المَلائكة - الصفحه 12

على‏ ما يقول به الوثنيّة من تفويضه تعالى تدبير الأمر إلَى الملائكة المقرّبين ، فالتوحيد القرآنيّ ينفي الاستقلال عن كلّ شي‏ء من كلِّ جهة ، لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً .
فمثل الأشياء في استنادها إلى‏ أسبابها المترتّبة القريبة والبعيدة وانتهائها إلَى اللَّه سبحانه بوجه بعيد كمثل الكتابة يكتبها الإنسان بيده وبالقلم ، فللكتابة استناد إلَى القلم ، ثمّ إلَى اليد الّتي توسّلت إلَى الكتابة بالقلم، وإلَى الإنسان الذي توسّل إليها باليد وبالقلم ، والسبب بحقيقة معناه هو الإنسان المستقلّ بالسببيّة ؛ من غير أن ينافي سببيّته استناد الكتابة بوجه إلَى اليد وإلَى القلم .
ولا منافاة أيضاً بين ما تقدّم أنّ شأن الملائكة هو التوسُّط في التدبير وبين ما يظهر من كلامه تعالى‏ أنّ بعضهم أو جميعهم مداومون على‏ عبادته تعالى‏ وتسبيحه والسجود له ، كقوله : (ومَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكبِرونَ عَن عِبادَتِهِ ولا يَسْتَحْسِرونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيلَ والنَّهارَ لا يفْترُونَ)۱، وقوله : (إنَّ الّذينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكبِرُون عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ ولَهُ يَسْجدُونَ)۲ ، وذلك لجواز أن تكون عبادتهم وسجودهم وتسبيحهم عين عملهم في التدبير وامتثالهم الأمر الصادر عن ساحة العزّة بالتوسّط ، كما ربّما يومئ إليه قوله تعالى‏ : (وَللَّهِ‏ِ يَسْجدُ ما في السَّماواتِ ومَا في الأَرْضِ مِن دَابّةٍ والملائِكَةُ وهُمْ لا يسْتَكْبِرُونَ)۳.۴

3653 - المَلائِكَةُ الحَفَظَةُ

الكتاب :

(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى‏ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) .۵

(لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى‏ يُغَيِّرُوا مَا

1.الأنبياء : ۱۹ ، ۲۰ .

2.الأعراف : ۲۰۶ .

3.النحل : ۴۹ .

4.الميزان في تفسير القرآن: ۲۰/۱۸۲ - ۱۸۴.

5.الأنعام : ۶۱ .

الصفحه من 14