ابن عبد نهم بن عفيف المزني، يكنّى أبا سعيد وقيل أبا عبد الرحمان. سكن المدينة ثمّالبصرة، وله عدّة أحاديث.
حدّث عنه: الحسن البصري، ومطرّف بن الشّخّير، وابن بريدة، وسعيد بن جبير، ومعاوية بن قرّة، وحميد بن هلال، وثابت البناني،وغيرهم.
وكان أبوه من الصحابة، فتوفي عام الفتح في الطريق.
وكان أحد العشرة الذين بعثهم عمر إلى البصرة يفقهون الناس، وهو أوّل من دخل من باب مدينة «تستر» لما فتحها المسلمون.
توفي عبد اللّه بن مغفل بالبصرة سنة ستين للهجرة أيام أمارة ابن زياد بالبصرة، وصلّى عليه أبو برزة الاَسلمي بوصية منه.(۱)
وهو من المقلّين في الرواية، وقد أُحصيت رواياته في المسند الجامع فبلغت ۲۶.(۲)
من روائع رواياته
۱. أخرج مسلم في صحيحه، عن مطرف، عن عبد اللّه بن مغفل، قال:
أمر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بقتل الكلاب، قال: ما بالهم وبال الكلاب، قال: ورخص في كلب الصيد وكلب الغنم، وقال: إذا ولغ الكلب في الاِناء فاغسلوه سبعة مرات وعفِّروا الثامنة بالتراب.(۳)
۲. أخرج أبو داود، عن الحسن، عن عبد اللّه بن مغفل، عن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» ، قال:
إنّ اللّه رفيق يحب الرفق و يرضاه، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف.(۴)
وقد عزِّي إليه بعض مالا يصلح، نذكر منها ما يلي:
أحاديثه السقيمة
۱. المرأة والكلب والحمار تقطع الصلاة
أخرج ابن ماجة، عن الحسن، عن عبد اللّه بن مغفل، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال:
«يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار».(۵)
إنّ التتبع في الاَحاديث المنسوبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يرشدنا إلى ظاهرة «الحط من شأن المرأة» فتارة تعرِّف المرأة بأنّها مما يتطير بها، فقد روي عن سعد بن مالك انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: و إن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس و المرأة والدار.(۶)
وأُخرى بمنعها من التصرف في مالها، فروى أبو داود في سننه، عن عمرو ابن شعيب، عن جده انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يجوز لامرأة أمر في مالها، إذا ملك زوجُها عصمتَها.(۷)
وثالثة بكونها ممنوعة التصرف في ما لها بالعطية، كما جاء في رواية أُخرى انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يجوز لامرأة عطية إلاّبإذن زوجها.(۸)
ورابعة بأنّها أكثر أهل النار، أخرج الاِمام أحمد، عن عبد اللّه بن مسعود، انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: تصدقنَّ يا معشر النساء ولو من حليكنَّ فانّكنّ أكثر أهل النار.(۹)
وخامسة بأنّها تشارك الكلب والحمار في قطع الصلاة أثناء المرور بين يدي المصلي كما في هذه الرواية.
وأين هذا من قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :«حبّب إليَّ من الدنيا: النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة»؟(۱۰)
وتتكرس ظاهرة الحط من شأن المرأة أكثر إذا علمنا انّ بعض الروايات تجوّز قتال المارّ بين يدي المصلي.
أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري، انّ رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» قال: إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً يمر بين يديه، وليدرأه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله فإنّما هو شيطان.(۱۱)
وعلى ذلك فيجوز قتل المرأة بلا محاباة كقتل الكلب و الحمار.
كلّ ذلك يجعل الرواية من الموضوعات المندسة في الروايات الاِسلامية، وقد أوضحنا مفاد المنع من عبور المار بين يدي المصلّي عند دراسة روايات أبي سعيد الخدري، فلاحظ.
۲. ترك البسملة في الصلاة
أخرج أحمد في مسنده، عن ابن عبد اللّه بن مغفل يزيد بن عبد اللّه، قال:
سمعني أبي وأنا أقول:بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، فقال: أي بنيَّ إيّاك، قال: ولم أر أحداً من أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أبغض إليه حدثاً في الاِسلام منه، فانّي قد صليت مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ومع أبي بكر و عمر و مع عثمان، فلم أسمع أحداً منهم يقولها، فلا تقلها، إذا أنت قرأت فقل: «الحمد للّه ربّ العالمين».(۱۲)
والرواية لا تخلو من إشكالات:
الاَوّل: انّها تخالف الذكر الحكيم ، يقول سبحانه: (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ المَثانِي وَالقُرآنَ العَظِيم) (الحجر/۸۷).
والمراد من السبع المثاني هو فاتحة الكتاب، وآياته سبع إذا عُدَّت البسملة آية مستقلة وإلاّ تعود ست، قال سبحانه: (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم* اَلْحَمْدُ للّهِ رَبِّ العالَمينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مالِكِ يَومِ الدِّين* إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعينُ* اهْدِنَا الصِّراطَ المُسْتَقيمَ* صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِالمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضّالين) .
الثاني: انّه يخالف ما روي عن أنس بن مالك، قال: صلّى معاوية بالمدينة صلاة، فجهر فيها بالقراءة، فقرأ فيها بسم اللّه الرّحمن الرّحيم لاَُمّ القرآن، ولم يقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم للسورة التي بعدها حتى قضى تلك القراءة، فلما سلّم، ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والاَنصار من كل مكان يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت؟ فلما صلّى بعد ذلك قرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم للسورة التي بعد أُمّ القرآن.(۱۳)
وأخرجه غير واحد من أصحاب المسانيد كالاِمام الشافعي في مسنده.(۱۴)
ورُوي أيضاً عن أنس من طريق آخر قال: سمعت رسول اللّه يجهر بالصلاة ببسم اللّه الرحمن الرحيم.(۱۵)
وهناك روايات تدل على أنّ البسملة جزء من الفاتحة .
۱. ما أخرجه الحاكم، عن ابن جريج ،عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْناك سَبْعاً مِنَ المَثاني) قال: فاتحة الكتاب، ثمّ قال: (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم*الحَمْدُ للّهِ رَبِّ العالَمين) وقرأ السورة، قال ابن جريج: فقلت لاَبي: لقد أخبرك سعيد عن ابن عباس انّه قال: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم آية؟ قال: نعم.
وقد أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه، كما أورده الذهبي في تلخيصه وصححه.(۱۶)
۲. ما صحّ عن ابن عباس أيضاً، قال: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا جاء جبرائيل فقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم علم أنّها سورة.
وقال هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.(۱۷)
۳. ما صحّ عن ابن عباس أيضاً، قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يعلم ختم السورة حتى نزل بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، وقد صرح الحاكم والذهبي في تلخيص المستدرك بصحته.(۱۸)
۴. ما صحّ عنه أيضاً قال: كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة، حتى تنزل: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، فإذا نزلت بسم اللّه الرّحمن الرّحيم علموا أنّ السورة قد انقضت.(۱۹)
قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين،وقد أقرّه الذهبي في تلخيصه.
۵. ما صحّ عن أُم سلمة، قالت: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم*الحَمْدُ للّهِِ رَبِّ العالَمين) يقطعها حرفاً حرفاً(۲۰)وقد صرّح بصحّته على شرط الشيخين.
۶. وعن أُم سلمةأيضاً من طريق آخر قالت: إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأ في الصلاة: (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم) فعدّها آية، (الحَمْدُ للّهِِ رَبِّ العالَمين) آيتين، (الرّحمن الرَّحيم) ثلاث آيات ، (مالكِ يَومِ الدّين) أربع آيات، (إِيّاكَ نَعْبُدُوَإِيّاكَ نَسْتَعين) وجمع خمس أصابعه.(۲۱)
۷. ما صحّ عن نعيم المجمر، قال: كنت وراء أبي هريرة فقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ثمّ قرأ بأُمّ القرآن حتى بلغ (ولا الضّالين) قال: آمين، وقال الناس: آمين ... ويقول إذا سلم: والذي نفسي بيده انّي لاَشبهكم صلاة برسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) .(۲۲)
۸. وعن أبي هريرة أيضاً، قال: كان رسول اللّه يجهر في الصلاة ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم.(۲۳)
۹. ما صحّ عن أنس من طريق آخر، قال: سمعت رسول اللّه يجهر في الصلاة ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم.(۲۴)
۱۰. ما صحّ عن محمد بن السري العسقلاني، قال: صليت خلف المعتمر ابن سليمان ما لا أُحصي، صلاة الصبح و المغرب فكان يجهر ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم قبل فاتحة الكتاب وبعدها و سمعت المعتمر ، يقول: ما آلو أن اقتدي بصلاة أبي، وقال أبي: ما آلو أن اقتدي بصلاة أنس بن مالك، و قال أنس: ما آلو أن اقتدي بصلاة رسول اللّه .(۲۵)
هذه عشرة كاملة من الروايات الدالة على أنّ البسملة جزء من أُمّ الكتاب، بل من سائر السور أيضاً، وقد نقلها الحاكم أبو عبد اللّه في المستدرك .
وقد نقل الرازي في تفسيره الكبير انّ البيهقي روى الجهر ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم في سننه عن عمر بن الخطاب، وابن عباس، وابن عمر ، و ابن الزبير ، ثمّ قال الرازي ما هذا لفظه:
وأمّا انّ علي بن أبي طالب (رضي اللّه عنه) كان يجهر بالبسملة فقد ثبت بالتواتر، و من اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى، قال والدليل عليه: قول رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) «اللّهمّ أدر الحق معه حيث دار».(۲۶)
ثمّ إنّه أورد حجج المخالفين و قال: والجواب عنها من وجوه:
الاَوّل: قال الشيخ أبو حامد الاسفرايني:روى عن أنس في هذا الباب ست روايات:
امّا الحنفية، فقد رووا عنه ثلاث روايات:
إحداها: قوله: صليت خلف رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلف أبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون الصلاة بالحمد للّه ربّ العالمين.
وثانيتها قوله : إنّهم ما كانوا يذكرون بسم اللّه الرّحمن الرّحيم.
وثالثتها قوله: لم أسمع أحداً منهم قال: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم.
فهذه الروايات الثلاث تقوي قول الحنفية ـ قال ـ :وثلاث أُخرى تناقض قولهم.
إحداها: ذكر انّ أنساً روى أنّ معاوية لما ترك بسم اللّه الرّحمن الرّحيم في الصلاة أنكر عليه المهاجرون والاَنصار، و قد بيّنا انّ هذا يدل على أنّ الجهر بالبسملة كان كالاَمر المتواتر عندهم المسلم فيما بينهم.
وثانيتها: روى أبو قلابة عن أنس انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبا بكر و عمر كانوا يجهرون ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم.
وثالثتها: انّه سئل عن الجهر ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم والاسرار به فقال: لا أدري هذه المسألة ـ قال ـ: فثبت انّ الرواية عن أنس في هذه المسألة قد عظم فيها الخبط والاضطراب فبقيت متعارضة فوجب الرجوع إلى سائر الدلائل .(۲۷)
وأيضاً ففيها تهمة أُخرى، وهي انّ عليّاً (عليه السلام) كان يبالغ في الجهر بالتسمية، فلما تسلم بنو أُمية زمام الحكم بالغوا في المنع من الجهر بها سعياً في إبطال آثار عليّ (عليه السلام) ـ قال ـ : فلعل أنس خاف منهم، فلهذا السبب اضطربت أقواله ـ ونحن مهما شككنا في شيء فلا نشك في أنّه إذا وقع التعارض بين قول أمثال أنس و ابن المغفل و بين قول علي بن أبي طالب «عليه السلام» الذي بقي عليه طول عمره فإنّ الاَخذ بقول عليّأولى (قال) فهذا جواب قاطع في المسألة إلى أن قال: و من اتخذ عليّاً إماماً لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه و نفسه إلى آخر كلامه.(۲۸)
وبذلك تعلم قيمة خبر عبد اللّه بن مغفل، وقد أورده ابن رشد عند التكلم في البسملة ونقل عن ابن عبد البرّ انّ ابن مغفل رجل مجهول.(۲۹)
۱. أُسد الغابة: ۳/۲۶۴؛ سير أعلام النبلاء: ۲/۴۸۳ برقم ۹۹.
۲. المسند الجامع:۱۲/۲۵۰ برقم ۳۹۸.
۳. صحيح مسلم: ۱/۱۶۲، باب حكم ولوغ الكلب.
۴. سنن أبي داود:۴/۲۵۴ برقم ۴۸۰۷.
۵. سنن ابن ماجة: ۱/۳۰۶ برقم ۹۵۱.
۶. سنن أبي داود: ۳/۱۹ برقم ۳۹۲۱.
۷. سنن أبي داود: ۳/۲۹۲ برقم ۳۵۴۶.
۸. نفس المصدر: برقم ۳۵۴۷.
۹. مسند أحمد:۱/۳۷۶.
۱۰. مسند أحمد:۳/۱۲۸.
۱۱. صحيح مسلم: ۲/۵۷، باب منع المار بين يدي المصلي، من كتاب الصلاة.
۱۲. مسند أحمد:۴/۸۵.
۱۳. الحاكم، المستدرك:۱/۲۳۳.
۱۴. لاحظ مسند الشافعي:۴۷.
۱۵. الحاكم، المستدرك:۱/۲۳۳، وقال: رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات.
۱۶. المستدرك: ۲/۲۵۷، تفسير سورة الفاتحة.
۱۷. المستدرك: ۱/۲۳۱.
۱۸. المستدرك: ۱/۲۳۱.
۱۹. المستدرك: ۱/۲۳۲.
۲۰. المستدرك: ۱/۲۳۲.
۲۱. المستدرك: ۱/۲۳۲.
۲۲. المستدرك: ۱/۲۳۲.
۲۳. المستدرك:۱/۲۳۲ـ۲۳۳.
۲۴. المستدرك:۱/۲۳۳، باب الحمد بالبسملة.
۲۵. المستدرك: ۱/۲۳۴.
۲۶. الرازي، مفاتيح الغيب:۱/۲۰۵.
۲۷. إلى هنا انتهى ما نقله عن أبي حامد الاسفرائيني.
۲۸. مفاتيح الغيب:۱/۲۰۶ـ ۲۰۷، وقد اقتصرنا في نقل أجوبته على وجه واحد.
۲۹. بداية المجتهد:۱/۱۲۴.