عبد اللّه بن أبي أوفى (علقمة) بن خالد بن الحارث بن هوازن بن أسلم الاَسلمي، يكنّى أبا معاوية، وقيل أبا إبراهيم، وقيل أبا محمد، شهد الحديبية وبايع بيعة الرضوان وشهد خيبر ومابعدها من المشاهد، ولم يزل بالمدينةحتى قُبض رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّتحول إلى الكوفة وهو آخر من بقي في الكوفة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
روى أحمد بن حنبل عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: رأيت على ساعد عبد اللّه بن أبي أوفى ضربة، فقلت: ما هذه؟ قال: ضُرِبتُها يوم حنين، وقلت: أشهدتَ معه حنيناً، قال: نعم، وقيل: غير ذلك.
روى عنه عمرو بن مرّة، انّه قال: كان أصحاب الشجرة ألفاً وأربعمائة، وكانت «أسلم» ثُمنَ المهاجرين يومئذٍ، روى عنه: إسماعيل بن أبي خالد والشعبي وعبد الملك بن عمير وأبوإسحاق الشيباني والحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل وغيرهم.
وروى عنه سالم بن أبي النضر وكان كاتَبه، قال: كتب إليه عبد اللّه بن أبي أوفى إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «اعلم أنّ الجنّة تحت ظلال السيوف» توفي عبد اللّه بن أبي أوفى بالكوفة سنة ۸۶ هـ ، وقيل ۸۸ بعدما كُفَّ بصره.(۱)
وقال الذهبي: من أهل بيعة الرضوان وخاتمة من مات بالكوفة من الصحابة، وكان أبوه صحابياً أيضاً، وقد توفي سنة ۸۸ هـ وقد قارب مائة سنة.(۲)
ونقل ابن سعد عن أبي يعقوب، عن ابن أبي أوفى، قال: غزوت مع رسول اللّه سبع غزوات، ونَقَلَ أيضاً عن محمد بن أعين أبو العلانية المرئيّ، قال: كنت بالكوفة فرأيت عبد اللّه بن أبي أوفى أحرم من الكوفة من مسجد الرمادة وجعل يلبّي.(۳)
وله في المسند الجامع ۵۱ حديثاً.(۴)
وهو صحابي وابن صحابي، وله روايات في أبواب مختلفة نذكر من روائع رواياته شيئاً.
روائع أحاديثه
۱. أخرج ابن ماجة في مسنده عن أبي إسحاق الشيباني، عن عبد اللّه بن أبي أوفى، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :إنّ اللّه مع القاضي مالم يَجُر، فإذا جار وكّله إلى نفسه.(۵)
۲. أخرج البخاري في الاَدب المفرد عن سليمان أبي آدم، قال: سمعت عبد اللّه بن أبي أوفى يقول عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: إنّ الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم.(۶)
والمراد انّ وجود قاطع الرحم بين قوم، يحول دون نزول الرحمة عليهم، وليس بغريب قال سبحانه: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خاصّة)(الاَنفال/۲۵).
۳. أخرج الاِمام أحمد عن مدرك عن عبد اللّه بن أبي أوفى، انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يدعو، ويقول: اللّهمّ طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللّهمّ طهّر قلبي من الخطايا ، كما طهرت الثوب الاَبيض من الدنس، وباعد بيني وبين ذنوبي كما باعدت بين المشرق والمغرب؛ اللّهمّ انّي أعوذ بك من قلب لا يخشع، ونفس لا تَشبع، ودعاء لا يُسمع، وعلم لا ينفع، اللّهم إنّي أعوذ بك من هوَلاء الاَربع. اللّهمّ إنّي أسألك عيشة تقية، وميتة سوية، ومردّاً غيرمخزي.(۷)
۴. أخرج مسلم في صحيحه عن عمر بن عبد اللّه، انّه كتب إليه عبد اللّه بن أبي أوفى يخبره انّرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كان في بعض أيّامه التي لقى فيها العدو ينتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم، فقال: يا أيّها الناس لاتتمنوا لقاء العدو، واسألوا اللّه العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا انّالجنّة تحت ظلال السيوف.(۸)
۵. أخرج مسلم عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد اللّه بن أبي أوفى، قال: دعا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) على الاَحزاب، وقال: اللّهمّ منزّل الكتاب، سريع الحساب، أهزم الاَحزاب، اللهمّ اهزمهم وزلزلهم.(۹)
۶. أخرج النسائي عن يحيى بن عقيل، قال:سمعت عبد اللّه بن أبي أوفى، يقول: كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يكثر الذكر ويقلّ اللغو ويطيل الصلاة ويُقصر الخطبة ولا يأنف أن يمشي مع الاَرملة والمسكين فيقضي له الحاجة.(۱۰)
والمراد من اللغو هو «الدعابة» لا اللغو الذي يعد تركه من علائم الاِيمان قال سبحانه: (وَالّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُون) (الموَمنون/۳).
۷. أخرج مسلم عن محمد بن بشر العبديّ عن إسماعيل، قال: قلت لعبد اللّه بن أبي أوفى: أكان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بشَّر خديجة ببيت في الجنّة؟ قال: نعم بشّرها ببيت في الجنَّة من قصب لا صخب(۱۱)فيه ولا نصب.(۱۲)
ولا غرو فيه فانّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول: «خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد. قال أبوكريب: وأشار وكيع إلى السماء والاَرض.(۱۳)
وقد حكى الذكر الحكيم عن آسية انّـها طلبت من ربّها أن يبني لها بيتاً في الجنّة، قال عزّ من قائل: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلّذِينَ آمَنُوا امْراةَ فِرْعَونَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابنِ لي عِنْدَكَ بِيتاً فِي الجَنّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعََوْنَ وَعَمَلِهِوَنَجِّني مِنَ القَومِ الظّالِمين) (التحريم/۱۱).
۸. أخرج عبد بن حميد، عن فائد أبي الورقاء، عن عبد اللّه بن أبي أوفى الاَسلمي، قال:
خرجت فإذا رسول اللّه وأبوبكر وعمر قعوداً وإذا غلام صغير يبكي، فقال رسول اللّه لعمر: ضُمَّ الصَّبيَّ إليك فانّه ضالّ، فضَمّه عمر إليه، فبينا نحن قعود إذ أمٌّ له تُوَلْوِلُ، أظنه قال: وتقول: وابنيَّاه وتبكي، فقال رسول اللّه لعمر: نادِي المرأة فانّها أُمّ الصَّبيّ وهي كاشفة عن رأسها ليس على رأسها خمار جزعاً على ابنها، فجاءت حتّى قَبَضتْ الصبي من حُجْر عمر وهي تبكي و الصّبيُّ في حجرها، فالتفتت فلمّا رأت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت: واحرباه، ألا أرى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟فقال: رسول اللّه عند ذلك: أترون هذه رحيمة بولدها ؟ فقال أصحابه: بلى يا رسول اللّه، كفى بهذه رحمة، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : والذي نفس محمد بيده، اللّه أرحم بالموَمن من هذه بولدها. (،۱)
إلى غير ذلك من روائع أحاديثه المبثوثة في المسانيد والصحاح، وفي مقابل ذلك عزيت إليه روايات لا يمكن الركون إليها لتخلفها عن الموازين التي استعرضناها في صدر الكتاب:
أحاديثه السقيمة
۱. معاذ يسجد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
أخرج ابن ماجة عن القاسم الشيباني، عن عبد اللّه بن أبي أوفى، قال: لمّا قدم معاذ من الشام سجد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) . قال: ما هذا يا معاذ؟!
قال: أتيت الشّام فوافقتهم يسجدون لاَساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : فلا تفعلوا، فانّي لوكنت آمراً أحداً أن يسجد لغير اللّه، لاَمرت المرأة أن تسجُد لزوجها، والّذي نفس محمّد بيده! لا توَدِّي المرأة حقّ ربّها حتّى توَدّي حقّ زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه.(۱۴)
والحديث لوصحّ لدلّ على سذاجة معاذ بن جبل في فهم الدين، وقد أوضحنا حاله عند دراسة أحاديثه، فراجع.
۲. النبي يستمع لضرب الدف
أخرج أحمد في مسنده عن شيخ من بجيلة، قال: سمعت ابن أبي أوفى، يقول: استأذن أبو بكر على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجارية تضرب بالدف فدخل، ثمّ استأذن عمر فدخل، ثمّ استأذن عثمان فأمسكت، قال: فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّ عثمان رجل حييّ.(۱۵)
انّ معنى الحديث انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد استمع لجارية كانت تضرب الدف (وربما تُغنِّي) فهل من المعقول أن يستمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لدفّها مع أنّه سبحانه يقول: (ولا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) (النور/۳۱) ويقول سبحانه: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) (الاَحزاب/۳۲). وليس المراد من الجارية إحدى نسائه وإلاّ لكان التعبير بها هو المتعين.
ثمّ العجب انّ عثمان أشدّ حياءً من الرسول!!!!، فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) والشيخان يستمعان لضرب الدفّ ولكن عثمان أنف عن ذلك مما حدا بالجارية ان تمسك عن الضرب بالدف!!!!
كيف يجوز للنبي أن يصغي لضرب الدفّ وقد نهى عنه؟!
أخرج أحمد في مسنده عن عاصم بن عمرو البجلي، عن أبي امامة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: تبيت طائفة من أُمّتي على أكل وشرب ولهو ولعب ثمّ يُصبحون قردة وخنازير فيبعث على أحياء من أحيائهم ريح فتنسفهم كما نسفت من كان قبلهم باستحلالهم الخمور وضربهم بالدفوف واتخاذهم القينات.(۱۶)
أخرج البخاري معلقاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، انّه قال: ليكوننَّ من أُمّتي أقوام يستحلون الحُرَّ والحرير و الخمر و المعازف.(۱۷)
۳. النهي عن المراثي
أخرج أحمد في مسنده عن إبراهيم الهجري، عن عبد اللّه بن أبي أوفى وكان من أصحاب الشجرة فماتت ابنة له وكان يتبع جنازتها على بغلة خلفها، فجعل النساء يبكين، فقال: لا ترثين، فانّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن المراثي فتفيض احداكنَّ من عبرتها ما شاءت(۱۸).
قد تقدّم منّا الكلام حول الرثاء على الميت عند دراسة روايات أبي موسى الاَشعري وعبد اللّه بن عمر وقلنا بأنّ الممنوع منه هو التكلم بما فيه غضب الرب وليس فيه رضاه وأمّا البكاء ـ سواء كان بصوت عال أو خافت ـ فهو أمر فطري نابع من صميم العاطفة الاِنسانيةلا محظور فيه، فنهي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)عن المراثي إنّما لاَجل القسْمِ المحرّم منه.
أخرج ابن ماجة عن مكحول والقاسم، عن أبي أُمامة: انّ رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها والدّاعية بالويل والثّبور(۱۹).
قال في الزوائد: اسناده صحيح.
۱. أُسد الغابة: ۳/۱۲۱ـ۱۲۲.
۲. سير أعلام النبلاء: ۳/۴۲۸ برقم ۷۶.
۳. طبقات ابن سعد: ۴/۳۰۱ـ ۳۰۲، وترجمه أيضاً في ۶/۲۱.
۴. المسند الجامع:۸/۱۹۰.
۵. سنن ابن ماجة: ۲/۷۷۵ برقم ۲۳۱۲.
۶. البخاري: ، الاَدب المفرد،ص۳۸ برقم ۶۳، باب لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع رحم.
۷. مسند أحمد: ۴/۳۸۱.
۸. صحيح مسلم: ۵/۱۴۳، باب كراهة تمني لقاء العدو، وباب استجابة الدعاء بالنصر عند لقاء العدو.
۹. صحيح مسلم: ۵/۱۴۳، باب كراهة تمني لقاء العدو، وباب استجابة الدعاء بالنصر عند لقاء العدو.
۱۰. سنن النسائي: ۳/۱۰۹، باب ما يستحب من تقصير الخطبة.
۱۱. الصخب: الصياح.
۱۲. صحيح مسلم: ۷/۱۳۳، باب فضائل خديجة.
۱۳. صحيح مسلم: ۷/۱۳۲، باب فضائل خديجة.
۱۴. المسند الجامع: ۸/۱۸۶ـ ۱۸۷، نقلاً عن مسند عبد بن حميد:۵۳۰.
۱۵. سنن ابن ماجة: ۱/۵۹۵ برقم ۱۸۵۳؛رواه أحمد في مسنده: ۴/۳۸۱و ۵/۲۲۷.
۱۶. مسند أحمد: ۴/۳۵۳.
۱۷. مسند أحمد: ۵/۲۵۹.
۱۸. صحيح البخاري: ۷/۱۰۶ ، باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه من كتاب الاَشربة .
۱۹. مسند أحمد: ۴/۳۵۶؛سنن ابن ماجة: ۱/۵۰۷ برقم ۱۵۹۲.