والأرض وما بينهما - وهي اُمور مخلوقة مؤجّلة توجد وتفنى - مؤدّياً إلى غاية ثابتة باقية غير مؤجّلة كان باطلاً ، والباطل بمعنى ما لا غاية له ممتنع التحقّق في الأعيان . على أ نّه مستحيل من الحكيم ، ولا ريب في حكمته تعالى .
وربّما اُطلق الباطل واُريد به اللعب ، ولو كان المراد ذلك كانت الآية في معنى قوله : (وَما خَلَقْنا السَّماواتِ وَالأرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبينَ * ما خَلَقْناهُما إلّا بِالحَقِّ) .۱
وقيل : الآية عطف على ما قبلها بحسب المعنى ، كأنّه قيل : ولا تتّبع الهوى لأ نّه يكون سبباً لضلالك ، ولأ نّه تعالى لم يخلق العالَم لأجل اتّباع الهوى وهوالباطل ، بل خلقه للتوحيد ومتابعة الشرع .
وفيه : أنّ الآية التالية : (أمْ نَجْعَلُ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصّالِحاتِ كَالمُفسِدينَ في الأرضِ ...)إلخ لا تلائم هذا المعنى .
وقوله تعالى : (ذلكَ ظَنُّ الَّذينَ كَفَروا فَوَيْلٌ لِلَّذينَ كَفَروا مِنَ النّارِ) أي : خلق العالم باطلاً لا غاية له ، وانتفاء يوم الحساب الذي يظهر فيه ما ينتجه حساب الاُمور ، ظنّ الذين كفروا بالمعاد ، فويل لهم من عذاب النار .
قوله تعالى : (أمْ نَجْعَلُ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدينَ في الأرْضِ أمْ نَجْعَلُ المُتَّقينَ كَالْفُجّارِ)هذه هي الحجّة الثانية على المعاد ، وتقريرها : أنّ للإنسان كسائر الأنواع كمالاً بالضرورة ، وكمال الإنسان هو خروجه في جانبَي العلم والعمل من القوّة إلى الفعل بأن يعتقد الاعتقادات الحقّة ويعمل الأعمال الصالحة اللتين يهديه إليهما فطرته الصحيحة ، وهما الإيمان بالحقّ والعمل الصالح اللذين بهما يصلح المجتمع الإنسانيّ الذي في الأرض .
فالذين آمنوا وعملوا الصالحات - وهم المتّقون - هم الكاملون من الإنسان ، والمفسدون في الأرض