البکاء (تفصیلی) - الصفحه 93

اللَّيلُ سُدولَهُ ، وهُوَ قائِمٌ في مِحرابِهِ ، قابِضٌ عَلى لِحيَتِهِ ، يَتَمَلمَلُ تَمَلمُلَ السَّليمِ ۱ ، ويَبكي بُكاءَ الحَزينِ ، ويَقولُ :
يا دُنيا ، يا دُنيا! إلَيكِ عَنّي ، أبي تَعَرَّضتِ ، أم إلَيَّ تَشَوَّقتِ؟! لا حانَ حينُكِ ، هَيهاتَ! غُرّي غَيري ، لا حاجَةَ لي فيكِ ، قَد طَلَّقتُكِ ثَلاثا لا رَجعَةَ فيها ؛ فَعَيشُكِ قَصيرٌ ، وخَطَرُكِ يَسيرٌ ، وأَمَلُكِ حَقيرٌ . آهِ مِن قِلَّةِ الزّادِ ، وطولِ الطَّريقِ ، وبُعدِ السَّفَرِ ، وعَظيمِ المَورِدِ . ۲

۱۰۱۶۵.فلاح السائل عن حبّة العرني :بَينا أنَا ونَوفٌ نائِمَينِ في رَحَبَةِ المَسجِدِ ، إذ نَحنُ بِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام في بَقِيَّةٍ مِنَ اللَّيلِ ، واضِعا يَدَهُ عَلَى الحائِطِ شِبهَ الوالِهِ ۳ ، وهُوَ يَقولُ : «إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَا تِ وَالْأَرْضِ»۴ إلى آخِرِ الآيَةِ ، ثُمَّ جَعَلَ يَقرَأُ هذِهِ الآياتِ ، ويَمُرُّ شِبهَ الطّائِرِ عَقلُهُ .
فَقالَ : أراقِدٌ أنتَ يا حَبَّةُ أم رامِقٌ ۵ ؟ قالَ : قُلتُ : رامِقٌ ، هذا أنتَ تَعمَلُ هذَا العَمَلَ ، فَكَيفَ نَحنُ ؟ قالَ : فَأَرخى عَينَيهِ فَبَكى ، ثُمَّ قالَ لي :
يا حَبَّةُ ، إنَّ للّهِِ مَوقِفا ، ولَنا بَينَ يَدَيهِ مَوقِفٌ لا يَخفى عَلَيهِ شَيءٌ مِن أعمالِنا . يا حَبَّةُ ، إنَّ اللّهَ أقرَبُ إلَيَّ وإلَيكَ مِن حَبلِ الوَريدِ . يا حَبَّةُ ، إنَّهُ لَن يَحجُبَني ولا إيّاكَ عَنِ اللّهِ شَيءٌ .

1.السَّليمُ : اللّديغُ ، يقال : سَلَمَته الحيّةُ ؛ أي لَدَغَته (النهاية : ج ۲ ص ۳۹۶ «سلم») .

2.نهج البلاغة : الحكمة ۷۷ ، خصائص الأئمّة : ص ۷۱ ، الأمالي للصدوق : ص ۷۲۴ ح ۹۹۰ ، كنز الفوائد : ج ۲ ص ۱۶۱ كلّها نحوه ، بحار الأنوار : ج ۴۰ ص ۳۴۵ ح ۲۸ ؛ حلية الأولياء : ج ۱ ص ۸۵ نحوه .

3.الوَلَهُ : ذهاب العقل ، والتحيّر من شدّة الوجد (النهاية : ج ۵ ص ۲۲۷ «وله») .

4.آل عمران : ۱۹۰ .

5.الرَّمقُ : بقيّة الروح وقد يطلق على القوّة (مجمع البحرين : ج ۲ ص ۷۳۴ «رمق») .

الصفحه من 142