ابن حارثة بن شراحيل بن عبد العزّى بن امرىَ القيس، أبو زيد، ويقال: أبو حارثة.

استعمله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على جيش لغزو الشام، وفي الجيش، عمر و كبار الصحابة، وهو ابن حاضنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أُم أيمن.

أمّر رسول اللّه أُسامة فطعنوا في إمارته، فقال: إنْ يطعنوا في إمارته فقد طعنُوا في إمارة أبيه، وأيم اللّه انّه كان خليقاً بالاِمارة.

ينقل الذهبي عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، قال: رأيت أُسامة يصلّي عند قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فمرّ به مروان، فقال: أتصلّي عند قبر؟! وقال له قولاً قبيحاً.

فقال: يا مروان، إنّك فاحش متفحّش، وإنّي سمعت رسول اللّه، يقول: إنّ اللّه يُبغض الفاحش المتفحّش.

حدّث عنه: أبو هريرة، وابن عباس، وأبو وائل، وأبو عثمان الهندي، وعروة ابن الزبير، وأبو سلمة وأبو سعيد المقبري، وعامر بن سعد، وأبو ظبيان، وعطاء بن أبي رباح، وابناه حسن و محمد.

وله في «مسند بَقيّ» مائة وثمانية عشر حديثاً منها في البخاري و مسلم خمسة عشر، وفي البخاري حديث و في مسلم حديثان.

قال الزهري: مات أُسامة بالجرف(۱)في آخر خلافة معاوية سنة أربع وخمسين(۲)ضل وبلغت أحاديثه في المسند الجامع ۷۵ حديثاً.(۳)

وقد رويت عنه روايات رائعة كما عزيت إليه أُخرى سقيمة.

روائع رواياته

۱. أخرج أحمد في مسنده، عن الزبرقان،عن أُسامة بن زيد:

«انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يصلّي الظهر بالهجير ولا يكون وراءه إلاّالصف والصفان و الناس في قائلتهم وفي تجارتهم، فأنزل اللّه تعالى: (حافِظُوا عَلى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطى وَقُومُوا للّهِ قانِتين) .

قال: فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : لينتهينّ رجال أو لاَحرقنّ بيوتهم.(۴)

ومعنى ذلك انّ الصحابة كان يشغلهم الصفق في الاَسواق عن الحضور في صلاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويدل عليه قوله سبحانه: (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) (الجمعة/۱۱).

۲. أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي عثمان النهدي، عن أُسامة بن زيد، قال:

كنّا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أنَّ صبّياً لها، أو ابناً لها في الموت.

فقال للرسول: ارجع إليها فأخبرها أنّ للّه ما أخذ وله ما أعطى، و كلّ شيء عنده بأجل مسمّى، فمرها فلتصبر ولتحتسب، فعاد الرسول، فقال: إنّها قد أقسمت لتأتينّها.

قال: فقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل، وانطلقتُ معهم، فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنّها في شنَّة ففاضت عيناه.

فقال له سعد: ما هذا يا رسول اللّه؟

قال: هذه رحمة جعلها اللّه في قلوب عباده، وإنّما يرحم اللّه من عباده الرحماء.(۵)

۳. أخرج النسائي، عن أبي سعيد المقبري، قال: حدّثني أُسامة بن زيد، قال:

قلت: يا رسول اللّه، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب و رمضان، وهو شهر ترفع فيه الاَعمال إلى ربّ العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم.(۶)

۴. أخرج الترمذي في سننه عن أبي عثمان النهدي، عن أُسامة بن زيد، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك اللّه خيراً. فقد أبلغ في الثناء.(۷)

وإليك ما عزيت إليه من الاَحاديث السقيمة.

أحاديثه السقيمة

۱. اتخاذ اليهود قبور أنبيائهم مساجد

أخرج أحمد في مسنده، عن أُسامة بن زيد قال: قال لي رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» : أدْخل عليَّ أصحابي، فدخلوا عليه فكشف القناع، ثمّ قال: لعن اللّه اليهودَ والنصارى اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد.(۸)

نعلق على الحديث، ونقول:

أوّلاً: إنّ اليهود هم الذين كانوا يقتلون أنبياءهم بغير حق وقد اشتهروا بتلك الوَصْمة، قال سبحانه: (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُوَْمِنينَ)(البقرة/۹۱) فمن كانت شيمته قتل الاَنبياء لا يتخذُ قبورهم مساجد سواء أكانت الصلاة لاَجل التبرك بهم أو لاتخاذ قبورهم قبلة.

ثانياً: لم يكن للنصارى أنبياء حتى يقتلوهم ويتخذون قبورهم مساجد. وأمّا السيد المسيح فهو عندهم إله متجسّد وليس بنبيّ حيث قالوا: بالاَقانيم الثلاثة: إله الاَب، إله الابن ، روح القدس.

وأمّا غير المسيح لدى النصارى فليسوا بأنبياء وإنّما هم آباء التبليغ والتبشير، إلاّ أن يراد مطلق أنبياء بني إسرائيل وهو خلاف الظاهر.

۲. النساء أضرّ شيء على الرجال

أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي عثمان النهدي، عن أُسامة بن زيد، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

ما تركت بعدي فتنة هي أضرّ على الرجال من النساء.(۹)

لا يشك عاقل انّ من أسباب الفتنة هي النساء، قال سبحانه: (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَولادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) (التغابن/۱۴).

وأمّا كونهنّ أضرّ شيء على الرجال من حبّالجاه والمال والاَولاد فليس بثابت لو لم يثبت خلافه، ولذا نرى انّه سبحانه يقول: (وَاعْلَمُوا أَنَّما َأَمْوالُكُمْ وَأَولادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيم) (الاَنفال/۲۸) ويقول أيضاً: (إِنّما أَمْوالُكُمْ وَأَولادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيم) (التغابن/۱۵) فيذكر الاَموال والاَولاد ولا يعطف عليها النساء وهذا دليل على أنّ ضرر الاَوّلين على الرجال أكثر من ضررهنَ.

نعم : لا ننكر بأنّ الرجال ربما يُفْتنون بالنساء فيتوغلون في الفساد من أجل كسب رضاهنَ، ولكن ليس إضرارهنَ عند المقايسة بأشد من إضرار الآخرين كما هو واضح.

وأنت إذا تفحصت فيما روي عن لفيف من الصحابة حول النساء تجد انّ الروايات تتضمن تحقير النساء وأنهنَّ محط الفتنة والضلال، وكأنّ الرواة لم يطرق أسماعهم قوله سبحانه: (إنّ المسلمينَ والمسلماتِ والموَمنينَ والموَمناتِ والقانتينَ والقانتاتِ ...) (الاَحزاب / ۳۵).

۱. الجرف موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام.

۲. أُسد الغابة: ۱/۶۴؛ طبقات ابن سعد:۴/۶۱ـ۷۲؛ سير اعلام النبلاء:۲/۴۹۶.

۳. المسند الجامع: ۱/۹۹ـ۱۴۱.

۴. مسند أحمد:۵/۲۰۶ والآية ۲۳۸ من سورة البقرة.

۵. صحيح مسلم:۳/۳۹، باب البكاء على الميت.

۶. سنن النسائي: ۴/۲۰۱، صوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

۷. سنن الترمذي: ۴/۳۸۰ برقم ۲۰۳۵.

۸. مسند أحمد:۵/۲۰۳.

۹. صحيح مسلم: ۸/۸۹، باب أكثر أهل الجنّة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء؛ صحيح البخاري:۷/۸، باب ما يتقى من شوَم المرأة.