحدّثنا بتفصيل عن مسألة (تدوين السنّة الشريفة) ومنعه وأساليب المانعين وحججهم، وذكرنا جهود القائمين بمعارضة ذلك المنع وأدلّتهم، في كتاب بذلك العنوان، طبع في قم سنة ۱۴۱۳ هـ .

الصفحه من 177