155
حكم النّبيّ الأعظم ج2

حكم النّبيّ الأعظم ج2
154

ب ـ معرفة النبيّ والإمام (علم النبوّة والإمامة)

بلغت أهمّية البداء في معرفة النبي حدّا ، بحيث روي عن الإمام الرضا عليه السلام :
ما بَعَثَ اللّه ُ نَبِيَّا قَطُّ إلّا بِتَحرِيمِ الخَمرِ وأن يُقِرَّ لَهُ بِالبَداءِ .۱
فالإعتقاد بإمكانيّة البداء وقابلية التغيير في التقديرات يمنح النبي الاعتقاد ، بقدرة اللّه المطلقة وبسط يده ، حيث يُفهمه أنّ هذه التقديرات قابلة للتغيير رغم أنّه عالم بتقديرات العالم يفضل اللّه ، وأنّ اللّه وحده هو الّذي يتمتّع بالعلم المطلق ، وبالتالي فإنّ النبيّ لا يستند إلى علمه ، بل يعتبر نفسه مرتبطا باللّه في جميع اُموره .
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام في هذا المجال :
إنّ للّه ِِ عِلمَينِ : عِلمٌ مَكنونٌ مَخزونٌ لا يَعلَمُهُ إلّا هُوَ ، مِن ذلِكَ يَكونُ البَداءُ ، وعِلمٌ عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ وأنبِياءَهُ فَنَحنُ نَعلَمُهُ .۲
بناءً على ذلك، فإنّ العلم الّذي لا يقبل التغيير هو علم اللّه المكنون المخزون الّذي لا يعلمه إلّا اللّه ، وإنّ علم الملائكة والأنبياء والأئمّة المعصومين بالمستقبل قابل للبداء ، لذلك فإنّهم لا يعتمدون على علمهم ولا يخبرون عن المستقبل بشكل مطلق، إلّا في المواضع الّتي أخبر اللّه عن عدم وقوع البداء فيها كظهور المنجي الموعود وإقامة الإمام المهدي(عج) الحكومة العالمية ، لذلك يروي لنا الإمام الباقر عليه السلام عن الإمام السجّاد عليه السلام قوله :
لَولا آيَةٌ في كِتابِ اللّه ِ لَحَدَّثتُكُم بِما يَكونُ إلى يَومِ القِيامَةِ ، فَقُلتُ لَهُ : أيَّةُ آيَةٍ ؟ قالَ : قَولُ اللّه ِ عز و جل :«يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ».۳
ومن بين الإتهامات الموجّهة ضدّ الشيعة هي أنّهم وضعوا حكم البداء كي يبرّروا به أخبار أئمّتهم ووعودهم الّتي لم تتحقّق ، يقول الغفاري :
لو سقطت عقيدة البداء لانتقض دين الاثني عشرية من أصله ؛ لأنّ أخبارهم و وعودهم الّتي لم يتحقّق منها شيء تنفي عنهم صفة الإمامة . ۴
إنّ الإجابة على هذا الإشكال واضحة بالنظر إلى المباحث السابقة، ذلك لأنّ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام لا يخبرون عن التقديرات القابلة للبداء بشكل مطلق أبداً . بعبارة اُخرى : إن كانت أخبارهم عن المستقبل مطلقة ولم تقترن بأيّ قيد ، فإنّ هذا الموضوع سيحدث قطعا ، وإن اقترنت هذه الأخبار بقيود مثل : «وللّه فيه المشيئة» فإنّ هناك إمكانيّة البداء في هذه الاُمور . وقد ورد في الأحاديث أيضا أنّ اللّه لا يكذّب نبيّه ، فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام :
فَما عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ فَإِنَّهُ سَيَكونُ ، لا يُكَذِّبُ نَفسَهُ ولا مَلائِكَتَهُ ولا رُسُلَهُ .۵
وخلافا لما يروّج له الغفاري من أنّه لم يتحقّق من إخبار الأئمّة عليهم السلام شيء ، بل يجب القول إنّ جميع إخباراتهم قد تحققت ، وإنّه لا يوجد خبر مطلق عنهم ثبت كذبه. ولو أنّ الغفاري كان قد طالع كتب الحديث الشيعية وكان صادقا بعض الشيء، لوجد أخبارا عديدة وقعت كلّها بشكل عيني.
وقد نقل العلّامة الحلّي في كتاب كشف اليقين خمسة عشر خبرا غيبيا عن أمير المؤمنين عليه السلام وقعت كلّها بحذافيرها :
«ومن ذلك : قوله لطلحة والزبير لمّا استأذناه في الخروج إلى العمرة:
لا وَاللّه ِ ، ما تُريدانِ العُمرَةَ، إنَّما تُريدانِ البَصرَةَ، وإنَّ اللّه َ تَعالى سَيَرُدُّ كَيدَهُما، ويُظفِرُني بِهِما .
وكان الأمر كما قال . ومن ذلك قوله عليه السلام وقد جلس لأخذ البيعة:
يَأتيكُم مِن قِبَلِ الكوفَةِ ألفُ رَجُلٍ، لا يَزيدونَ واحِدا ولا يَنقُصونَ واحِدا، يُبايعونّي عَلَى المَوتِ .
قال ابن عبّاس : فجزعت لذلك، وخفت أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدون عليهم، ولم أزل مهموما، فجعلت أحصيهم، فاستوفيت تسعمئة وتسع وتسعين رجلاً ، ثمّ انقطع مجيء القوم، فبينا أنا مفكّر في ذلك، إذ رأيت شخصا قد أقبل، فإذا هو اُويس القرني تمام العدد». ۶
كما نقلنا في «موسوعة الإمام عليّ عليه السلام » عدداً من نبوءات أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم يثبت خلاف شيء منها . ۷
وكان على الغفاري أن ينقل بعض النماذج التي ثبت كذبها ؛ لإثبات دعواه . نعم قد نقل خبرا قال فيه : «ففي رواية طويلة في تفسير القمّي تخبر عن نهاية دولة بني العبّاس». ۸
ولكنّنا عندما نراجع تفسير القمّي نجده يقول: «قلت: جعلت فداك فمتى يكون ذلك، قال؟ أما إنّه لم يوقّت لنا فيه وقت». ۹
وممّا يجدر ذكره أنّه على الرغم من أنّ التاريخ الدقيق لنهاية دولة بني العبّاس لم يتمّ تعيينه في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ، ولكنّ الأحاديث المنقولة عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أخبرت عن وضع هذه الحكومة والسلطان الّذي يطيح بها ، على أساس هذه الأحاديث كتب والد العلّامة الحلّي رسالة إلى هولاكو قبل فتح بغدادوأنقذ بذلك أرواح أهالي الحلّة . ۱۰

1.التوحيد : ص ۳۳۴ .

2.الكافي : ج ۱ ص ۱۴۷ ح ۸ ، التوحيد : ص ۴۴۳ .

3.تفسير العيّاشي : ج ۲ ص ۲۱۵ ح ۵۹ ، بحار الأنوار : ج ۴ ص ۱۱۸ ح ۵۲ .

4.اُصول مذهب الشيعة: ج ۲ ص ۹۴۳ .

5.الكافي : ج ۱ ص ۱۴۷ ح ۶ ، تفسير العيّاشي : ج ۲ ص ۲۱۷ ح ۶۷ .

6.كشف اليقين : ص ۹۰ ـ ۱۰۴ .

7.راجع : موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : ج ۱۱ ( القسم الثالث عشر : آيات الإمام عليّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة) .

8.اُصول مذهب الشيعة: ج ۲ ص ۹۴۲ .

9.تفسير القمّي: ج ۱ ص ۳۱۰ .

10.راجع : كشف اليقين : ص ۱۰۱ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج2
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 169307
الصفحه من 686
طباعه  ارسل الي