125
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام

الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
124

( 3 )

آفات إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام‏

تشكّلُ معرفةُ الآفات التي تهدّد الهدف الأساسيّ لإقامة العزاء على سيّد الشهداء وفلسفتها، أهمّ خطوة في طريق تحقيق الأهداف القيّمة لهذا البرنامج البنّاء الذي وضعه أهلُ البيت عليهم السلام .
والآن يجب أن نعرف كيف يتمّ تحريف ثقافة عاشوراء الأصيلة بواسطة الأعداء الملتفتين والأصدقاء الغافلين؟ وما هي الآفات التي تهدّد مجالس عزاء سيّد الشهداء؟
الجواب الإجمالي على هذا السؤال هو أنّ كلّ ما يتناقض مع فلسفة إقامة العزاء - أي : اجتثاث الجهل من المجتمع الإسلامي - وكذلك مع خصوصيّات مجالس العزاء الهادف - أي : المحورية الإلهية، وتقديم تحليل موضوعي عن حادثة عاشوراء والاستغلال الصحيح لعواطف الناس إزاء أهل البيت عليهم السلام - فهو يمثّل آفةً لمجالس إقامة العزاء لسيّد الشهداء. ولإيضاح هذا الاجمال سنُشير فيما يلي إلى أهمّ هذه الآفات :

1 . تحريف الهدف من إقامة العزاء

يعدّ تحريف هدف إقامة العزاء على سيّد الشهداء أهمّ آفاتها. وقد أشرنا فيما سبق إلى أنّ فلسفة إقامة العزاء على الإمام الحسين هي نفسها فلسفة شهادته عليه السلام، وبناءً على ذلك فإنّ تحريف الهدف من إقامة العزاء عليه، هو تحريف للهدف من شهادة سيّد الشهداء عليه السلام أيضاً .
ويمكن أن يتجلّى هذا التحريف في شكلين :
أحدهما: أن يقتصر الهدف على غفران الذنوب والتزكية الروحية بدلاً من نشر الوعي وإحياء الإسلام الأصيل.
والآخر: أن يتمّ التأكيد على جرائم أتباع يزيد والظالمين في هذه الحادثة بدلاً من التركيز على البُعد الملحمي والحماسي لها .
وهذا لا يعني أنّ غفران الذنوب والتزكية الروحية ليسا من نتائج إقامة شعائر العزاء، أو أنّه لا ينبغي التطرّق إلى جرائم الظالمين، بل إنّ المراد هو تجنّب النظرة التجزيئية ۱ .
لو اقتصرت فلسفة إقامة العزاء على سيّد الشهداء على تطهير المذنبين من الذنوب، بدلاً من محو الجهل وإحياء القيم الإسلامية، فهذا تحريف لهدف شهادة الإمام وإقامة العزاء عليه، و سنُبتلى‏ بنفس التحريف الذي حدث في الديانة المسيحية فيما يتعلّق بالسيّد المسيح .
يقول الاُستاذ الشهيد المطهّري في هذا المجال:
أنا لا أعلم من هو المجرم أو المجرمون الذين أنزلوا الجريمة على الحسين بن عليّ بشكل آخر ، وذلك بأن حرّفوا هدف الحسين بن عليّ ، وهي نفس الأباطيل التي قالها المسيحيّون بشأن المسيح، فقد قيل حول الحسين : إنّه قُتل كي يتحمّل أعباء ذنوب الاُمّة ، فلقد قُتل الحسين كي نرتكب الذنوب مرتاحي البال، قُتل الحسين لقلّة المذنبين آنذاك، فليزدادوا إذن! . ۲
ومن جهة اُخرى فإنّنا إذا نظرنا إلى حادثة عاشوراء نظرة عامّة وموضوعية، فإنّنا سنرى أنّها تشتمل على بعدين: أحدهما الجريمة والمظلومية ، والآخر الملحمة والعزّة والعظمة. ولذلك لايمكننا تحليل هذا الحدث وتبيينه بشكل صحيح إلّا إذا نظرنا إليهما وقدّمناهما إلى جانب بعضهما البعض، وإلّا فإنّ المخاطَب سوف لا يُدرك بشكل صحيح هذا الحادث المهمّ في التاريخ الإسلامي . ۳
يقول الاُستاذ المطهّري في هذا المجال:
لحادثة عاشوراء وتاريخ كربلاء وجهان، وجه أبيض ونوراني، ووجه أسود وظلماني ، وكلاهما عديما النظير، أو قليلا النظير.
فأمّا الوجه الأسود والمظلم، فإنّه أسود ومظلم لأنّنا لا نرى فيه سوى الجريمة المنقطعة النظير أو القليلة النظير... .
فمن وجهة النظر هذه، تعدّ حادثة كربلاء جريمة ومأساة، مصيبة ورثاء. وعندما ننظر إلى هذا الوجه نرى فيه قتل الأبرياء وقتل الشاب، وقتل الطفل الرضيع، كما نرى فيه وطء الخيول بحوافرها أجساد القتلى ، ومنع الماء عن العطاشى ، وضرب النساء والأطفال بالسياط، وحمل الأسرى على الجمال دون هوادج ووطاء . فمن هذه النظرة من هو البطل في هذه الحادثة؟ من الواضح أنّنا عندما ننظر إلى هذا الحدث من بُعد الجريمة، فإنّ من يتحمّل تلك المصائب والجرائم لا يعدّ بطلاً، وإنّما هو مظلوم. وإنّما البطل في هذه النظرة وهذا البعد هو يزيد بن معاوية، وعبيد اللَّه بن زياد، وعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وخولى ، وعدد آخر . ولذلك فنحن حينما نطالع هذه الصفحة السوداء ، لا نرى فيها سوى الجريمة ورثاء البشرية! فماذا علينا أن نقول إن أردنا أن ننظم الشعر؟ علينا أن ننظم المراثي ، وليس هناك من شي‏ء نقوله سوى نظم المراثي .
علينا أن نقول:
(لا تزال صرخة «العطش» تنطلق من صحراء كربلاء وتصل إلى كوكب العيّوق۴،من أفواه اُولئك العطاشى) .۵
ولكن هل يقتصر تاريخ عاشوراء على هذا الوجه فقط؟ هل هو رثاء ومصيبة فقط وليس شيئاً آخر؟!
هذا هو الخطأ ؛ فإنّ لهذا التاريخ وجهاً آخر أيضاً بطله ليس يزيد بن معاوية، ولا ابن زياد، ولا شمراً ، بل بطله الحسين . ولا وجود للجريمة ولا للمأساة في هذا الوجه، بل فيها الملحمة والفخر والنور ، وتجلّي الحقيقة والإنسانية، وتجلّي العبودية للَّه سبحانه . وعندما ننظر إلى هذا الوجه نقول : إنّ من حقّ البشرية أن تفتخر بنفسها ، ولكنّنا عندما نطالع صفحته السوداء نرى البشريّة تطأطئ رأسها وترى نفسها مصداقاً للآية :
(قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ)!۶
ومن المسلّم به أنّ جبرئيل لا يتساءل قائلاً :(أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ)في مقابل قول اللَّه تعالى :(إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً)،۷وإنّما الذي يتساءل هو الملائكة التي كانت لا ترى سوى‏ الوجه الأسود للبشرية ، ولم تكن ترى الوجه الآخر ، فأجابها اللَّه تعالى‏ :(إِنِّى أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ).۸
إنّ تلك الصفحة هي الصفحة التي يعترض بسببها الملائكة ، ويكون فيها البشر مُطَأطِئي الرؤوس . وأمّا هذه الصفحة فهي التي تفتخر بها البشرية .
فلماذا يجب أن نطالع حادثة كربلاء من خلال صفحتها السوداء دوماً؟! ولماذا يجب الحديث عن جرائم كربلاء دوماً؟! ولماذا يجب أن ندرس شخصية الحسين بن عليّ من منظار تعرّضه لجريمة المجرمين دائماً؟! ولماذا نستلهم الشعارات التي نهتف بها ونكتبها باسم الحسين بن عليّ من الوجه المظلم لحادثة عاشوراء؟! ولماذا لانطالع الصفحة المشرقة من هذه القصّة إلّا قليلاً ، في حين أنّ الجانب الملحمي من هذه القصّة يفوق جانبها الإجرامي بمئات المرّات ، وجانبها المشرق يتغلّب على جانبها المظلم كثيراً؟!
إذن علينا أن نعترف أنّنا من الجناة على‏ الحسين بن عليّ ، وذلك أنّنا لا نقرأ من هذا التاريخ سوى‏ صفحةً واحدةً ولا نقرأ الصفحة الاُخرى‏
. ۹

1.جدير بالذكر أنّ النظرة التجزيئية لأصل ثورة سيّد الشهداء له تبعات غير محمودة ، لمزيد الاطّلاع راجع : ص ۶۱ (الفصل الثاني : أهداف ثورة الإمام الحسين عليه السلام) .

2.حماسه حسيني (بالفارسيّة) : ج ۱ ص ۱۲۷.

3.في معرفة أهداف الإمام الحسين عليه السلام والتحريفات التي وقعت في هذا الموضوع ، راجع : هذا الكتاب : ص ۵۷؛ عاشوراشناسى ؛ جامعه‏شناسى ؛ تحريفات عاشورا ؛ عاشورا نامه (ج ۲)؛ جريان‏شناسى تاريخى قرائت‏ها و رويكردها به عاشورا از صفويّه تا مشروطه (كلّها بالفارسيّة) .

4.العَيّوق : نجم أحمر مضي‏ء في طرف المجرّة الأيمن ، يتلو الثريّا لا يتقدّمه (لسان العرب : ج ۱۰ ص ۲۸۰ «عوق») .

5.هذه الجملة تعريبُ بيتٍ بالفارسية من ديوان محتشم الكاشاني ، وأصل البيت هو : زان تشنگان هنوز به عَيّوق مي‏رسدفرياد «اَلعَطَش» ز بيابان كربلا

6.البقرة : ۳۰ .

7.حماسه حسيني (بالفارسيّة) : ج ۱ ص ۱۲۱ - ۱۲۵.

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
عدد المشاهدين : 291474
الصفحه من 850
طباعه  ارسل الي