439
حكم النّبيّ الأعظم ج2

الفصل الثّالث : حوار النبيّ مع أهل خمسة أديان

۲۵۰۵.الإمام العسكريّ عليه السلام :قال الإمام الصادق عليه السلام : لَقَد حَدَّثَني أبي الباقِرُ عليه السلام ، عَن جَدّي عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ ، عَن أبيهِ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ سَيِّدِالشُّهَداءِ ، عَن أبيهِ أميرِالمُؤمِنينَ عليهم السلام أنَّهُ اجتَمَعَ يَوما عِندَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أهلُ خَمسَةِ أديانٍ : اليَهودُ ، وَالنَّصارى ، وَالدَّهرِيَّةُ ، وَالثَّنَوِيَّةُ ، ومُشرِكُو العَرَبِ .
فَقالَتِ اليَهودُ : نَحنُ نَقولُ : عُزَيرٌ ابنُ اللّه ِ ، وقَد جِئناكَ ـ يا مُحَمَّدُ ـ لِنَنظُرَ ما تَقولُ ؟ فَإِنِ اتَّبَعتَنا فَنَحنُ أسبَقُ إلَى الصَّوابِ مِنكَ وأفضَلُ ، وإن خالَفتَنا خَصَمناكَ .
وقالَتِ النَّصارى : نَحنُ نَقولُ : إنَّ المَسيحَ ابنُ اللّه ِ ، اِتَّحَدَ بِهِ ، وقَد جِئناكَ لِنَنظُرَ ما تَقولُ ، فَإِنِ اتَّبَعتَنا فَنَحنُ أسبَقُ إلَى الصَّوابِ مِنكَ وأفضَلُ ، وإن خالَفتَنا خَصَمناكَ .
وقالَتِ الدَّهرِيَّةُ : نَحنُ نَقولُ : الأَشياءُ لا بُدءَ لَها وهِيَ دائِمَةٌ ، وقَد جِئناكَ لِنَنظُرَ فيما تَقولُ ، فَإِنِ اتَّبَعتَنا فَنَحنُ أسبَقُ إلَى الصَّوابِ مِنكَ وأفضَلُ ، وإن خالَفتَنا خَصَمناكَ .
وقالَتِ الثَّنَوِيَّةُ : نَحنُ نَقولُ : إنَّ النّورَ وَالظُّلمَةَ هُمَا المُدَبِّرانِ ، وقَدجِئناكَ لِنَنظُرَ فيما تَقولُ ، فَإِنِ اتَّبَعتَنا فَنَحنُ أسبَقُ إلَى الصَّوابِ مِنكَ ، وإن خالَفتَنا خَصَمناكَ .
وقالَ مُشرِكُو العَرَبِ : نَحنُ نَقولُ : إنَّ أوثانَنا آلِهَةٌ ، وقَدجِئناكَ لِنَنظُرَ فيما تَقولُ ، فَإِنِ اتَّبَعتَنا فَنَحنُ أسبَقُ إلَى الصَّوابِ مِنكَ وأفضَلُ ، وإن خالَفتَنا خَصَمناكَ .
فَقالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : آمَنتُ بِاللّه ِ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وكَفَرتُ بِالجِبتِ وَالطّاغوتِ ، وبِكُلِّ مَعبودٍ سِواهُ .
ثُمَّ قالَ لَهُم : إنَّ اللّه َ تَعالى قَد بَعَثَني كافَّةً لِلنّاسِ بَشيرا ، ونَذيرا ، وحُجَّةً عَلَى العالَمينَ ، وسَيَرُدُّ كَيدَ مَن يَكيدُ دينَهُ في نَحرِهِ .
ثُمَّ قالَ لِليَهودِ : أجِئتُموني لِأَقبَلَ قَولَكُم بِغَيرِ حُجَّةٍ ؟
قالوا : لا .
قالَ : فَمَا الَّذي دَعاكم إلَى القَولِ بِأَنَّ عُزَيرا اِبنُ اللّه ِ ؟
قالوا : لِأَ نَّهُ أحيى لِبَني إسرائيلَ التَّوراةَ بَعدَ ما ذَهَبَت ، ولَم يَفعَل بِها هذا إلّا لِأَ نَّهُ ابنُهُ .
فَقالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : فَكَيفَ صارَ عُزَيرٌ ابنَ اللّه ِ دونَ موسى ، وهُوَ الَّذي جاءَهُم بِالتَّوراةِ ورُئِيَ مِنهُ مِنَ المُعجِزاتِ ما قَد عَلِمتُم ؟ ولَئِن كانَ عُزَيرٌ ابنَ اللّه ِ ، لِما ظَهَرَ مِن إكرامِهِ بِإِحياءِ التَّوراةِ ، فَلَقد كانَ موسى بِالبُّنُوَّةِ أولى وأحَقَّ ، ولَئِن كانَ هذَا المِقدارُ مِن إكرامِهِ لِعُزَيرٍ يوجِبُ لَهُ أنَّهُ ابنُهُ ، فَأضعافُ هذِهِ الكَرامَةِ لِموسى توجِبُ لَهُ مَنزِلَةً أجَلَّ مِنَ البُنُوَّةِ ، لِأَنَّكُم إن كُنتُم إنَّما تُريدونَ بِالبُّنُوَّةِ الدَّلالَةَ عَلى سَبيلِ ما تُشاهِدونَهُ في دُنياكُم مِن وِلادَةِ الاُمَّهاتِ الأَولادَ بِوَطى ءِ آبائِهِم لَهُنَّ ، فَقَد كَفَرتُم بِاللّه ِ تَعالى وشَبَّهتُموهُ بِخَلقِهِ ، وأوجَبتُم فيهِ صِفاتَ المُحدَثينَ ، ووَجَبَ عِندَكُم أن يَكونَ مُحدَثا مَخلوقا ، وأن يَكونَ لَهُ خالِقٌ صَنَعَهُ وَابتَدَعَهُ .
قالوا : لَسنا نَعني هذا ، فَإِنَّ هذا كُفرٌ كَما ذَكَرتَ ، ولكِنّا نَعني أنَّهُ ابنُهُ عَلى مَعنَى الكَرامَةِ ، وإن لَم يَكُن هُناكَ وِلادَةً ، كَما قَد يَقولُ بَعضُ عُلمائِنا لِمَن يُريدُ إكرامَهُ وإبانَتَهُ بِالمَنزِلَةِ مِن غَيرِهِ : «يا بُنَيَّ» ، و «إنَّهُ ابني» ، لا عَلى إثباتِ وِلادَتِهِ مِنهُ ؛ لِأَ نَّهُ قَد يَقولُ ذلِكَ لِمَن هُوَ أجنَبِيٌّ لا نَسَبَ لَهُ بَينَهُ وبَينَهُ ؛ وكَذلِكَ لَمّا فَعَلَ اللّه ُ تَعالى بِعُزَيرٍ مافَعَلَ ، كانَ قَدِ اتَّخَذَهُ ابنا عَلَى الكَرامَةِ لا عَلَى الوِلادَةِ .
فَقالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : فَهذا ما قُلتُهُ لَكُم ، إنَّهُ إن وَجَبَ عَلى هذَا الوَجهِ أن يَكونَ عُزَيرٌ ابنَهُ ، فَإِنَّ هذِهِ المَنزِلَةَ لِموسى أولى ، وإنَّ اللّه َ تَعالى يَفضَحُ كُلَّ مُبطِلٍ بِإِقرارِهِ ويَقلِبُ عَلَيهِ حُجَّتَهُ ، إنَّ الَّذِي احتَجَجتُم بِهِ يُؤَدّيكُم إلى ما هُوَ أكبَرُ مِمّا ذَكَرتُهُ لَكُم ، لِأَنَّكُم قُلتُم : إنَّ عَظيما مِن عُظَمائِكُم قَد يَقولُ لِأَجنَبِيٍّ لا نَسَبَ بَينَهُ وبَينَهُ : «يا بُنَيَّ» ، و «هذَا ابني» ، لا عَلى طَريقِ الوِلادَةِ ، فَقَد تَجِدونَ أيضا هذَا العَظيمَ يَقولُ لِأَجنَبِيٍّ آخَرَ : «هذا أخي» ولِاخَرَ : «هذا شَيخي» و«أبي» ولِاخَرَ : «هذا سَيِّدي» و «يا سَيِّدي» ، عَلى سَبيلِ الإِكرامِ ، وإنَّ مَن زادَهُ فِي الكَرامَةِ زادَهُ في مِثلِ هذَا القَولِ ؛ فَإِذا يَجوزُ عِندَكُم أن يَكونَ موسى أخا للّه ِِ ، أو شَيخا لَهُ ، أو أبا ، أو سَيِّدا ؛ لِأَ نَّهُ قد زادَهُ فِي الإِكرامِ مِمّا لِعُزَيرٍ ، كَما أنَّ مَن زادَ رَجُلاً فِي الإِكرامِ فَقالَ لَهُ : «يا سَيّدي» و «يا شَيخي» و «يا عَمّي» و «يا رَئيسي» [و «يا أميري»] ، عَلى طَريقِ الإِكرامِ ، وإنَّ مَن زادَهُ فِي الكَرامَةِ زادَهُ في مِثلِ هذَا القَولِ .
أفَيَجوزُ عِندَكُم أن يَكونَ موسى أخا للّه ِ ، أو شَيخا ، أو عَمّا ، أو رَئيسا ، أو سَيِّدا ، أو أميرا ؛ لِأَ نَّهُ قَد زادَهُ فِي الإِكرامِ عَلى مَن قالَ لَهُ : «يا شيخي» أو «يا سَيِّدي» أو «يا عَمّي» أو «يا رَئيسي» أو «يا أميري» ؟!
قالَ : فَبُهِتَ القَومُ وتَحَيَّروا وقالوا : يا مُحَمَّدُ! أجِّلنا نَتَفَكَّرُ فيما قَد قُلتَهُ لَنا . فَقالَ : اُنظروا فيهِ بِقُلوبِ مُعتَقِدَةٍ لِلإِنصافِ ، يَهدِكُمُ اللّه ُ تَعالى .
ثُمَّ أقبَلَ صلى الله عليه و آله عَلَى النَّصارى ، فَقالَ لَهُم : وأنتُم قُلتُم : إنَّ القَديمَ عز و جل اتَّحَدَ بِالمَسيحِ ابنِهِ ، فَمَا الَّذي أرَدتُموهُ بِهذَا القَولِ ؟ أرَدتُم أنَّ القَديمَ صارَ مُحدَثا لِوُجودِ هذَا المُحدَثِ الَّذي هُوَ عيسى ؟ أو المُحدَثُ ، الَّذي هُوَ عيسى ـ صارَ قَديما لِوُجودِ القَديمِ الَّذي هُوَ اللّه ُ ؟ أو مَعنى قَولِكُم : إنَّهُ اتَّحَدَ بِهِ ، أنَّهُ اختَصَّهُ بِكَرامَةٍ لَم يُكرِم بِها أحَدا سِواهُ ؟
فَإِن أرَدتُم أنَّ القَديمَ صارَ مُحدَثا فَقَد أبطَلتُم ، لِأَنَّ القَديمَ مُحالٌ أن يَنقَلِبَ فَيَصيرَ مُحدَثا ، وإن أرَدتُم أنَّ المُحدَثَ صارَ قَديما فَقَد أحَلتُم ، لِأَنَّ المُحدَثَ أيضا مُحالٌ أن يَصيرَ قَديما .
وإن أرَدتُم أنَّهُ اتَّحَدَ بِهِ بِأَنَّهُ اختَصَّهُ وَاصطَفاهُ عَلى سائِرِ عِبادِهِ ، فَقَد أقرَرتُم بِحُدوثِ عيسى ، وبِحُدوثِ المَعنَى الَّذِي اتَّحَدَ بِهِ مِن أجلِهِ ، لِأَ نَّهُ إذا كانَ عيسى مُحدَثا وكانَ اللّه ُ اتَّحَدَ بِهِ ـ بِأَن أحدَثَ بِهِ مَعنًى صارَ بِهِ أكرَمَ الخَلقِ عِندَهُ ـ فَقَد صارَ عيسى وذلِكَ المَعنى مُحدَثَينِ ، وهذا خِلافُ ما بَدَأتُم تَقولونَهُ .
قالَ : فَقالَتِ النَّصارى : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ اللّه َ تَعالى لَمّا أظهَرَ عَلى يَدِ عيسى مِنَ الأَشياءِ العَجيبَةِ ما أظهَرَ ، فَقَدِ اتَّخَذَهُ وَلَدا عَلى جِهَةِ الكَرامَةِ .
فَقالَ لَهُم رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : فَقَد سَمِعتُم ما قُلتُهُ لِليَهودِ في هذَا المَعنَى الَّذي ذَكَرتُموهُ .
ثُمَّ أعادَ صلى الله عليه و آله ذلِكَ كُلَّهُ ، فَسَكَتوا إلّا رَجُلاً واحِدا مِنهُم فَقالَ لَهُ : يا مُحَمَّدُ! أوَلَستُم تَقولونَ : إنَّ إبراهيمَ خَليلُ اللّه ِ ؟
قالَ : قَد قُلنا ذلِكَ .
فَقالَ : فَإِذا قُلتُم ذلِكَ فَلِمَ مَنَعتُمونا مِن أن نَقولَ : إنَّ عيسَى ابنُ اللّه ِ ؟
فَقالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : إنَّهُما لَن يَشتَبِها لِأَنَّ قَولَنا : إنَّ إبراهيمَ خَليلُ اللّه ِ ، فَإِنَّما هُوَ مُشتَقٌّ مِنَ الخَلَّةِ أوِ الخُلَّةِ . فَأَمَّا الخَلَّةُ فَإِنَّما مَعناهَا الفَقرُ والفاقَةُ ، فَقَد كانَ خَليلاً إلى رَبِّهِ فَقيرا [إلَى اللّه ِ ]وإلَيهِ مُنقَطِعا ، وعَن غَيرِهِ مُتَعَفِّفا مُعرِضا مُستَغنِيا ، وذلِكَ لَمّا اُريدَ قَذفُهُ فِي النّارِ فَرُمِيَ بِهِ فِي المَنجَنيقِ فَبَعَثَ اللّه ُ تَعالى جَبرَئيلَ وقالَ لَهُ : أدرِك عَبدي ، فَجاءَهُ فَلَقِيَهُ فِي الهَواءِ ، فَقالَ : كَلِّفني ما بَدا لَكَ فَقَد بَعَثَنِي اللّه ُ لِنُصرَتِكَ .
فَقالَ : بَل حَسبِيَ اللّه ُ ونِعمَ الوَكيلُ ، إنّي لا أسأَلُ غَيرَهُ ، ولا حاجَةَ لي إلّا إلَيهِ ، فَسمّاهُ خَليلَهُ أي فَقيرَهُ ومُحتاجَهُ والمُنقَطِعَ إلَيهِ عَمَّن سِواهُ .
وإذا جُعِلَ مَعنى ذلِكَ مِنَ الخُلَّةِ [العالِم] ، وهُوَ أنَّهُ قَد تَخَلَّلَ مَعانِيَهُ ، ووَقَفَ عَلى أسرارٍ لَم يَقِف عَلَيها غَيرُهُ ، كانَ مَعناهُ العالِمَ بِهِ وبِاُمورِهِ ، ولا يوجِبُ ذلِكَ تَشبيهَ اللّه ِ بِخَلقِهِ ، ألا تَرَونَ أنَّهُ إذا لَم يَنقَطِع إلَيهِ لَم يَكُن خَليلَهُ ؟ وإذا لَم يَعلَم بِأَسرارِهِ لَم يَكُن خَليلَهُ ؟ وأنَّ مَن يَلِدُهُ الرَّجُلُ وإن أهانَهُ وأقصاهُ لَم يَخرُج [بِهِ ]عَن أن يَكونَ وَلَدَهُ ، لِأَنَّ مَعنَى الوِلادَةِ قائِمٌ بِهِ ؟
ثُمَّ إن وَجَبَ ـ لِأَ نَّهُ قالَ لِاءِبراهيمَ خَليلي ـ أن تَقيسوا أنتُم فَتَقولوا : إنَّ عيسى ابنُهُ ، وَجَبَ أيضا كَذلِكَ أن تَقولوا لِموسى إنَّهُ ابنُهُ ، فَإِنَّ الَّذي مَعَهُ مِنَ المُعجِزاتِ لَم يَكُن بِدونِ ما كانَ مَعَ عيسى ، فَقولوا : إنَّ موسى أيضا ابنُهُ ، وأن يَجوزَ أن تَقولوا عَلى هذَا المَعنى : إنَّهُ شَيخُهُ وسَيِّدُهُ وعَمُّهُ ورَئيسُهُ وأميرُهُ كَما قَد ذَكَرتُهُ لِليَهودِ .
فَقالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ : وفِي الكُتُبِ المُنزَلَةِ أنَّ عيسى قالَ : «أذهَبُ إلى أبي» .
فَقالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : فَإِن كُنتُم بِذلِكَ الكِتابِ تَعمَلونَ فَإِنَّ فيهِ : «أذهَبُ إلى أبي وأبيكُم» فَقولوا : إنّ جَميعَ الَّذينَ خاطَبَهُم عيسى كانوا أبناءَ اللّه ِ ، كَما كانَ عيسَى ابنَهُ مِنَ الوَجهِ الَّذي كانَ عيسَى ابنَهُ ، ثُمَّ إنَّ ما في هذَا الكِتابِ يُبطِلُ عَلَيكُم هذَا الَّذي زَعَمتُم أنَّ عيسى مِن جِهَةِ الاِختِصاصِ كانَ ابنا لَهُ ، لِأَنَّكُم قُلتُم : إنَّما قُلنا : إنَّهُ ابنُهُ لِأَ نَّهُ اختَصَّهُ بِما لَم يَختَصَّ بِهِ غَيرَهُ ، وأنتُم تَعلَمونَ أنَّ الَّذي خَصَّ بِهِ عيسى لَم يَخُصَّ بِهِ هؤُلاءِ القَومَ الَّذينَ قالَ لَهُم عيسى : «أذهَبُ إلى أبي وأبيكُم» ، فَبَطَلَ أن يَكونَ الاِختِصاصُ لِعيسى ، لِأَ نَّهُ قَد ثَبَتَ عِندَكُم بِقولِ عيسى لِمَن لَم يَكُن لَهُ مِثلُ اختِصاصِ عيسى ، وأنتُم إنَّما حَكَيتُم لَفظَةَ عيسى وتَأَوَّلتُموها عَلى غَيرِ وَجهِها ، لِأَ نَّهُ إذا قالَ : «أبي وأبيكُم» ، فَقَد أرادَ غَيرَ ما ذَهَبتُم إلَيهِ ونَحَلتُموهُ ، وما يُدريكُم لَعَلَّهُ عَنى أذهَبُ إلى آدَمَ ، أو إلى نوحٍ ، وإنَّ اللّه َ يَرفَعُني إلَيهِم ويَجمَعُني مَعَهُم ، وآدَمُ أبي وأبوكُم ، وكَذلِكَ نوحٌ ، بَل ما أرادَ غَيرَ هذا .
قالَ : فَسَكَتَ النَّصارى وقالوا : ما رَأَينا كَاليَومِ مُجادِلاً ولا مُخاصِما مِثلَكَ وسَنَنظُرُ في اُمورِنا .
ثُمَّ أقبَلَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَلَى الدَّهرِيَّةِ فَقالَ : وأنتُم فَمَا الَّذي دَعاكُم إلَى القَولِ بِأَنَّ الأَشياءَ لا بُدُوَّ لَها وهِيَ دائِمَةٌ لَم تَزَل ولا تَزالُ ؟
فَقالوا : لِأَنّا لا نَحكُمُ إلّا بِما نُشاهِدُ ، ولَم نَجِد لِلأَشياءِ حَدَثا ، فَحَكَمنا بِأَنّها لَم تَزَل ، ولَم نَجِد لَهَا انقِضاءً وفَناءً ، فَحَكَمنا بِأَنَّها لا تَزالُ .
فَقالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : أفَوَجَدتُم لَها قِدَما؟ أم وَجَدتُم لَها بَقاءً أبَدَ الآبِدِ؟ فَإِن قُلتُم : إنَّكُم وَجَدتُم ذلِكَ ، أنهَضتُم لِأَنفُسِكُم أنَّكُم لَم تَزالوا عَلى هَيئَتِكُم وعُقولِكُم بِلا نِهايَةٍ ، ولا تَزالونَ كَذلِكَ ، ولَئِن قُلتُم هذا ، دَفَعتُمُ العِيانَ وكَذَّبَكُمُ العالَمونَ الَّذينَ يُشاهِدونَكُم .
قالوا : بَل لَم نُشاهِد لَها قِدَما ، ولا بَقاءً أبَدَ الآبِدِ .
قالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : فَلِمَ صِرتُم بِأَن تَحكُموا بِالقِدَمِ وَالبَقاءِ دائِما ، لِأَنَّكُم لَم تُشاهِدوا حُدوثَها ، وَانقِضاؤُها أولى مِن تارِكِ التَّمييزِ لَها مِثلِكُم ، فَيَحكُمُ لَها بِالحُدوثِ وَالاِنقِضاءِ وَالاِنقِطاعِ ، لِأَ نَّهُ لَم يُشاهِد لَها قِدَما ، ولا بَقاءً أبَدَ الآبِدِ .
أوَلَستُم تُشاهِدونَ اللَّيلَ وَالنَّهارَ و[أنَّ ]أحَدَهُما بَعدَ الآخَرِ ؟
فَقالوا : نَعَم .
فَقالَ : أتَرَونَهُما لَم يَزالا ولا يَزالانِ ؟
فَقالوا : نَعَم .
فَقالَ : أفَيَجوزُ عِندَكُمُ اجتِماعُ اللَّيلِ وَالنَّهارِ ؟
فَقالوا : لا .
فَقالَ صلى الله عليه و آله : فَإِذا يَنقَطِعُ أحَدُهُما عَنِ الآخَرِ ، فَيَسبِقُ أحَدُهُما ، ويَكونُ الثّاني جارِيا بَعدَهُ .
قالوا : كَذلِكَ هُوَ .
فَقالَ : قَد حَكَمتُم بِحُدوثِ ما تَقَدَّمَ مِن لَيلٍ ونَهارٍ لَم تُشاهِدوهُما ، لا تُنكِروا للّه ِِ قُدرَةً .
ثُمَّ قالَ صلى الله عليه و آله : أتَقولونَ ما قَبلَكُم مِنَ اللَّيلِ وَالنَّهارِ مُتَناهٍ أم غَيرُ مُتناهٍ ؟ فَإِن قُلتُم : غَيرُ مُتَناهٍ ، فَكَيفَ وَصَلَ إلَيكُم آخَرُ بِلا نِهايَةٍ لِأَوَّلِهِ ؟ وإن قُلتُم : إنَّهُ مُتَناهٍ ، فَقَد كانَ ولا شَيءَ مِنهُما .
قالوا : نَعَم .
قالَ لَهُم : أقُلتُم : إنَّ العالَمَ قَديمٌ غَيرُ مُحدَثٍ ، وأنتُم عارِفونَ بِمَعنى ما أقرَرتُم بِهِ ، وبِمَعنى ما جَحَدتُموهُ ؟
قالوا : نَعَم .
قالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : فَهذَا الَّذي تُشاهِدونَهُ مِنَ الأَشياءِ بَعضِها إلى بَعضٍ يَفتَقِرُ ، لِأَ نَّهُ لا قِوامَ لِلبَعضِ إلّا بِما يَتَّصِلُ بِهِ . ألا تَرَى البِناءَ مُحتاجا بَعضَ أجزائِهِ إلى بَعضٍ وإلّا لَم يَتَّسِق ، ولَم يُستَحكَم ، وكَذلِكَ سائِرُ ما تَرَونَ .
وقالَ صلى الله عليه و آله : فَإِذا كانَ هذَا المُحتاجُ ـ بَعضُهُ إلى بَعضٍ لِقُوَّتِهِ وتَمامِهِ ـ هُوَ القَديمُ ، فَأَخبِروني أن لَو كانَ مُحدَثا ، كَيفَ كانَ يَكونُ ؟ وماذا كانَت تَكونُ صِفَتُهُ ؟
قالَ : فَبُهِتوا وعَلِموا أنَّهُم لا يَجِدونَ لِلمُحدَثِ صِفَةً يَصِفونَهُ بِها إلّا وهِيَ مَوجودَةٌ في هذَا الَّذي زَعَموا أنَّهُ قَديمٌ ، فَوَجَموا ۱ وقالوا : سَنَنظُرُ في أمرِنا .
ثُمَّ أقبَلَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَلَى الثَّنَوِيَّةِ ـ الَّذين قالوا : النّورُ وَالظُّلمَةُ هُمَا المُدَبِّرانِ ـ فَقالَ : وأنتُم فَمَا الَّذي دَعاكُم إلى ما قُلتُموهُ مِن هذا ؟
فَقالوا : لِأَنّا وَجَدنَا العالَمَ صِنفَينِ : خَيرا وشَرّا ، ووَجَدنَا الخَيرَ ضِدّا لِلشَّرِّ ، فَأَنكَرنا أن يَكونَ فاعِلٌ واحِدٌ يَفعَلُ الشَّيءَ وضِدَّهُ ، بَل لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما فاعِلٌ ، ألا تَرى أنَّ الثَّلجَ مُحالٌ أن يَسخُنَ ، كَما أنَّ النّارَ مُحالٌ أن تَبرَدَ ، فَأَثبَتنا لِذلِكَ صانِعَينِ قَديمَينِ : ظُلمَةً ونورا .
فَقالَ لَهُم رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : أفَلَستُم قَد وَجَدتُم سَوادا وبَياضا وحُمرَةً وصُفرَةً وخُضرَةً وزُرقةً ؟ وكُلُّ واحِدَةٍ ضِدٌّ لِسائِرِها ، لِاستِحالَةِ اجتِماعِ اثنَينِ مِنها في مَحَلٍّ واحِدٍ ، كَما كانَ الحَرُّ والبَردُ ضِدَّينِ لِاستِحالَةِ اجتِماعِهِما في مَحَلٍّ واحِدٍ ؟
قالوا : نَعَم .
قالَ : فَهَلّا أثبَتُّم بِعَدَدِ كُلِّ لَونٍ صانِعا قَديما ، لِيَكونَ فاعِلُ كُلٍّ ضِدٍّ مِن هذِهِ الأَلوانِ غَيرَ فاعِلِ الضِّدِّ الآخَرِ ؟! قالَ : فَسَكَتوا .
ثُمَّ قالَ : وكَيفَ اختَلَطَ النُّورُ وَالظُّلمَةُ ، وهذا مِن طَبعِهِ الصُّعودُ وهذِهِ مِن طَبعِهَا النُّزولُ ؟ أرَأَيتُم لَو أنَّ رَجُلاً أخَذَ شَرقا يَمشي إلَيهِ والآخَرُ غَربا ، أكانَ يَجوزُ عِندَكُم أن يَلتَقِيا ما داما سائِرَينِ عَلى وُجوهِهِما ؟
قالوا : لا .
قالَ : فَوَجَبَ أن لا يَختَلِطَ النّورُ وَالظُّلمَةُ ، لِذَهابِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما في غَيرِ جِهَةِ الآخَرِ ، فَكَيفَ حَدَثَ هذَا العالَمُ مِنِ امتِزاجِ ما هُوَ مُحالٌ أن يَمتَزِجَ ؟ بَل هُما مُدَبِّرانِ جَميعا مَخلوقانِ ؟
فَقالوا : سَنَنظُرُ في اُمورِنا .
ثُمَّ أقبَلَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَلى مُشرِكِي العَرَبِ فَقالَ : وأنتُم فَلِمَ عَبَدتُمُ الأَصنامَ مِن دونِ اللّه ِ ؟
فَقالوا : نَتَقَرَّبُ بِذلِكَ إلَى اللّه ِ تَعالى .
فَقالَ لَهُم : أوَهِيَ سامِعَةٌ مُطيعَةٌ لِرَبِّها ، عابِدَةٌ لَهُ ، حَتّى تَتَقَرَّبوا بِتَعظِيمِها إلَى اللّه ِ ؟
قالوا : لا .
قالَ : فَأَنتُمُ الَّذينَ نَحَتُّموها بِأَيديكُم ؟
قالوا : نَعَم . قالَ : فَلَئِن تَعبُدُكُم هِيَ ـ لَو كانَ تَجوزُ مِنهَا العِبادَةُ ـ أحرى مِن أن تَعبُدوها! إذا لَم يَكُن أمَرَكُم بِتَعظيمِها ، مَن هُوَ العارِفُ بِمَصالِحِكُم وعَواقِبِكُم وَالحَكيمُ فيما يُكَلِّفُكُم ؟!
قالَ : فَلَمّا قالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله هذَا القَولَ اختَلَفوا ، فَقالَ بَعضُهُم : إنَّ اللّه َ قَد حَلَّ في هَياكِلِ رِجالٍ كانوا عَلى هذِهِ الصُّوَرِ فَصَوَّرنا هذِهِ الصُّوَرَ ، نُعَظِّمُها لِتَعظيمِنا تِلكَ الصُّوَرَ الَّتي حَلَّ فيها رَبُّنا .
وقالَ آخَرونَ مِنهُم : إنَّ هذِهِ صُوَرُ أقوامٍ سَلَفوا ، كانوا مُطيعينَ للّه ِِ قَبلَنا فَمَثَّلنا صُوَرَهُم وعَبَدناها تَعظيما للّه ِ .
وقالَ آخَرونَ مِنهُم : إنَّ اللّه َ لَمّا خَلَقَ آدَمَ ، وأمَرَ المَلائِكَةَ بِالسُّجودِ لَهُ فَسَجَدوهُ تَقَرُّبا بِاللّه ِ ، كُنّا نَحنُ أحَقَّ بِالسُّجودِ لِادَمَ مِنَ المَلائِكَةِ ، فَفاتَنا ذلِكَ ، فَصَوَّرنا صورَتَهُ فَسَجَدنا لَها تَقَرُّبا إلَى اللّه ِ ، كَما تَقَرَّبَتِ المَلائِكَةُ بِالسُّجودِ لِادَمَ إلَى اللّه ِ تَعالى ، وكَما اُمِرتُم بِالسُّجودِ ـ بِزَعمِكُم ـ إلى جِهَةِ «مَكَّةَ» فَفَعَلتُم ، ثُمَّ نَصَبتُم في غَيرِ ذلِكَ البَلَدِ بِأَيديكُم مَحاريبَ سَجَدتُم إلَيها وقَصَدتُمُ الكَعبَةَ لا مَحاريبَكُم ، وقَصدُكُم بِالكَعبَةِ إلَى اللّه ِ عز و جل لا إلَيها .
فَقالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : أخطَأتُمُ الطَّريقَ وضَلَلتُم ، أمّا أنتُم ـ وهُوَ صلى الله عليه و آله يُخاطِبُ الَّذينَ قالوا : إنَّ اللّه َ يَحِلُّ في هَياكِلِ رِجالٍ كانوا عَلى هذِهِ الصُّوَرِ الَّتي صَوَّرناها ، فَصَوَّرنا هذِهِ الصُّوَرَ نُعَظِّمُها لِتَعظيمِنا لِتِلكَ الصُّوَرِ الَّتي حَلَّ فيها رَبُّنا ـ فَقَد وَصَفتُم رَبَّكُم بِصِفَةِ المَخلوقاتِ ، أوَيَحِلُّ رَبُّكُم في شَيءٍ حَتّى يُحيطَ بِهِ ذلِكَ الشَّيءُ ؟! فَأَيُّ فَرقٍ بَينَهُ إذا وبَينَ سائِرِ ما يَحِلُّ فيهِ مِن لَونِهِ وطَعمِهِ ورائِحَتِهِ ولينِهِ وخُشونَتِهِ وثِقلِهِ وخِفَّتِهِ ؟ ولِمَ صارَ هذَا المَحلولُ فيهِ مُحدَثا وذلِكَ قَديما ، دونَ أن يَكونَ ذلِكَ مُحدَثا وهذا قَديما ، وكَيفَ يَحتاجُ إلَى المَحالِ مَن لَم يَزَل قَبلَ المَحالِ ، وهُوَ عز و جل لا يَزالُ كَما لَم يَزَل ؟ وإذا وَصَفتُموهُ بِصِفَةِ المُحدَثاتِ فِي الحُلولِ ، فَقَد لَزِمَكُم أن تَصِفوهُ بِالزَّوالِ [وَالحُدوثِ] ! وإذا وَصَفتُموهُ بِالزَّوالِ وَالحُدوثِ ، وَصَفتُموهُ بِالفَناءِ! لِأَنَّ ذلِكَ أجمَعُ مِن صِفاتِ الحالِّ وَالمَحلولِ فيهِ ، وجَميعُ ذلِكَ يُغَيِّرُ الذّاتَ ، فَإِن كانَ لَم يَتَغَيَّر ذاتُ الباري تَعالى بِحُلولِهِ في شَيءٍ ، جازَ أن لا يَتَغَيَّرَ بِأَن يَتَحَرَّكَ ويَسكُنَ ويَسوَدَّ ويَبيَضَّ ويَحمَرَّ ويَصفَرَّ ، وتَحِلَّهُ الصِّفاتُ الَّتيتَتَعاقَبُ عَلَى المَوصوفِ بِها ، حَتّى يكونَ فيهِ جَميعُ صِفاتِ المُحدَثينَ ، ويَكون مُحدَثا ـ عَزَّ اللّه َ تَعالى عَن ذلِكَ .
ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : فَإِذا بَطَلَ ما ظَنَنتُموهُ مِن أنَّ اللّه َ يَحِلُّ في شَيءٍ ، فَقَد فَسَدَ ما بَنَيتُم عَلَيهِ قَولَكُم .
قالَ : فَسَكَتَ القَومُ وقالوا : سَنَنظُرُ في اُمورِنا .
ثُمَّ أقبَلَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَلَى الفَريقِ الثّاني فَقالَ [لَهُم] : أخبِرونا عَنكُم إذا عَبَدتُم صُوَرَ مَن كانَ يَعبُدُ اللّه َ فَسَجَدتُم لَهَا وصَلَّيتُم ، فَوَضَعتُمُ الوُجوهَ الكَريمَةَ عَلَى التُّرابِ ـ بِالسُّجودِ لَها ـ فَمَا الَّذي أبقَيتُم لِرَبِّ العالَمينَ ؟ أما عَلِمتُم أنَّ مِن حَقِّ مَن يَلزَمُ تَعظيمُهُ وعِبادَتُهُ أن لا يُساوى بِهِ عَبدُهُ ؟ أرَأَيتُم مَلِكا أو عَظيما إذا ساوَيتُموهُ بِعَبيدِهِ فِي التَّعظيمِ وَالخُشوعِ وَالخُضوعِ ، أيَكونُ في ذلِكَ وَضعٌ مِن حَقِّ الكَبيرِ كَما يَكونُ زِيادَةٌ في تَعظيمِ الصَّغيرِ ؟
فَقالوا : نَعَم .
قالَ : أفَلا تَعلَمونَ أنَّكُم مِن حَيثُ تُعَظِّمونَ اللّه َ بِتَعظيمِ صُوَرِ عِبادِهِ المُطيعينَ لَهُ ، تَزرونَ عَلى رَبِّ العالَمينَ ؟
قالَ : فَسَكَتَ القَومُ بَعدَ أن قالوا : سَنَنظُرُ في اُمورِنا .
ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لِلفَريقِ الثّالِثِ : لَقَد ضَرَبتُم لَنا مَثَلاً ، وشَبَّهتُمونا بِأَنفُسِكُم ولَسنا سِواءً ، وذلِكَ أنّا عِبادُ اللّه ِ مَخلوقونَ مَربوبونَ ، نَأتَمِرُ لَهُ فيما أمَرَنا ، ونَنزَجِرُ عَمّا زَجَرَنا ، ونَعبُدُهُ مِن حَيثُ يُريدُهُ مِنّا ، فَإِذا أمَرَنا بِوَجهٍ مِنَ الوُجوهِ أطَعناهُ ، ولَم نَتَعَدَّ إلى غَيرِهِ مِمّا لَم يَأمُرنا [بِهِ] ، ولَم يَأذَن لَنا ، لِأَنّا لا نَدري لَعَلَّهُ إن أرادَ مِنَّا الأَوَّلَ فَهُوَ يَكرَهُ الثّانِيَ ، وقَد نَهانا أن نَتَقَدَّمَ بَينَ يَدَيهِ ، فَلَمّا أمَرَنا أن نَعبُدَهُ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الكَعبَةِ أطَعناهُ ، ثُمَّ أمَرَنا بِعِبادَتِهِ بِالتَّوَجُّهِ نَحوَها في سائِرِ البُلدانِ الَّتي نَكونُ بِها فَأَطَعناهُ ، ولَم نَخرُج في شَيءٍ مِن ذلِكَ مِنِ اتِّباعِ أمرِهِ ، وَاللّه ُ عز و جل حَيثُ أمَرَ بِالسُّجودِ لِادَمَ لَم يَأمُر بِالسُّجودِ لِصورَتِهِ الَّتي هِيَ غَيرُهُ ، فَلَيسَ لَكُم أن تَقيسوا ذلِكَ عَلَيهِ ، لِأَنَّكُم لا تَدرونَ لَعَلَّهُ يَكرَهُ ما تَفعَلونَ إذ لَم يَأمُركُم بِهِ!
ثُمَّ قالَ لَهُم رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : أرَأَيتُم لَو أذِنَ لَكُم رَجُلٌ دُخولَ دارِهِ يَوما بِعَينِهِ ، ألَكُم أن تَدخُلوها بَعدَ ذلِكَ بِغَيرِ أمرِهِ ؟ أوَلَكُم أن تَدخُلوا دارا لَهُ اُخرى مِثلَها بِغَيرِ أمرِهِ ؟ أو وَهَبَ لَكُم رَجُلٌ ثَوبا مِن ثِيابِهِ ، أو عَبدا مِن عَبيدِهِ ، أو دابَّةً مِن دَوابِّهِ ، ألَكُم أن تَأخُذوا ذلِكَ ؟
قالوا : نَعَم .
قالَ : فَإِن لَم تَأخُذوهُ ألَكُم أخذُ آخَرَ مِثلِهِ ؟ قالوا : لا ، لِأَ نَّهُ لَم يَأذَن لَنا فِي الثّاني كَما أذِنَ فِي الأَوَّلِ .
قالَ صلى الله عليه و آله : فَأَخبِروني ، اللّه ُ أولى بِأَن لا يُتَقَدَّمَ عَلى مُلكِهِ بِغَيرِ أمرِهِ أو بَعضُ المَملوكينَ ؟
قالوا : بَلِ اللّه ُ أولى بِأَن لا يُتَصَرَّفُ في مُلكِهِ بِغَيرِ إذنِهِ .
قالَ : فَلِمَ فَعَلتُم ؟ ومَتى أمَرَكُم أن تَسجُدوا لِهذِهِ الصُّوَرِ ؟
قالَ : فَقالَ القَومُ : سَنَنظُرُ في اُمورِنا ، وسَكَتوا .
وقالَ الصّادِقُ عليه السلام : فَوَالَّذي بَعَثَهُ بِالحَقِّ نَبِيّا ما أتَت عَلى جَماعَتِهِم إلّا ثَلاثَةُ أيّامٍ حَتّى أتَوا رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَأَسلَموا ، وكانوا خَمسَةً وعِشرينَ رَجُلاً ، مِن كُلِّ فِرقَةٍ خَمسَةٌ . وقالوا : ما رَأَينا مِثلَ حُجَّتِكَ يا مُحَمَّدُ ، نَشهَدُ أَنَّكَ رَسولُ اللّه ِ . ۲

1.الوُجوم : السكوت على غيظ (لسان العرب : ج ۱۲ ص ۶۳۰) .

2.الاحتجاج : ج ۱ ص ۲۷ ح ۲۰ ، بحار الأنوار : ج ۹ ص ۲۵۷ ح ۱ .


حكم النّبيّ الأعظم ج2
438

2 / 12

النَّوادِرُ

۲۵۰۱.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الإسلامُ ذَلُولٌ لا يُركِبُ إلّا ذَلولاً . ۱

۲۵۰۲.عنه صلى الله عليه و آله :الإسلامُ يَسبِكُ الرِّجالَ كما يَسبِكُ النارُ خُبثَ الحَديدِ والذَّهَبِ والفِضَّةِ . ۲

۲۵۰۳.عنه صلى الله عليه و آلهـ لَمّا سُئلَ عن أفضَلِ الإسلامِ ـ: مَن سَلِمَ المُسلمونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ . ۳

۲۵۰۴.عنه صلى الله عليه و آله :لَتُنقَضُنَّ عُرَى الإسلامِ عُروَةً عُروَةً كُلَّما نُقِضَتْ عُروَةٌ تَشَبَّثَ الناسُ بالَّتي تَلِيها ، فَأوَّلُهُنَّ نَقضُ الحُكمِ وآخِرُهُنَّ الصلاةُ . ۴

1.كنز العمّال : ج ۱ ص ۶۶ ح ۲۴۴ عن أبي ذرّ .

2.كنز العمّال : ج ۱ ص ۷۸ ح ۳۱۱ نقلاً عن الديلمي عن أبي سعيد .

3.الأمالي للطوسي : ص ۲۷۱ ح ۵۰۵ عن جابر ، بحار الأنوار : ج ۷۵ ص ۵۳ ح ۱۲ .

4.الأمالي للطوسي : ص ۱۸۶ ح ۳۱۱ عن اُبي أمامه الباهلي ، بحار الأنوار : ج ۸۲ ص ۲۰۸ ح ۱۸ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج2
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 168985
الصفحه من 686
طباعه  ارسل الي