هو ابن وائل بن هاشم بن سعيد بن سعد بن عمرو، يكنّى أبا محمد، وقيل أبا عبد الرحمان.
أُمّه هي رائطة بنت الحجاج بن منبِّه السَّهمية.
وقد أسلم قبل أبيه، ويقال كان اسمه العاص، وسمي في الاِسلام بعبد اللّه.(۱)
وهو ممن كتب حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يُعر أهمية للحظر الذي فرضه الخليفة الثاني على تدوين الحديث، روى ابن سعد في طبقاته عن عبد اللّه بن عمرو: قال: استأذنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتاب ما سمعت منه، قال: فأذن لي فكتبته، فكان عبد اللّه يسمى صحيفته تلك «الصادقة».
وروى أيضاً عن مجاهد، قال: رأيت عند عبد اللّه بن عمرو بن العاص صحيفة وسألت عنها، فقال: هذه الصادقة، فيها ما سمعت من رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» ليس بيني و بينه فيها أحد.(۲)
ويظهر ممّا نقله ابن سعد في طبقاته انّه كان في حياة الرسول كثير الصوم فينقل هو ويقول: قال لي رسول اللّه: ألم اُنبأ انّك تقوم الليل وتصوم النهار ؟ قال: قلت إنّي أقوى، قال: فانّك إذا فعلت ذلك هجمت العينُ وتنفه النفسُ، صم من كلّ شهر، ثلاثة أيام فذلك صوم الدهر.(۳)
وهذا يعرب عن أنّه لم يكن متزناً في سلوكه، يروي طاووس قال: رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على عبد اللّه بن عمرو ثوبين معصفرين، فقال: أُمّك أمرتك بهذا؟ فقال: أغسلهما يا رسول اللّه؟ فقال رسول اللّه: حرّقهما.
وروى ابن سعد أيضاً عن رشدين بن كريب، قال: رأيت عبد اللّه بن عمرو يعتم بعمامة حرقانيّة ويُرخيها شبراً.
وروى أيضاً عن العريان بن الهيثم، قال: وفدت مع أبي إلى يزيد بن معاوية، فجاء رجل طوال أحمر عظيم البطن فسلّم ثمّ جلس، فقال أبي: من هذا؟ فقيل: عبد اللّه بن عمرو.(۴)
والرجل وإن كان راوية الحديث، ولكن لم يكن واعية له وذا بصيرة في الدين، فقد زلّت قدمه في حياة الاِمام أمير الموَمنين (عليه السلام) حيث شارك في قتاله وحمل الراية ضده.
قال الجزري: وشهد مع أبيه فتح الشام، وكانت معه راية أبيه يوم اليرموك، وشهد معه أيضاً صفين وكان على الميمنة، قال له أبوه: يا عبد اللّه : أخرج فقاتل، فقال: يا أبتاه أتأمرني أن أخرج فأُقاتل وقد سمعتَ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يعهد إليَّ ما عهد؟! قال: أنشدك اللّه يا عبد اللّه، ألم يكن آخر ما عهد إليك رسول اللّه أن أخذ بيدك فوضعها في يدي، وقال: أطع أباك؟ قال: اللهم بلى. قال: فانّي أعزم عليك أن تخرج فتقاتل، فخرج فقاتل وتقلّد بسيفين، وندم بعد ذلك فكان يقول: مالي ولصفين، مالي و لقتال المسلمين لوددت انّي متّ قبله بعشرين سنة.
وقيل انّه شهدها بأمر أبيه له ولم يقاتل، قال ابن أبي مليكة: قال عبد اللّه بن عمرو: «أما واللّه ما طعنتُ برمح ولا ضربتُ بسيف ولا رميت بسهم، وما كان رجل أجهد منّي من رجل لم يفعل شيئاً من ذلك».(۵)
أقول: لو افترضنا صحة عهد الرسول بلزوم إطاعة أبيه، فلا يرمي الحديث إلاّ إلى إطاعته في الاَُمور المباحة، كيف! وقد روى هو عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال: لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ولا في معصية اللّه عزّ وجلّ.(۶)
فالاحتجاج بقول رسول اللّه «أطع أباك» كأنّه واجهة لما ارتكب من الموبقات حيث شارك في حرب إمام تعد حربه حرباً لرسول اللّه وسلمه سلماً لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي: أنا حرب لمن حاربتم و سلم لمن سالمتم.(۷)
ولكنّه أظهر الندم فيما لا ينفع الندم فيه .
كيف استجاب عبد اللّه بن عمرو لدعوة أبيه، وهو يعلم أنّ الخليفة الذي أصفق المهاجرون والاَنصار على خلافته وإمامته قد صار واجب الطاعة، والخروج عليه معصية وإثم مبين؟ قال سبحانه: (وإن جاهدَاكَ على أن تُشْـرِكَ بِـي ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهما) (لقمان /۱۵) ولا خصوصية للشرك في هذه الآية بل الملاك معصية اللّه سبحانه.
وعلى كلّ تقدير فقد توفي عبد اللّه بن عمرو في الشام سنة ۶۵، وهو يومئذ ابن ۷۲ سنة.(۸)
وقال ابن حجر نقلاً عن أبي عمر الكندي في تاريخه انّه توفي في نصف جمادى الآخرة سنة ۶۵ بمصر، فلم يستطع أن يخرج بجنازته لشغب الجند على مروان فدفن في داره.(۹)
وهذا يعرب عن تعاطفه مع الاَُمويين إلى نهاية عمره.
وعلى أية حال فقد بلغ ما اسند إليه سبعمائة حديث اتفقا له على سبعة أحاديث، وانفرد البخاري بثمانية ومسلم بعشرين(۱۰)وقد بلغت رواياته في المسند الجامع أربعمائة وتسع وخمسين حديثاً(۱۱)
فلنذكر من روائع أحاديثه نماذج.
روائع أحاديثه
۱. أخرج البخاري في صحيحه، عن الشعبي، عن عبد اللّه بن عمرو، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى اللّه عنه».(۱۲)
۲. أخرج الاِمام أحمد في مسنده، عن عمرو بن شعيب، عن جدّه عبد اللّه بن عمرو، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : مُروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً وفرِّقوا بينهم في المضاجع.(۱۳)
۳. أخرج الاِمام أحمد في مسنده، عن شعيب، عن جدّه عبد اللّه بن عمرو، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : من بنى للّه مسجداً، بُني له بيت أوسع منه في الجنة.(۱۴)
۴. أخرج الترمذي عن ريحان بن يزيد، عن عبد اللّه بن عمرو، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: «لا تحل الصدقة لغنيٍّ ولا ذي مرّة سويٍّ».(۱۵)
۵. أخرج أحمد عن مسروق، عن عبد اللّه بن عمرو، عن النبيقال:أربع من كن فيه كان منافقاً، أو كانت فيه خصلة من الاَربع، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر.(۱۶)
۶. أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي عبد الرحمان الحُبليّ، عن عبد اللّه بن عمرو انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة.(۱۷)
۷. أخرج ابن ماجة، عن مسروق، عن عبد اللّه بن عمرو، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : خياركم، خياركم لنسائهم.(۱۸)
۸. أخرج أبو داود في سننه، عن عمرو بن شعيب، عن جدّه عبد اللّه بن عمرو انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «لا طلاق إلاّ فيما تملك، ولا عتق إلاّ فيما تملك، ولا بيع إلاّ فيما تملك«زاد ابن الصباح» ولا نذر إلاّ فيما تملك».(۱۹)
۹. أخرج ابن ماجة عن عمرو بن شعيب، عن جدّه عبد اللّه بن عمرو انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ما أسكر كثيره فقليله حرام.(۲۰)
۱۰. أخرج أبو داود في سننه، عن الوليد بن عبدة، عن عبد اللّه بن عمرو، إنّ نبي اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن الخمر والميسر والكوبة(۲۱)
والغُبيراء(۲۲)، وقال: كلُّ مسكرٍ حرام.(۲۳)
۱۱. أخرج الاِمام أحمد في مسنده، عن عمرو بن شعيب، عن جدّه عبد اللّه ابن عمرو انّه سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ألا أخبركم بأحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ فسكت القوم، فأعادها مرتين أو ثلاثاً، قال: القوم: نعم يا رسول اللّه، قال: أحسنكم خلقاً.(۲۴)
۱۲. أخرج البخاري في الاَدب المفرد ، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص يبلغ به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من لم يرحم صغيرنا ويعرف حقّ كبيرنا فليس منّا.(۲۵)
۱۳. أخرج الاِمام أحمد في مسنده، عن أبي قلابة، عن عبد اللّه بن عمرو، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من قتل دون ماله مظلوماً فهو شهيد.(۲۶)
هذه نماذج من روائع أحاديثه، وكم لها من نظير، وإليك ما أسند إليه من الاَحاديث السقيمة، وقبل عرض نماذج منها، نسلط الاضواء على أحاديثه.
يظهر من غير واحد من الروايات انّ الرجل كان معجباً بالعهدين وغيرهما فيروى عنهما كثيراً، ويشهد على ذلك الاَُمور التالية:
۱. روى الاِمام أحمد عن أبي سعد، قال: جاء رجل إلى عبد اللّه بن عمرو، فقال: إنّما أسألك عمّا سمعت من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أسألك عن التوراة، فقال: سمعت من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده...(۲۷)ولولا انّه كان يروي عن العهدين بكثرة، وبنحو يشتبه مصدر الرواية على السامع لما قال له: «أسألك عمّا سمعت من رسول اللّه ولا أسألك عن التوراة».
۲. روى واهب بن عبد اللّه، عن عبد اللّه بن عمرو، انّه قال: رأيت فيما يرى النائم لكأنّ في إحدى اصبعيّ سمناً وفي الاَُخرى عسلاً فأنا ألعقهما، فلما أصبحت ذكرت ذلك لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: تقرأ الكتابين التوراة والفرقان فكان يقروَهما.(۲۸)
ولذلك لا تعجب إذا وقفت على أنّه كان يروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج....(۲۹)
وقد فسر أبو جعفر الطحاوي التحديث عن بني اسرائيل بنقل ما جرى عليهم من العقوبات لينتفع به المسلمون، وأضاف أنّ التحديث عنهم إختياري وليس بإيجابي(۳۰)
أقول: لو كان المراد ما ذكره فقد سبق الكتاب العزيز إلى نقله فلم يكن مجهول الحكم حتى يبين الرسول حكمه، على أنّ كون النقل غير إيجابي لا يدفع الاِشكال، فإنّه يكمن في فسح المجال لهذه النقول سواء أكان إختيارياً أم إيجابياً.
وقد جاءت الاَخبار بأنّ عبد اللّه بن عمرو أصاب يوم اليرموك زاملتين من علوم أهل الكتاب فكان يحدث منهما بأشياء كثيرة من الاِسرائيليات، وقد قال فيهما الحافظ ابن كثير: إنّ منها المعروف و المشهور والمنكور والمردود.(۳۱)
وعلى ضوء ذلك فلا عجب أن يروى عنه مالا يفارق عقيدة اليهود من الجبر والتشبيه، وإليك نماذج من رواياته السقيمة.
أحاديثه السقيمة
۱. الفراغ من الاَمر: الجبر
أ. روى الاِمام أحمد عن شفيَّ الاصبحي، عن عبد اللّه بن عمرو، عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: خرج علينا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي يده كتابان ، فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ قال: قلنا لا، إلاّ أن تخبرنا يا رسول اللّه. قال ـ للذي في يده اليمنى ـ: هذا كتاب من ربّ العالمين تبارك و تعالى بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثمّ أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً، ثمّ قال ـ للذي في يسار ـ: هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثمّ أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً.
فقال أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : فلاَي شيء إذاً نعمل إن كان هذا أمر قد فرغ منه؟ قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : سدودا وقاربوا، فانّ صاحب الجنة يختم له بعمل الجنة وان عمل أيَّ عمل، وانّ صاحب النار ليختم له بعمل أهل النار وان عمل أيّ عمل، ثمّ قال بيده فقبضها، ثم قال: فرغ ربكم عزّ وجلّ من العباد، ثمّ قال باليمنى: فنبذ بها، فقال: فريق في الجنة ونبذ باليسرى، فقال: فريق في السعير.(۳۲)
ب. أخرج الترمذي، عن عبد اللّه بن الديلمي، قال:سمعت عبد اللّه بن عمرو يقول: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إنّ اللّه خلق خلقه في ظلمة فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأ ضلّ، فلذلك أقول: جفّالقلم على علم اللّه.(۳۳)
ج. أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي عبد الرحمان الحبليّ، عن عبد اللّه ابن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: كتب اللّه مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والاَرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء.(۳۴)
هذه الاَحاديث التي رواها عبد اللّه بن عمرو بن العاص لا تفارق الجبر قيدَ شعرة، وتعرب عن أنّه تمّ القضاء على الناس منذ الاَزل وجعلهم صنفين فكل ميسَّر لما خلق له، لا لما لم يخلق له، فأهل السعادة ميسّرون للاَعمال الصالحة فحسب، وأهل الشقاء ميسّرون للاَعمال الطالحة فحسب.
هذه المرويات الّتي تكتظ بها الصحاح والمسانيد ، تناقض الاَُصول العقلية والنقلية المسلّمة، وحاشا رسول اللّه وخيرة أصحابه أن ينبسوا بها ببنت شفة، وإنّما حيكت على منوال عقيدة الجهاز الاَمويّ الحاكم، ولذلك لا تعجب عمّا يقوله إمام الحنابلة في رسائله:
والقدر خيره وشره، وقليله وكثيره، وظاهره وباطنه، وحلوه ومرّه ،ومحبوبه ومكروهه، وحسنه وسيئه، وأوّله وآخره من اللّه. قضاء قضاه، وقدر قدره عليهم، لا يعدو واحد منهم مشيئة اللّه ولا يجاوز قضاءَه، بل هم كلّهم صائرون إلى ما خلقهم له واقفون فيما قدر عليهم لاَفعاله وهو عدل منه عزّ ربّنا وجلّ. والزنا والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس وأكل المال الحرام والشرك باللّه والمعاصي كلّها بقضاء وقدر.(۳۵)
أقول: لا يكتب هذا القدر الجاف الجافي على الانسان المسكين إلاّ متعنّت حنق، قاس، حقود بلا سبب ولا مبرّر، وبذلك ابتلي الكفار والعصاة بشقاء أبدي، ولا مجال ـ بعد ذلك ـ لرأفته ورحمته وإحسانه بل قدّر كلّ ذلك لآخرين بلا جهة ولا سبب، كما يقول اللّه تعالى ـ في زعمهم ـ في بعض رواياتهم: خلقت هوَلاء للجنة ولا أبالي وخلقت هوَلاء للنار ولا أبالي.(۳۶)
أخرج مسلم في صحيحه، عن جابر قال: سراقة بن مالك بن جُعشم قال: يا رسول اللّه بيّن لنا ديننا كأنّا خلقنا الآن فيما العمل اليوم؟ أفيما جفّت به الاَقلام وجرت به المقادير ، أم فيما نستقبل؟ قال: لا، بل فيما جفّت به الاَقلام وجرت به المقادير . قال: ففيم العمل؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : اعملوا فكلّ ميسّر.(۳۷)
إنّ قول الرسول في الرواية الاَُولى، أعني: «هذا كتاب من ربّ العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم فلا يزداد فيهم ولا ينقص منهم أبداً» أثار سوَالاً لبعض الصحابة، حيث قال: وفيم العملُ يا رسول اللّه إن كان أمر قد فرغ منه؟ فأجاب رسول اللّهبقوله: سدِّدوا وقاربوا.
ولكنّ الجواب لا صلة له بالسوَال، فانّ السائل يقول: إذا قُضي على أحد بالجنة فمصيره لا محالة إلى الجنة بصورة قضية ضرورية، فعند ذلك يصير تكليفه لغواً والعمل باطلاً بلا حاجة إلى التسديد والتقارب اللذين ركز عليهما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: «سددوا وقاربوا» خصوصاً بالنظر إلى ما بعده، حيث قال: «فانّ صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أيَّ عمل، وانّ صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أيّ عمل».
فعلى هذا تكون الهداية في آخر لحظات العمر مدعاة للفوز بالجنة مع أنّه سبحانه يخطِّىَ تلك الفكرة، ويردّ على تلك المزعمة بأنّ فرعون حينما أظهر الاِيمان في آخر لحظات حياته وقال: (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمينَ) ، فردَّ عليه سبحانه بقوله: (الآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ المُفْسِدِينَ) (يونس/۹۰ـ۹۱).
إنّ الحديث الثاني الذي رواه الترمذي عن عبد اللّه بن عمرو من أنّه سبحانه «خلق خلقه في ظلمة فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأ ضلّ»، يثير سوَالاً و هو ما هو المراد من خلق الناس في ظلمة مع انّه سبحانه، يقول: خلق الناس على فطرة التوحيد قال سبحانه: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطرَتَ اللّهِ الّتِي فَطَرَالنّاسَ عَلَيْها) (الروم/۳۰) فهل يصحّ أن نعبر عن فطرة التوحيد بالظلمة؟
ثمّ ما هو ذنب من لم يسطع النور على قلبه فمكث في ظلمته وصار شقياً؟!
فعلى ضوء تلك الاَحاديث لا يقدر الاِنسان على اضلال نفسه وهدايتها كما لا يقدر على إدخال نفسه في الجنّة أو النار، فكلما أراد من شيء يكون الكتاب السابق حائلاً بينه و بين إرادته.
ثمّ إنّ الكتاب الذي سبق، حاكم على الاِنسان فلا يزيد ولا ينقص، وهو يخالف النصوص الثابتة من القرآن والسنّة من تغيير المصير بالاَعمال الصالحة أو الطالحة كما انّ القول بأنّه جفّ القلم على ما كان لا يتغير ولا يتبدل فكرة يهودية كشف عنها القرآن حيث نقل عنهم قولهم (يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاء) (المائدة/۶۴).
بقيت هنا كلمتان:
الاَُولى: وهي انّ المسلمين تبعاً للقرآن الكريم متفقون على التقدير في أفعال العباد إلاّ انّه لابدّ أن يفسر بنحو لا يعارض اختيار الاِنسان فيجعله مكتوف اليدين وتكون بعثة الاَنبياء أمراً لغواً شبيهاً بقول القائل:
ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له * إيّاك إيّــاك أن تبتــــلَّ بالمـاء
الثانية : دلت الآيات والاَحاديث الصحيحة على أنّ الاِنسان قادر على تغيير مصيره بحسن أفعاله وصلاح أعماله وتهذيب أخلاقه بمثل الصدقة والاِحسان وصلة الاَرحام وبرِّ الوالدين، والاستغفار والتوبة، وشكر النعمة إلى غير ذلك من الاَُمور المغيّرة للمصير، الموجبة لتبدّل القضاء السيء إلى القضاء الحسن، كما انّه قادر على تغيير مصيره الحسن، إلى المصير السيّء بالاَعمال التي تقابلها، فليس الاِنسان محكوماً بمصير واحد ومقدّر غير قابل للتغيير، ولا انّه يصيبه ما قدر له، شاء أم لم يشأ، بل المصير والمقدر يتغير ويتبدل بالاَعمال الصالحة أو الطالحة بشكر النعم أو كفرانها، وبالتقوى أو المعصية إلى غير ذلك من الاَُمور.
تغيير المصير بالاَعمال الصالحة أو الطالحة
۱. قال اللّه سبحانه حاكياً عن شيخ الاَنبياء نوح، قوله: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً* يُرْسِلِ السَّماءَعَلَيْكُمْ مِدْراراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْلَكُمْ جَنّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) (نوح/۱۰ـ۱۲).
فانّك ترى أنّه (عليه السلام) يجعل الاستغفار سبباً موَثراً في نزول المطر، وكثرة الاَموال، وجريان الاَنهار إلى غير ذلك من الآثار.
وأمّا كيفيّة تأثير العمل الاِنساني كالاستغفار في الكائنات فبيانه خارج عن إطار بحثنا هذا، وإنكار التأثير يُشبه بكلمات الملاحدة وموقفهم، فهذا الوحي الاِلهي يدل على تأثير الدعاء والاستغفار في الكائنات، والعلل الطبيعية، وقد تواتر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) انّ الدعاء وما شابهه من الاَعمال ممّا يرد به القضاء.
۲.وقال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لا يُغَيّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيّروا ما بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد/۱۱).
۳.وقال عزَّ وجلَّ: (ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَومٍ حَتّى يُغَيّروا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (الاَنفال/۵۳).
۴. وقال سبحانه: (وَلَو أَنَّ أَهْلَ القُرى آمَنُوا وَاتقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالاََرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (الاَعراف/۹۶).
۵. وقال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب) (الطلاق/۲ـ۳) .
۶. وقال سبحانه: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لاََزيدَنَّكُمْ وَلئِنْ كَفَرتُمْ إِنَّ عَذابي لَشَديد) (إبراهيم/۷).
۷. وقال سبحانه: (وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظِيم) (الاَنبياء/۷۶).
۸. وقال سبحانه: (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبّهُ إِنِّي مَسَّنِي الضُّـرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمينَ* فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْضُـرٍّ ) (الاَنبياء/۸۳ـ ۸۴).
۹. وقال سبحانه: (وَما كانَ اللّهُليُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَ ماكانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الاَنفال/۳۳).
۱۰. وقال سبحانه: (فَلَولا انَّهُ كانَ مِنَ المُسَبِّحِين* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِِ إِلى يَوم يُبْعَثُون * فَنَبَذْناهُبِالعَراءِ وَهُوَ سَقِيم* وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرةً مِنْ يَقْطِين)(الصافات/۱۴۳ـ۱۴۶).
۱۱. وقال تعالى: (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي المُوَْمِنينَ)(الاَنبياء/۸۸).
۱۲. وقال تعالى: (فَلَولا كانَتْ قَريةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاّ قَوم يُونُس لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الخِزْيِ فِي الحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِين)(يونس/۹۸).
هذه طائفة من الآيات القرآنية التي تحكي عن ترتّب آثار معيّنة على الدعاء والاستغفار والاِيمان والعمل الصالح مما يكشف عن تأثير هذه الاَعمال في الكائنات والحوادث الطبيعية.
ومع هذه الآيات و البراهين الواضحة، لا يقام وزن ولا قيمة لما نسب إلى عبد اللّه بن عمرو، من الروايتين الدالّتين على خلافها.
۲. منع المرأة من التصرّف في مالها
أخرج أبو داود في سننه، عن عمرو بن شعيب، عن جدّه، انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها.(۳۸)
وفي رواية أُخرى انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «لا يجوز لامرأة عطية إلاّ بإذن زوجها».(۳۹)
لقد سبق منّا القول في المقدمة انّ من شرائط حجّية الخبر الواحد أن لا يكون مبايناً للقرآن الكريم، وأمّا المخالفة بصورة العام والخاص وإن كانت جائزة لشيوع تلك المخالفة في التقنين حيث يذكر العام بلا خاص ثمّ يعقبه الخاص بعد فاصل زمني، إلاّ أنّه لا يمكن تخصيص الذكر الحكيم بخبر الواحد إلاّإذا ورّث الاطمئنان بصحته بنحو يقدّم على الذكر الحكيم.
وبعبارة أُخرى المخالفة الكليّة ممنوعة مطلقاً يرفض الخبر ويأخذ بالكتاب، وأمّا المخالفة بنحو العموم والخصوص أو المطلق و المقيد وإن كانت جائزة بأن يكون مخصِّصاً أو مقيِّداً، لكن ليس كلّخبر صالحاً لذلك حتى و إن كان المخبر ثقة، بل إذا احتفّ بالقرائن المفيدة للعلم أو أفاد اطمئناناً تسكن إليه النفس.
وعلى ضوء ذلك فلنتناول الآيات الواردة في استقلال المرأة في أموالها بالبحث ثمّ نعرج إلى الروايتين المذكورتين ونبيّن نسبتهما إليه.
إنّ القرآن الكريم منح للمرأة استقلالاً مالياً في أموالها إذا بلغت وأُونس منها الرشد على الرغم من انّه جعل الرجال قوامين على النساء، وإليك بعض الآيات:
قال سبحانه: (وابتَلُوا اليَتامى حتّى إذا بَلَغُوا النِّكاحَ فإنْ ءانَسْتُم مِنْهُمْ رُشْداً فادفَعُوا إليهم أَموالَهُم) (النساء/۶).
فالجارية اليتيمة إذا بلغت وأُونس منها الرشد تدخل تحت تلك الآية وتكون من مصاديقها ويجب على الولي دفع مالها إليها، وهو يلازم استقلالها في التصرف في الاَموال، وإلاّ لكان الدفع بلا نتيجة أو أثر.
وقال سبحانه: (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبْنَ)(النساء/۳۲).
والمراد من الاكتساب في الآية ما يُكتسب عن طريق الحِرَف والمِهَن وغيرها من أسباب الاكتساب، وهو يدل على نفوذ تصرّف المرأة بعد البلوغ وإيناس الرشد، وانّه لا يصحّ منعها بعد هذا الاستقلال.
فعلى ضوء هاتين الآيتين فالمرأة البالغة الرشيدة رفع عنها الحجر، فتنفذ تصرّفاتها في أموالها دون فرق بين الاكتساب وغيره قبل الزواج و بعده، فالحكم بالحجر عليها بعد تلك المرحلة بحاجة إلى دليل معتبر يخصص عموم الكتاب أو يقيّد إطلاقه.والحكم بالحجر عليها لا يخلو من صورتين:
الاَُولى: الحكم بالحجر عليها قبل زواجها فهو يخالف الذكر الحكيم، وإن حكي الحجر عن الاِمام أحمد حيث روي عنه «لا يدفع إلى الجارية ما لها بعد بلوغها حتى تتزوج وتلد أو يمضي عليها سنة في بيت الزوج».
كما حكي أيضاً عن الاِمام مالك « بأنّه لا يدفع إليها مالها حتى تتزوج ويدخل عليها زوجها، لاَنّ كلّحالة جاز للاَب تزويجها من غير إذنها لم ينفك عنها الحجر كالصغيرة».(۴۰)
يلاحظ عليه:أوّلاً : المنع من جواز تزويجها بلا إذنها، كيف و قد تضافر الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال: البكر تستأمر.(۴۱)
وثانياً: لو افترضنا بقاء ولاية الاَب على الجارية في مورد التزويج، فلا يكون دليلاً على حجرها في كلّشيء مع أنّ القرآن يصرح باستقلالها وخروجها عن الحجر ويأمر الاَولياء بدفع المال إليها.
وما روي عن شريح انّه قال: عهد إليَّ عمر بن الخطاب أن لا أجيز لجارية عطية حتى تحول في بيت زوجها حولاً أو تلد ولداً.(۴۲)على فرض الصحة حكم ولائي يختص بمورده و زمنه، ولا يكون دليلاً على حجر المرأة على وجه الاِطلاق قبل التزويج، فالقول بالحجر في هذه الصورة لا يخلو عن تعسف.
الثانية: الحكم بالحجر عليها بعد زواجها مطلقاً كما هو مفاد الرواية الاَُولى المنقولة عن عمرو بن شعيب، أو في خصوص عطيتها كما هو مقتضى الرواية الثانية.
فالمروي عن أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر جواز تصرفها في مالها بالتبرع والمعاوضة، والمنقول عن أحمد في إحدى الروايتين. انّه ليس لها أن تتصرف في مالها لزيادة على الثلث بغير عوض إلاّبإذن زوجها، واستدل على هذا القول بما روي انّ امرأة كعب بن مالك أتت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بحليٍّ لها، فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا يجوز للمرأة عطية حتى يأذن زوجها، فهل استأذنت كعباً؟ فقالت: نعم، فبعث رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى كعب، فقال: هل أذنت لها أن تتصدق بحليّها؟، قال: نعم، فقبله رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) .(۴۳)
يلاحظ عليه: أنّه من المحتمل أن تكون الحُليّ ملكاً لزوجها وقد دفع إليها لتتزين بها، فلا يعد دليلاً على عدم الجواز فيما كان ملكاً لها، والرواية إنّما وردت في واقعة شخصية لا يمكن استفادة العموم منها.
فلم يبق دليل سوى رواية عبد اللّه بن عمرو، عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومن المحتمل أن يكون المراد انّه لا يجوز عطيتها من ماله من غير إذنه.
فإن قلت:نعم، ما ذكرنا من التأويل والحمل إنّما يجري في روايته الثانية أعني قوله: «لا يجوز لامرأة عطية إلاّ بإذن زوجها» فيحتمل أن يكون المال المعطى من مال زوجها.
وأمّا الحديث الاَوّل فلا يصحّ فيه ذلك التأويل لقوله: «لا يجوز لامرأة أمر في مالها» الظاهر في كون المال مالها.
قلت: إنّ الحديثين ـ في الواقع ـ حديث واحد فلا نعلم ما هو الصادر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خصوصاً انّ الاَحاديث منقولة بالمعنى فلذلك يصعب الاعتماد على قوله «في مالها» و قد صرح العلماء انّ الصحابة كانوا يسمعون الاَحاديث ولا يكتبونها ولا يكررون عليها، ثمّ يروونها بعد السنين الكثيرة. فلذلك اختلفت عبارات الحديث الواحد.
ثمّ إنّ الاَمر دائر بين الجواز وعدمه، فالتحديد بالثلث تحكّم جداً، وقياسها على المريض الذي لا يجوز له التصرف في أزيد من ثلث ماله قياس مع الفارق.
وعلى أيّ حال فالمرجع هو الآية، ولا يمكن الاستناد بهاتين الروايتين حتى يخصص الذكر الحكيم أو يقيّد بهما.
فخرجنا بالنتيجة التالية: انّ المرأة في الاِسلام ذات شخصية تساوي شخصية الرجل في حرية الانتخاب والتصرف في الاَموال دون أيّ فرق إلاّفيما يقتضيه كيانها الروحي والنفسي الجيّاش بالعاطفة والاِحساس.
۳. عدم توارث ملتين
أخرج ابن ماجة، عن عمرو بن شعيب، عن جدّه انّ رسول اللّهقال:لا يتوارث أهل ملتين.(۴۴)
والرواية بحاجة إلى تفسير وتوضيح، إذ انّ أكثر أهل السنّة حملوها على عدم وراثة كلّ ملة عن ملة أُخرى مع أنّالمقصود نفي التوارث بينهما، و يكفي في صدقه عدم الوراثة من جانب دون جانب آخر. فهناك مسألتان:
الاَُولى: في أنّه لا يرث الكافر المسلم. هذه المسألة ممّا اتفقت عليه كلمة المسلمين.
قال ابن قدامة: أجمع أهل العلم على أنّ الكافر لا يرث المسلم.(۴۵)
الثانية: في وراثة المسلم الكافر. وهذه المسألة ممّا وقع فيها الاختلاف.
فقد قال علي (عليه السلام) ، و معاذ بن جبل، ومعاوية بن أبي سفيان من الصحابة، ومسروق، وسعيد وعبد اللّه بن معقل و محمد بن الحنفية و محمد بن علي الباقر وإسحاق بن راهويه من التابعين، بأنّه يرث المسلم الكافر، لاَنّ الاِسلام لم يزده إلاّ عزّاً وكرامةً، فلو افترضنا انّ الاَب والولد كانا كافرين فلو مات الوالد والحال هذه يرثه الولد، فكيف لا يرثه إذا أسلم قبل وفاة والده؟ وإلاّيلزم أن يكون الاِسلام سبباً لنقصان حظه و زوال عزِّه.
ومع ذلك فقد قال جمهور الصحابة و التابعين: لا يرث المسلم الكافر، يروى هذا عن: أبي بكر و عمر و عثمان، وعلي، و أُسامة بن زيد، وجابر بن عبد اللّه، و به قال: عمرو بن عثمان، و عروة، والزهري، وعطار، وطاووس، والحسن، وعمر بن عبد العزيز، وعمرو بن دينا ر، والثوري، و أبو حنيفة وأصحابه، ومالك، والشافعي، وعامة الفقهاء.
والحق الحرمان في الصورة الاَُولى، وعدمه في الصورة الثانية، تبعاً لاِطلاقات القرآن، أعني قوله سبحانه: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَولادِكُمْ لِلذَّكَرِمِثْلُ حَظِّ الاَُنْثَيَيْن) وقوله سبحانه: (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ) (النساء/۱۱ـ۱۲) وقوله تعالى: (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالاََقْرَبُون) (النساء/۷).
فانّ إطلاقها يعم ما إذا كان المورّث كافراً والوارث مسلماً خرج منها عكس المسألة بالاتفاق.
وفي روايات أئمّة أهل البيت إلماعات إلى ردّ من زعم انّ المسلم لا يرث الكافر، مثل قولهم (عليهم السلام) : «نحن نرثهم ولا يرثونا، انّ اللّه عزّ وجلّ لم يزدنا بالاِسلام إلاّعزّاً».(۴۶)
وفي رواية أُخرى: «نرثهم ولا يرثونا انّ الاِسلام لم يزده في ميراثه إلاّشدّة».(۴۷)
ومعنى نفي التوارث هو أن يرث كلّمن الآخر، فهذا هو الذي تنفيه لسان الرواية، وهو صادق على ما إذا كانت الوراثة من جانب دون آخر فلا يرث الكافرُ المسلم ويرث المسلمُ الكافر ، فيصدق انّه لا توارث بينهما.
وبهذا المعنى فسّر الاِمام أبو جعفر (عليه السلام) الرواية، روى عبد الرحمان بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لا يتوارث أهل ملتين نحن نرثهم ولا يرثونا، انّ اللّه عزّ وجلَّ لم يزدنا بالاِسلام إلاّ عزّاً».(۴۸)
وفي صحيحة جميل وهشام، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) انّه قال: فيما روى الناس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال: «لا يتوارث أهل ملتين» قال: «نرثهم ولا يرثونا انّ الاِسلام لم يزده في حقّه إلاّ شدّة».(۴۹)
وروى أبو العباس قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «لا يتوارث أهل ملتين، يرث هذا هذا ويرث هذا هذا، إلاّ أنّ المسلم يرث الكافر ، والكافر لا يرث المسلم».(۵۰)
۴. وجوب الوفاء بنذر المعصية
أخرج أبو داود في سننه، عن عمرو بن شعيب، عن جدّه انّ امرأة أتت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: يا رسول اللّه، انّي نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، قال: أوفي بنذرك قالت: إنّي نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا، مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية قال: «لصنم؟» قالت: كلا، قال:« لوثن؟» قالت: كلا، قال: «أوفي بنذرك».(۵۱)
يلاحظ على الحديث
إنّ الضرب بالدف إمّا حرام أو أمر مرجوح أو مباح، قال الشيخ الطوسي: إنّ الضرب بالدف في الاَعراس والختان مكروه، وقال الشافعي: ضرب الدفِّ في الختان و الاَعراس مباح.(۵۲)وعلى جميع التقادير لا يصح ابتغاء وجه اللّه به، وقد روى عبد اللّه بن عمرو، انّ رسول اللّه أدرك رجلين وهما مقترنان يمشيان إلى البيت، فقال رسول اللّه: ما بال القِران، قالا: يا رسول اللّه نذرنا أن نمشي إلى البيت مقترنين، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): ليس هذا نذراً فقطع قرانهما، وقال: إنّما النذر ما ابتغى به وجه اللّه عزّوجلّ(۵۳)
وفي رواية أُخرى عنه، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه نظر إلى أعرابي قائماً في الشمس وهو يخطب فقال: ما شأنك؟ قال: نذرت يا رسول اللّه أن لا أزال في الشمس حتى تفرغ، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ليس هذا نذراً، إنّما النذر ما ابتغي وجه اللّه عزّ وجلّ(۵۴)
وعلى ضوء ذلك فالرواية مندسّة في الروايات النبويّة ونجلّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يسوّغ لمرأة أجنبية أن تضرب على رأسه بالدفّ . وقد مضى الكلام فه أيضاً(۵۵)
۵. لا يركب البحر إلاّ ثلاث
أخرج أبو داود، عن بشير بن مسلم، عن عبد اللّه بن عمرو، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا يركب البحر إلاّ حاج أو معتمر أو غاز في سبيل اللّه، فانّ تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً.(۵۶)
يلاحظ عليه: أنّ الرواية إمّا بصدد الاِخبار عن الواقع، أو بصدد انشاء النهي، فعلى الاَوّل يلزم الكذب فانّه يركب البحر التاجر والسائس والسائح إلى غير ذلك من الطوائف، وعلى الثاني يلزم حرمة أو كراهة السفر البحري لغير هوَلاء الثلاثة، وهل يصحّ الحكم بحرمته أو كراهته؟
قال ناصر الدين الاَلباني: «ولا يخفى ما في هذا الحديث من المنع من ركوب البحر في سبيل طلب العلم و التجارة ونحو ذلك من المصالح التي لا يعقل أن يصدّ الشارع الحكيم، الناس عن تحصيلها بسبب مظنون إلاّ وهو الغرق في البحر، كيف واللّه يمنّ على عباده بأنّه خلق لهم السفن وسهل لهم ركوب البحر بها ؟ فقال:
(وآيَةٌ لَهُم أَنّا حَمَلنا ذُرِّيَّتَهُم فِي الفُلْكِ الْمَشْحُون* وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُون) (يس /۴۱ـ ۴۲).
ففي هذا دليل على ضعف هذا الحديث وكونه منكراً واللّه أعلم.(۵۷)
أقول: ما ذكره في صدر كلامه متين، وأمّا الاستدلال بالآية على نكارة الحديث فليس بتام، لاَنّها بصدد بيان نعم اللّه سبحانه على عباده، لا في مقام بيان كيفية الاستفادة وشروطها حتى يتمسك بالاِطلاق على جواز الاستفادة في جميع الظروف والحالات.
والاستدلال بالآية على حلية ركوب السفينة لغايات شتى، كالاستدلال بقوله سبحانه: (وَالاََرضَ وَضَعَها لِلاََنام) (الرحمن/۱۰) على جواز التصرف في أرض الغير التي أحياها، أو التمسك بمثل قوله: «الغنم حلال»على حلية الغنم المغصوب وهذا أصل بيّنه الاَُصوليون في باب المطلق و المقيد. والكاتب محد ِّث وليس بفقيه.
أضف إلى ذلك انّه ما المراد من النار تحت البحر ، والبحر تحت النار؟ ولماذا لم يكتشف أحد ممّن سبر أغوار البحار ذلك؟ إلاّ أن يكون الحديث كناية عن الاَخطار المحدقة بركّاب البحر.
۶. الفرقة الناجية أنا و أصحابي
أخرج الترمذي، عن عبد اللّه بن يزيد، عن عبد اللّه بن عمرو، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ليأتين على أُمّتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إنْ كان منهم من أتى أُمّه علانية، لكان في أُمّتي من يصنع ذلك، وانّ بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أُمّتي على ثلاث وسبعين ملةكلّهم في النار، إلاّ ملّة واحدة، قالوا: و من هي يا رسول اللّه؟ قال: ما أنا عليه و أصحابي.(۵۸)
البحث حول هذا الحديث الذي رواه الفريقان في كتبهم ذو شجون، وقد أشبعنا الحديث عنه في كتابنا « بحوث في الملل والنحل».(۵۹)غير انّنا نعلّق على الحديث وهو: انّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عرف الفرقة الناجية بقوله: «ما أنا عليه وأصحابي» وهذا لا يخلو من غموض.
أوّلاً: انّ هذه الزيادة غير موجودة في بعض نصوص الرواية، ولا يصحّ أن يقال انّ الراوي ترك نقلها لعدم الاَهمية.
وثانياً: انّ المعيار الوحيد للهلاك والنجاة هو شخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمّا أصحابه فلا يمكن أن يكونوا معياراً للهداية والنجاة إلاّ بقدر اقتدائهم برسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وإلاّفلو تخلفوا عنه قليلاً أو كثيراً لا يكون الاقتداء بهم موجباً للنجاة، وعلى ذلك فعطف أصحابي على النبي عطف زائد لا حاجة إليه.
وثالثاً: انّ المراد امّا صحابته كلّهم، أو الاَكثرية الساحقة، فالاَوّل مفروض العدم لاختلاف الصحابة في مسائلهم ومشاربهم السياسية والدينية بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأدل دليل على ذلك ما وقع من الخلاف في السقيفة وبعدها. والثاني ممّا لا يلتزم به أهل السنّة فانّ الاَكثرية الساحقة من الصحابة خالفوا الخليفة الثالث، وقد قتله المصريون والكوفيون في مرأى ومسمع من بقية الصحابة، الذين كانوا بين موَلّب أو مهاجم أو ساكت.
على أنّ حمل أصحابي على الاَكثرية خلاف الظاهر، ويظن انّ هذه الزيادة من رواة الحديث لدعم موقف الصحابة، وجعلهم المحور الوحيد الذي يدور عليه فلك الهداية بعد النبي الاَعظم، والمتوقع من رسول الهداية هو أن يحدد الفرقة الناجية بسمات واضحة تستفيد منها الاَجيال اللاحقة، فانّ كلّ الفرق يدّعون انّهم على ما عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وكلّ يدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهـم بذاكـا
كيف تكون صحابته ملاكاً للحق والباطل مع أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يتنبأ في حياته عن ارتداد صحابته بعده؟
۱. أخرج البخاري، عن أبي وائل قال: قال عبد اللّه: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
أنا فَرَطَكُم على الحوض، ليرفعنَّ إليّ رجال منكم حتى إذا أهويت لاَُناولهم اختلجوا دوني، فأقول أي ربِّ أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك.
۲.أخرج البخاري، عن يعقوب بن عبد الرحمان، عن أبي حازم، قال: سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: أنا فرطكم على الحوض من ورده شرب منه، و من شرب منه لم يظمأ بعده أبداً، ليرد عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثمّ يُحالُ بيني و بينهم.
قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا، فقال: هكذا سمعت سهلاً ؟ فقلت: نعم، قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه، قال: إنّهم مني، فيُقال: إنّك لا تدري ما بدّلوا بعدك، فأقول سحقاً سحقاً لمن بدَّل بعدي.(۶۰)
أفهل يمكن أن يكون أهل البدع كما يحكي عنه قوله: «ما أحدثوا بعدك» والمبدلّون دين اللّه كما يحكي عنه قوله «وما بدلوا بعدك» أو من دعا عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: «سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي» ملاكاً للحق والباطل ومعياراً لمعرفة الفئة الناجية عن غيرها ؟!
لا شكّ انّه كان بين الصحابة أشخاص يستدرّ بهم الغمام، ويضرب بهم الاَمثال في التقوى ومكارم الاَخلاق، ولكن أين هذا من أن يكون كلّ صحابي محوراً للحقّ والباطل ؟
وبذلك تعرف انّ أوّل من كفّر بعض الصحابة هم الذين يروون هذه الروايات في صحاحهم لا سيما صحيح البخاري الذي هو أصحّ الكتب عندهم بعد القرآن الكريم، ومع ذلك يرمون غيرهم بتلك الفرية مع أنّهم منه بُراء براءة يوسف من الذنب الذي أُلصق به.
وثمة نكتة جديرة بالبحث وهي انّه إذا راجعنا الصحاح والمسانيد نجد أنّ أصحابهم أفردوا باباً بشأن فضائل الصحابة، إلاّ أنّـهم لم يفردوا باباً في مثالبهم، بل أقحموا ما يرجع إلى تلك الناحية في أبواب أُخر، ستراً لمثالبهم وقد ذكرها البخاري في الجزء التاسع من صحاحه في باب الفتن، وأدرجها ابن الاَثير في جامعه في أبواب القيامة عند سرد روايات الحوض، والترتيب المنهجي لجمع الاَحاديث وترتيبها، كان يقتضي عقد باب مستقل للمثالب إلى جنب المناقب حتى يطلع القارىَ على قضاء السنة حول صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
والعجب انّ ابن حجر في شرحه على البخاري مرّ على هذه الروايات مرور الكرام مع أنّها تخالف ما عليه السنّة من عدالة الصحابة برمّتهم، بل جاء بكلمة أذعن فيها بأنّ الاَمر دائر بين ارتداد بعض الصحابة أو معصيتهم حيث قال: وحاصل ما حمل عليه حال المذكورين انّهم إن كانوا ممن ارتد عن الاِسلام فلا إشكال في تبري النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم وإبعادهم، وإن كانوا ممن لم يرتد لكن أحدث معصية كبيرة من أعمال البدن أو بدعة من اعتقاد القلب، فقد أجاب بعضهم بأنّه يحتمل أن يكون أعرض عنهم ولم يشفع لهم اتباعاً لاَمر اللّه فيهم يعاقبهم على جنايتهم، ولا مانع من دخولهم في عموم شفاعته لاَهل الكبائر من أُمّته فيخرجون عند اخراج الموحدين من النار.(۶۱)
۷. قلوب بني آدم بين اصبعين
أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي عبد الرحمان الحبليّ، انّه سمع عبد اللّه بن عمرو بن العاص، يقول: إنّه سمع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إنّ قلوب بني آدم كلّها بين اصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرّفه حيث يشاء، ثمّ قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : اللّهمّ مصرِّف القلوب صرِّف قلوبنا على طاعتك.(۶۲)
هذه الرواية من الروايات التي يفوح منها التجسيم حيث أثبت للّه سبحانه أصابع أوّلاً، ثمّ أثبت انّ قلوب بني آدم بين اصبعين من أصابعه، فلو أخذنا بظاهره فهو تجسيم وكفر وإلحاد، ولو أوّلناه لصرنا جهميين مطرودين عند السلف.
يقول النووي: هذا من أحاديث الصفات وفيها القولان السابقان قريباً أحدهما: الاِيمان بها من غير تعرض لتأويل ولا لمعرفة المعنى بل يوَمن بأنّها حقّ وانّ ظاهرها غير مراد، قال اللّه تعالى:(ليس كمثله شيء) .
والثاني: يُتأول بحسب ما يليق بها فعلى هذا المراد، المجاز كما يقال فلان في قبضتي وفي كفي لا يراد به أنّه حالّ في كفه بل المراد تحت قدرتي، و يقال: فلان بين اصبعيّ أقلّبه كيف شئت، أي انّه منّي على قهره و التصرف فيه كيف شئت فمعنى الحديث: انّه سبحانه و تعالى متصرّف في قلوب عباده وغيرها كيف شاء لا يمتنع عليه منها شيء ولا يفوته ما أراده، كما لا يمتنع على الاِنسان ما كان بين اصبعيه، فخاطب العرب بما يفهمونه و مثّله بالمعاني الحسية تأكيداً له في نفوسهم.(۶۳)
يلاحظ عليه: أنّالتعبير الرائج في اللغة العربية عن القدرة القاهرة هي القبضة واليمين، قال سبحانه: (وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالاََرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَومَ القِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ)(الزمر/۶۷) فالاَرض بسعتها في قبضته سبحانه أي قدرته القاهرة عليها كما انّالسماوات بسعتها تنطوي بقدرته.
وأمّا التعبير عن القدرة القاهرة بأنّها بين الاصبعين فليس برائج، نعم ربما يقال أرفعه باصبعي.
وعلى أية حال فهذه الروايات هي التي روّجت نزعة التجسيم بين أوساط المسلمين.
۸. عدم إضرار الخطيئة مع الاِيمان
أخرج أحمد عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه هذا في حديث أبي أحمد الزبيري، قال: نزل رجل على مسروق، فقال: سمعت عبد اللّه بن عمرو بن العاص، يقول: سمعت رسول اللّه، يقول:
من لقى اللّه وهو لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ولن تضرَّه معه خطيئة، كما لو لقيه وهو مشرك به دخل النار، ولم ينفعه معه حسنة.(۶۴)
أقول: احتدم النقاش في معنى الاِيمان منذ منتصف القرن الاَوّل، فذهبت طائفة بأنّه عبارة عن مجرد الاعتقاد بالجنان والاقرار باللسان وإن لم يكن مصاحباً مع العمل، فأخذوا من الاِيمان جانب القول والاعتقاد، وطردوا جانب العمل والقيام بالاَركان، فقيل لهم«المُرْجئة» أي «الموَخّرة» لاَنّهم قدّموا الاَولين وأخرّوا العمل، وا شتهروا بقولهم: «لا تضر مع الاِيمان المعصية، كما لا تنفع مع الكفر الطاعة»، وهو قريب ممّا روي عن عبد اللّه بن عمرو.
وفي مقابلهم من يجعل العمل جزءاً من الاِيمان، فمنهم من كفّر مرتكب الكبيرة كالخوارج أو جعله في منزلة بين المنزلتين فهو عندهم لا موَمن ولا كافر كالمعتزلة.
وأمّا جمهور المسلمين فإنّما يعتبرونه موَمناً فاسقاً، أمّا كونه موَمناً فلكونه معتقداً بما يجري على لسانه من الشهادتين وليس الاِيمان إلاّ الاِذعان بهما وامّا كونه فاسقاً فلخروجه عن طاعة اللّه، فبما انّ الاِيمان ذو مراتب فقد تحقق فيه الاِيمان بأدنى درجاته، وحَرُم لاَجله دمه وعرضه وماله، وبما انّه خرج عن طاعة اللّه، فقد افتقد الدرجة العليا التي انيطت بها النجاة في الآخرة فهو مع كونه موَمناً يُعذَّب حسب ما قدر له من العذاب.
هذه هي أقوال المفكرين من متكلمي الاِسلام، إنّما المهم هو الوقوف على ما هو العامل الموَثر لظهور فكرة الارجاء في الساحة الاِسلامية؟ والسبب الموَثّر لرفض العمل وفق الاِيمان و الاقتصار على القول فقط أو مع ضميمة الاعتقاد؟ يبدو أنّ أحد أسبابه هو تبرئة عثمان من الاَحداث المنسوبة إليه من نفي صلحاء الصحابة من ديارهم وضربهم و شتمهم، وتأسيس حكومة أموية، وصرف بيت المال على أقاربه والمنتمين إليه، إلى غير ذلك من الاَُمور الموبقة، فقالوا: إنّ المهم هو القول والاِذعان، ولا تضر الخطيئة معه.
ومن الاَسباب الباعثة إلى تفشي فكرة الارجاء هو تنزيه الناكثين وأُمّهات الموَمنين عن نقض البيعة والخروج على الاِمام المفترض الطاعة.
وكان للجهاز الحاكم دور في تنمية الفكرة و إرسائها، وبذلك حال بين الاَُمّة والخوض في البحوث الخطيرة، والمعارك المدلهمّة مما نقم به على عثمان، و أصحاب الفتن من الجمل وصفين، وبذلك عُذِّر كلّ من خالف الشريعة.
إنّ تجريد الاِيمان عن العمل في عامّة مراتبه تقود المجتمع ـ لا سيما الشباب ـ إلى الخلاعة والانحلال الخلقي وترك القيم، بذريعة انّ المهم هو الاِقرار باللسان و الاِذعان بالقلب، ولا يضرّ معه، ترك الفرائض واقتراف المحرّمات، ولو سادت تلك الفكرة لم يبق من الاِسلام إلاّ اسمه، و من الدين إلاّرسمه، ويكون المتظاهر بذلك كافراً ملحداً واقعاً اتخذ تلك الفكرة ستاراً لما يكنّ في ضميره.
ولقد وقف أئمّة أهل البيت فحذّروا شيعتهم منهم وقالوا:«بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم المرجئة».(۶۵)
وبذلك تقف على قيمة ما روي عن عبد اللّه بن عمرو، فهو نص في الاِرجاء، و انّ الاِيمان باللّه و عدم إشراك أحد معه، يكفي في النجاة ولا تضرّ معه الخطيئة وإن زنا و سرق، أو قتل وأحرق، لاَنّه أقر بلسانه و استكمل إيمانه و إن فعل ما فعل.
فالرواية مكذوبة على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لا يتفوّه بها مَنْ نزل على قلبه قوله سبحانه: (إنّما المُوَْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا باللّهِ وَرَسُولهِ ثُمَّ لَمْ يَرتابُوا وجاهَدُوا بِأَموالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ في سَبِيلِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ)(الحجرات/۱۵) وقوله:
(وَالْعَصْرِ * إِنَّ الاِِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ *إِلاّ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات...)(العصر/۱ـ۳). إلى غير ذلك من الآيات المتعددة، لمن ترك العمل بالفرائض وارتكب الموبقات.
فقد حيكت الرواية ووضعت دعماً للاِرجاء، ولسان الرواية وصياغتها، يشهد على أنّها من كلمات العلماء والمناظرين في مسألة حدّ الاِيمان والكفر.
ولما اتخذت المرجئة الرواية سنداً لمذهبهم، جاء الخوارج ومن لفَّ لفَّهم ـ من القائلين بدخول العمل بالشريعة في واقع الاِيمان في عامة درجاته ـ فاتخذوا، رواية أُخرى سنداً لمذهبهم، فكأنّ النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن له عمل سوى دعم كلّ مسلك سيظهر بعده بدليل.
وقد تمسّك الآخرون برواية تنافي الحديث السابق.
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة: انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يزني حين يزني وهو موَمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو موَمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو موَمن.(۶۶)
والحديث أيضاً كالحديث السابق يدعم فكرة الخوارج والمعتزلة، وقد سئل أبو حنيفة عن مدى صدق الحديث فأجاب بعدم صحته، وإليك السوَال والجواب.
قال المتعلم:
فما قولك في أُناس رووا انّ الموَمن إذا زنا خلع الاِيمان من رأسه كما يخلع القميص ، ثمّ إذا تاب أُعيد إليه إيمانه أتشكُّ في قولهم أو تصديقهم؟
فإن صدَّقت قولهم دخلت في قول الخوارج، وإن شككت في قولهم، شككت في قول الخوارج، ورجعت عن العدل الذي وصفت، وإن كذَّبت قولهم، قالوا: أنت تكذب بقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فانّهم رووا ذلك عن رجال حتى ينتهي إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) .(۶۷)
فأجاب العالم (أبو حنيفة): أُكذِّبُ هوَلاء، ولا يكون تكذيبي لهوَلاء وردّي عليهم تكذيباً للنبي (عليه السلام) ، إنّما يكون التكذيب لقول النبي «عليه السلام» : أن يقول الرجل أنا مكذب لقول نبي اللّه (عليه السلام) ، فأما إذا قال الرجل: أنا موَمن بكلّشيء تكلّم به النبي، غير انّ النبي لا يتكلم بالجور، ولم يخالف القرآن، فانّ هذا القول منه هو التصديق بالنبي وبالقرآن،وتنزيه له من الخلاف على القرآن، ولو خالف النبيُّ القرآنَ وتقوَّل على اللّه غير الحقّ، لم يدعه اللّه حتى يأخذه باليمين، ويقطع منه الوتين، كما قال اللّه عزّوجلّ:
(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الاََقاويل* لاََخَذْنا مِنْهُ باليَمينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الوَتينَ* فَما مِنكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) (الحاقة/۴۴ـ۴۷) ونبي اللّه لا يخالف كتاب اللّه تعالى، ومخالف كتاب اللّه لا يكون نبي اللّه، وهذا الذي رووه خلاف القرآن، لاَنّه قال اللّه تعالى في القرآن في الزانية والزاني: (واللّذانِ يأتيانِها مِنكُم)(النساء/۱۶) فقوله: (منكم) لم يعن به اليهود و لا النصارى، إنّما عني به المسلمون، فردُّ كلّرجل يحدث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بخلاف القرآن، ليس رداً على النبي (عليه السلام) ولا تكذيباً له، ولكن ردٌّ على من يحدِّث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالباطل، والتهمة دخلت عليه، ليس على نبيِّ اللّه (عليه السلام) وكذلك، كلّشيء تكلم به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سمعنا به أو لم نسمعه فعلى الرأس والعين، قد آمنا به، ونشهد أنّه كما قال نبي اللّه (عليه السلام) ، ونشهد أيضاً على النبي (عليه السلام) أنّه لم يأمر بشيء نهى اللّه عنه، ولم يقطع شيئاً وصّله اللّه، ولا وصف أمراً وصف اللّه ذلك الاَمر بغير ما وصف به النبي، و نشهد انّه كان موافقاًللّه في جميع الاَُمور، لم يبتدع ولم يتقوَّل على اللّه غير ما قال اللّه عزّوجلّ.ولا كان من المتكلّفين، ولذلك قال اللّه تعالى: (مَنْ يُطعِ الرسُّولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّه) (النساء/۸۰).(۶۸)
۱. سير أعلام النبلاء: ۳/۷۹ برقم ۱۷.
۲. طبقات ابن سعد: ۲/۳۷۳.
۳. طبقات ابن سعد: ۴/۲۶۲.
۴. المصدر السابق: ۴/۲۶۵ـ۲۶۶.
۵. أُسد الغابة:۳/۲۳۴.
۶. مسند أحمد: ۲/۲۱۲.
۷. كفاية الطالب ، ص ۲۹۵؛ سنن الترمذي :۲/۳۱۹؛ مستدرك الصحيحين : ۳/۱۴۹؛ أُسد الغابة :۵/۵۲۳؛ كنز العمال:۶/۲۱۶.
۸. الطبقات الكبرى: ۴/۲۶۸.
۹. تهذيب التهذيب: ۵/۳۳۷ برقم ۵۷۵.
۱۰. سير أعلام النبلاء:۳/۷۹ برقم ۱۷.
۱۱. المسند الجامع: ۱۱/۵ برقم۳۸۷.
۱۲. البخاري، الصحيح: ۱/۷، كتاب الاِيمان؛ مسند أحمد: ۲/۲۰۵.
۱۳. مسند أحمد:۲/۱۸۰.
۱۴. مسند أحمد:۲/۲۲۱.
۱۵. سنن الترمذي: ۳/۴۲ برقم ۶۵۲.
۱۶. مسند أحمد:۲/۱۸۹.
۱۷. صحيح مسلم: ۴/۱۷۸، باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة.
۱۸. سنن ابن ماجة: ۱/۶۳۶ برقم ۱۹۷۸.
۱۹. سنن أبي داود: ۲/۱۵۸ برقم ۲۱۹۰.
۲۰. سنن ابن ماجة: ۲/۱۱۲۴ برقم ۳۳۹۴.
۲۱. الكوبة بضم الكاف، قيل: النرد، وقيل: الطبل الصغير، وقيل: البربط.
۲۲. الغُبيراء: ضرب من الشراب يتخذه الاَحباش من الذرة.
۲۳. سنن أبي داود: ۳/۳۲۸ برقم ۳۶۸۵.
۲۴. مسند أحمد: ۲/۱۸۵.
۲۵. البخاري: الاَدب المفرد، ص ۱۳۰ برقم ۳۵۶.
۲۶. مسند أحمد: ۲/۲۲۱ و ۲۰۲ و ۲۲۲.
۲۷. مسند أحمد: ۲/۲۲۱ و ۲۰۲ و ۲۲۲.
۲۸. مسند أحمد: ۲/۲۲۱ و ۲۰۲ و ۲۲۲.
۲۹. صحيح البخاري: ۴/۱۷۰، باب ما ذكر عن بني اسرائيل من كتاب الاَنبياء .
۳۰. مشكل الآثار : ۱/۳۰.
۳۱. أضواء على السنة المحمدية، ص ۱۵۵.
۳۲. مسند أحمد: ۲/۱۶۷.
۳۳. الترمذي : السنن: ۵/۲۶ رقم الحديث ۲۶۴۲.
۳۴. صحيح مسلم: ۸/۵۱، باب حجاج آدم و موسى (عليهما السلام) .
۳۵. طبقات الحنابلة:۱/۲۵.
۳۶. بحوث مع أهل السنة والسلفية، ص ۴۷.
۳۷. صحيح مسلم: ۸/۴۸. باب كيفية خلق الآدمي في بطن أُمّه من كتاب القدر .
۳۸. سنن أبي داود: ۳/۲۹۲ برقم ۳۵۴۶ـ ۳۵۴۷؛ وأخرجه أيضاً ابن ماجة في سننه ۲/۷۹۸ برقم ۲۳۸۸ ؛وأحمد في مسنده:۲/۲۲۱.
۳۹. سنن أبي داود: ۳/۲۹۲ برقم ۳۵۴۶ـ ۳۵۴۷؛ وأخرجه أيضاً ابن ماجة في سننه ۲/۷۹۸ برقم ۲۳۸۸ ؛وأحمد في مسنده:۲/۲۲۱.
۴۰. المغني:۴/۵۱۷.
۴۱. بلوغ المرام: برقم ۱۰۱۲.
۴۲. المغني: ۴/۵۱۷.
۴۳. سنن ابن ماجة:۲/۷۹۸ برقم ۲۳۸۹.
۴۴. سنن ابن ماجة: ۲/۹۱۲ برقم ۲۷۳۱.
۴۵. ابن قدامة، المغني: ۶/۳۴۰.
۴۶. الوسائل: ۱۷، الباب ۱ من أبواب موانع الاِرث، الحديث ۶و۱۷.
۴۷. الوسائل: ۱۷، الباب ۱ من أبواب موانع الاِرث، الحديث ۶و۱۷.
۴۸. الوسائل: ۱۷، الباب ۱ من أبواب موانع الاِرث، الحديث ۶و ۱۴و ۱۵.
۴۹. الوسائل: ۱۷، الباب ۱ من أبواب موانع الاِرث، الحديث ۶و ۱۴و ۱۵.
۵۰. الوسائل: ۱۷، الباب ۱ من أبواب موانع الاِرث، الحديث ۶و ۱۴و ۱۵.
۵۱. سنن أبي داود: ۳/۲۳۷ـ ۲۳۸ برقم ۳۳۱۲.
۵۲. الخلاف:۶، كتاب الشهادات، المسألة ۵۵.
۵۳. مسند أحمد: ۲/۱۸۳.
۵۴. سنن أبي دواد: ۳/۲۳۴ ،باب ما جاء في النذر في المعصية برقم ۳۳۰۰ باختلاف يسير في اللفظ.
۵۵. لاحظ ترجمة بريدة بن الحصيب: ۴۲۴.
۵۶. سنن أبي داود: ۳/۶ برقم ۲۴۸۹.
۵۷. سلسلة الاَحاديث الضعيفة والموضوعة:۱/۴۹.
۵۸. سنن الترمذي: ۵/۲۶ برقم ۲۶۴۱.
۵۹. بحوث في الملل والنحل:۱/۲۳ـ۳۲.
۶۰. صحيح البخاري: ۹/۴۶،كتاب الفتن.
۶۱. فتح الباري: ۱۳/۵، كتاب الفتن.
۶۲. صحيح مسلم: ۸/۵۱، باب تصريف اللّه تعالى القلوب كيف شاء.
۶۳. شرح النووي على صحيح مسلم:۱۶/۴۴۳ برقم ۲۶۵۴ باب تصريف اللّهتعالى القلوب كيف شاء.
۶۴. مسند أحمد:۲/۱۷۰.
۶۵. الكافي: ۶/۴۷.
۶۶. صحيح البخاري: ۷/۱۰۴، كتا ب الاَشربة.
۶۷. يريد بذلك ما روى أنّه لا يشرب الخمر حين يشربها و هو موَمن ولا يزني حين يزني وهو موَمن.
۶۸. العالم والمتعلم، ص ۱۰۰ـ ۱۰۳.