207
حكم النّبيّ الأعظم ج5

حكم النّبيّ الأعظم ج5
206

الثالث : الشّهادة الثّالثة في الأذان والإقامة

المراد من الشهادة الثالثة ، الشهادة بولاية أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعد الشهادة للنبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله بالرسالة في الأذان والإقامة ، وقد تقدّم في الفصل الثاني ذِكرُ فصول الأذان في حديث أهل البيت عليهم السلام ، ولم يرد فيها ذِكرٌ للشهادة الثالثة .
ومن هنا فإنّ شيخ المحدّثين الصدوق قدس سره (ت 381 ه) بعد الإشارة إلى رواية أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي ، يقول في بيان فصول الأذان في كتابه من لا يحضره الفقيه :
وقال مصنّف هذا الكتاب : هذا هو الأذان الصحيح ، لا يزاد فيه ولا ينقص منه ، والمفوّضة ۱ لعنهم اللّه قد وضعوا أخبارا وزادوا في الأذان : محمّد وآل محمّد خير البريّة ، مرّتين . وفي بعض رواياتهم بعد : أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه : أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه ، مرّتين . ومنهم من روى بدل ذلك : أشهد أنّ عليّا أميرالمؤمنين حقّا ، مرّتين ، ولا شكّ في أنّ عليّا وليّ اللّه ، وأنّه أميرالمؤمنين حقّا ، وأنّ محمّدا وآله صلوات اللّه عليهم خير البريّة ، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان ، وإنّما ذكرتُ ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتّهمون بالتفويض المدلّسون أنفسهم في جملتنا. ۲
وقال شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي (460 ه ) في النهاية :
وأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قوله : أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه ، وآل محمّد خير البريّة ، فممّا لا يُعمل عليه في الأذان والإقامة ، فمن عمل بها كان مخطئا. ۳
وأردف في المبسوط :
فأمّا قول : أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين ، وآل محمّد خير البريّة ، على ما ورد في شواذّ الأخبار ، فليس بمعمول عليه في الأذان ، ولو فعله الإنسان [ لم] يأثم به ، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله. ۴
وهكذا شأن سائر فقهاء الشيعة المعاصرين للشيخ الطوسي أو المتقدّمين أو المتأخّرين عنه ، ومنهم الشيخ المفيد في المقنعة ۵ ، والسيّد المرتضى في الرسائل ۶ ، والحلبي في الكافي ۷ ، وسلّار في المراسم ۸ ، والمحقِّق الحلّي في المعتبر ۹ ، والعلّامة الحلّي في المنتهى ۱۰ ، إلى المقدّس الأردبيلي (993 ه) في شرحه على الإرشاد، وجميعهم لم يذكروا هذه الشهادة ضمن فصول الأذان .
وبعبارة اُخرى : يتّفق فقهاء الشيعة إلى القرن العاشر على عدم جزئيّة الشهادة الثالثة في الأذان ، أمّا في القرن الحادي عشر ومع بروز المسلك الأخباري ، فقد توجّهت بعض الانتقادات إلى الفقهاء المتقدّمين ، ولعلّ أوّل من ناقش في رأي الشيخ الصدوق حول الشهادة الثالثة هو المولى محمّد تقي المعروف بالمجلسيّالأوّل (1070 ه) ، حيث قال في كتاب روضة المتّقين بعد إيراده قول الشيخ الصدوق :
الجزم بأنّ هذه الأخبار من موضوعاتهم مشكل ، مع أنّ الأخبار التي ذكرنا في الزيادة والنقصان وما لم نذكره كثيرة ، والظاهر أنّ الأخبار بزيادة هذه الكلمات أيضا كانت في الاُصول وكانت صحيحة أيضا ، كما يظهر من المحقّق والعلّامة والشهيد رحمهم اللّه ؛ فإنّهم نسبوها إلى الشذوذ ، والشاذّ ما يكون صحيحا غير مشهور ، مع أنّ الذي حكم بصحّته أيضا شاذّ كما عرفت ، فبمجرّد عمل المفوّضة أو العامّة على شيء لا يمكن الجزم بعدم ذلك أو الوضع ، إلّا أن يرد عنهم صلوات اللّه عليهم ما يدلّ عليه ، ولم يرد ، مع أنّ عمل الشيعة كان عليه في قديم الزمان وحديثه ، والظاهر أنّه لو عمل عليه أحد لم يكن مأثوما إلّا مع الجزم بشرعيّته ، فإنّه يكون مخطئا ، والأولى أن يقوله على أنّه جزء الإيمان لا جزء الأذان. ۱۱
وقال أيضا في كتاب حديقة المتّقين حول الشهادة الثالثة :
نقل جمع من الأصحاب بأنّه ورد في الأخبار الشاذّة كونها جزءا من الأذان ، فإذا ذَكَر أحدٌ هذين الفصلين بهذا العنوان ، فإن كان مُتلقّىً من الشارع فبها ، وإلّا فالأفضل تيمُّنا وتبرُّكا. ۱۲
ويقول في شرح كتاب من لا يحضره الفقيه :
مصطلح أصحاب الحديث ينصّ على اعتبار الخبر الصحيح المخالف للمشهور شاذّا . وفي زمان المحقّق والعلّامة كان هناك المزيد من كتب الحديث ، وعليه يشكل الجزم بكون هذه الأخبار موضوعة ... فإذا تلفّظ بها أحدٌ ، فإن كانت مطلوب الشارع ولو بعنوان التيمّن والتبرّك فبها ولا بأس ، والأحسن أن لا يقولها ... . ۱۳
على أنّ المجلسيّ الأوّل ، وإن كان قد ردّ على كلام الشيخ الصدوق وجميع الفقهاء الذين ضعّفوا الأخبار الدالّة على جزئيّة الشهادة الثالثة ، لكنّه لم يقل بجزئيتها أيضا ، غير أنّ ولده المولى محمّد باقر المجلسي لا يستبعد جزئيّتها واستحبابها ، حيث يقول :
لا يبعد كون الشهادة الثالثة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان ؛ لشهادة الشيخ والعلّامه والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها. ۱۴
وأيّد العلّامة المجلسي بعضُ الفقهاء من ذوي المسلك الأخباري ، كالسيّد نعمة اللّه الجزائري في الأنوار النعمانيّة ۱۵ ، والشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناضرة . ۱۶
وفي نفس الفترة كان الفقهاء غير الأخباريّين يؤيّدون ما قاله الفقهاء الأوائل حول الشهادة الثالثة ؛ منهم المحقّق السبزواري ۱۷ ، وسبط الشهيد الثاني . ۱۸
ومع بروز الفقيه المحقّق الكبير الوحيد البهبهاني (1205 ه ) أفل نجم المسلك الأخباري ، غير أنّه مع تصريحه بعدم جزئيّة الشهادة الثالثة في الأذان واعتبارها بدعة وتحريمه قولها بقصد الجزئيّة ، لكنّه وتمسّكا بقاعدة التسامح في أدلّة السُّنن ، وخبر احتجاج الطبرسي ۱۹ ، وقياسا بذكر الصلوات بعد اسم النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله ، لا يعتبر قول الشهادة الثالثة مخلّاً بالأذان إذا كان بقصد القربة المطلقة وليس بقصد الجزئيّة ، بل ويعدّه مندوبا إذا لم يكن بقصد الجزئيّة ، ويؤيّد هذا الرأي سائر الفقهاء إلى عصرنا الحاليّ . ۲۰
وحاصل الكلام أنّ أعيان فقهاء الشيعة قديما وحديثا ، لم يقل أحد منهم : إنّ الشهادة الثالثة جزء من الأذان ، لكنّ كثيرا منهم يعتقدون بأنّه لا إشكال في إيرادها بعد الشهادة بالرّسالة للنبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله دون قصد الجزئيّة ، بل هي مطلوبة بقصد مطلق الذكر .

1.المفوّضة : فرقة ضالّة قالت بأنّ اللّه خلق محمّدا صلى الله عليه و آله وفوّض إليه خلق الدنيا ، فهو خَلَق الخلائقَ ، وقيل : بل فوّض ذلك إلى عليّ عليه السلام (هامش المصدر) .

2.كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۱ ص ۲۹۰ .

3.النهاية : ص ۶۹ .

4.المبسوط : ج ۱ ص ۹۹ .

5.المقنعة : ص ۱۰۰ .

6.الرسائل للشريف المرتضى : ج ۳ ص ۳۰ .

7.الكافي للحلبي : ص ۱۲۰ .

8.المراسم العلويّة : ص ۶۷ .

9.المعتبر (الطبعة الحجريّة) : ص ۱۶۵ و ۱۶۶ .

10.منتهى المطلب : ج۴ ص۳۷۴ .

11.روضة المتّقين : ج ۲ ص ۲۴۵ .

12.راجع : رسالة كلمات الأعلام حول جواز الشهادة بالولاية في الأذان والإقامة مع عدم قصد الجزئيّة : ص ۳۸۷ .

13.شرح الفقيه (بالفارسيّة) : ج ۳ ص ۵۶۶ .

14.بحار الأنوار : ج ۸۴ ص ۱۱۱ .

15.الأنوار النعمانيّة : ج ۱ ص ۱۶۹ .

16.الحدائق الناضرة : ج ۷ ص ۴۰۳ .

17.ذخيرة المعاد (الطبعة الحجريّة) : ص ۲۵۴ .

18.راجع : رسالة كلمات الأعلام حول جواز الشهادة بالولاية في الأذان والإقامة مع عدم قصد الجزئيّة : ص ۳۸۹ الرقم ۱۲ .

19.روى القاسم بن معاوية ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنّه لما اُسري برسول اللّه صلى الله عليه و آله رأى على العرش ... ولمّا خلق اللّه عز و جل القمر كتب عليه : لا إله إلّا اللّه ، محمّد رسول اللّه ، عليّ أمير المؤمنين ، وهو السواد الذي ترونه في القمر ، فإذا قال أحدكم : لا إله إلّا اللّه ، محمد رسول اللّه ، فليقل : عليّ أميرالمؤمنين عليه السلام (الاحتجاج : ج ۱ ص ۳۶۵ ح ۶۲) .

20.راجع : رسالة كلمات الأعلام حول جواز الشهادة بالولاية في الأذان والإقامة مع عدم قصد الجزئيّة : ص ۳۸۴ ـ ۴۱۷ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج5
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 197160
الصفحه من 622
طباعه  ارسل الي