513
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الشّرْحُ:

مثل قوله : «الجود حارس الأعراض» ، قولهم : كلّ عيب فالكَرَم يغطِّيه .
والفِدَام : خِرْقة تجعل على فَمِ الإبريق ، فشبّه الحلم بها ، فإنّه يردّ السفيهَ عن السَّفَه كما يردّ الفدامُ الخمرَ عن خروج القَذَى منها إلى الكأس .
فأمّا «والعَفْو زَكاة الظَّفَر» ، فقد تقدّم أنّ لكلّ شيء زَكاة ، وزكاة الجاه رِفْدُ الْمُسْتَعِين ، وزكاة الظَّفَر العَفْو . وأمّا «السُّلُوّ عوضك ممّن غدر» ، فمَعْناه أنّ من غدرَ بك من أحبّائك وأصدقائك فاسلُ عنه وتناسَه ، واذكرْ ما عامَلَك به من الغَدْر ، فإنّك تسلو عنه ، ويكون ما استفدتَه من السلوّ عوضا عن وِصالِه الأوّل .وقد سبق القولُ في الاستشارة ، وأنّ المستغنيَ برأيه مخاطِر ، وكذلك القولُ في الصّبر . والمناضَلة : المراماة . وكذلك القولُ في الجزع ، وأنّ الإنسان إذا جَزِع عند المصيبة فقد أعان الزمانَ على نفسِه ، وأضاف إلى نفسِه مصيبةً أُخرى . وسبق أيضا القولُ في المُنى ، وأنّها من بضائِع النَّوْكَى ۱ . وكذلك القولُ في الهوى ، وأنّه يَغلِب الرأي ويأسِره . وكذلك القولُ في التّجربة ؛ وقولُهم : مَنْ حارب المجرِّب حلّت به النّدامة ، وإنّ من أضاع التجربة فقد أضاع عقلَه ورأيَه . وقد سبق القولُ في المودَّة ، وذكرنا قولَهم : الصّديقُ نسيبُ الرُّوح ، والأخُ نسيبُ الجسم . وسبق القولُ في المَلال .وقال العبّاس بنُ الأحنف :

لو كنتِ عاتِبةً لسكَّن عَبْرَتيأمَلِي رضاكِ وزرتُ غيرَ مُراقَبِ
لكنْ ملِلتِ فلم يكن لي حيلةٌصَدُّ المَلُولِ خلاف صَدِّ العاتبِ

208

الأصْلُ:

۰.عُجْبُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ أَحْدُ حُسَّادِ عَقْلِهِ .

1.جمع أنوك ؛ وهو الأحمق .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
512

206
الأصْلُ:

اتَّقُوا اللّهَ تُقَاةَ مَنْ شَمَّرَ تَجْرِيداً ، وَجَدَّ تَشْمِيراً ، وَأكمَشَ فِي مَهَلٍ ، وَبَادَرَ عَنْ وَجَلٍ ، وَنَظَرَ فِي كَرَّةِ الْمَوْئِلِ ، وَعَاقِبَةِ الْمَصْدَرِ ، وَمَغَبَّةِ الْمَرْجِعِ ۱ . الشّرْحُ:

لو قال «وجرّد تشميراً» لكان قد أتى بنوع مشهور من أنواع البديع ؛ لكنّه لم يحفِل بذلك ، وجرى على مقتضى طبعه مِن البلاغة الخالية من التكلّف والتصنّع ، على أن ذلك قد روي ، والمشهور الرواية الأُولى . وأكمش : جدّ وأسرع ، ورجل كميش ، أي جادّ . وفي مَهَل ، أي في مهلة العمر قبل أن يضيق عليه وقتُه بدنوّ الأجَل .
207

الأصْلُ:
الْجُودُ حَارِسُ الْأَعْرَاض ، وَالْحِلْمُ فِدَامُ السَّفِيهِ ، وَالْعَفْوُ زَكَاةُ الظَّفَرِ ، وَالسُّلُوُّ عِوَضُكَ مِمَّنْ غَدَرَ ، وَالاِْسْتِشَارَةُ عَيْنُ الْهِدَايَةِ . وَقَد خَاطَرَ مَنِ اسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ ، وَالصَّبْرُ يُنَاضِلُ الْحِدْثَانَ ، وَالْجَزَعُ مِنْ أَعْوَانِ الزَّمَانِ ، وَأَشْرَفُ الْغِنَى تَرْكُ الْمُنَى .وَكَمْ مِنْ عَقْلٍ أَسِيرٍ عند هَوَى أَمِيرٍ! وَمِنَ التَّوْفِيقِ حِفْظُ التَّجْرِبَةِ ، وَالْمَوَدَّةُ قَرَابَةٌ مُسْتَفَادَةٌ . وَلاَ تَأْمَنَنَّ مَلُولاً .

1.الوجل : الخوف . الموئل : مستقرّ السير والمقرّ الأخير ، يريد به ـ هنا ـ ما ينتهي إليه الإنسان من سعادة وشقاء . وكرّته : حملته وإقباله . مغبة : العاقبة وما يناله جزاءً لعمله .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 114354
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي