609
حكم النّبيّ الأعظم ج2

حكم النّبيّ الأعظم ج2
608

مَن هوَ الإمامُ المطلوبُ مَعرِفَتُهُ ؟

إنّ أدنى تأمّل في مضمون الحديث المذكور سيما في ضوء التفسير الذي طرحناه آنفا يغنينا عن الإجابة على هذا التساؤل بخصوص : من هو الإمام الذي تضمن إمامته ديمومة الإسلام الحقيقي ، وبإلغائها والجهل بها يتمّ الرجوع إلى الجاهليّة ؟
فهل يمكن تعقّل أن يوجب النبي صلى الله عليه و آله على جميع المسلمين معرفة واتّباع أي إمام متسلّطٍ على رقاب الاُمّة ، بحيث يكون الجهل به مؤدّيا إلى الموت على الجاهليّة ، حتّى ولو كان ظالما غشوما ومن «أئمّة النار ۱ » بالتعبير القرآني؟!
إنّ من البديهي أن يتحوّل مثل هذا الحديث مستندا للحكّام المنحرفين في تأريخ الإسلام الذين يحاولون تبرير مشروعيّتهم ، وإثبات وجوب طاعتهم على الناس ، وتدعيم قوائم حكمهم ، لذا نجد أنّ من جملة رواة هذا الحديث هو معاوية بن أبي سفيان. كما أنّ من البديهي أيضا أن يبادر علماء البلاط ووعّاظ السلاطين وبنفس الدافع إلى تأوّل حديث النبيّ صلى الله عليه و آله وتطبيقه على أئمّة الجور ، ولكن من الواضح أنّ هذا لا لعجز أو قصور منهم في فهم الحديث ، بل تهكّم وتلاعب بألفاظه.
إنّه من غير الممكن فهم موقف عبداللّه بن عمر الرافض لبيعة الإمام علي عليه السلام ـ كما يروي ذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ـ على أساس عدم معرفته بالإمام عليه السلام ، وهو المبادر من ليلته ـ عملاً بحديث «من مات بغير إمام» ـ للدخول على الحجّاج لمبايعة خليفة عصره عبدالملك بن مروان ، حتى لا يبيت ليلة وهو لا يعرف إمام زمانه!!
أجل، إنّ من لا يُقرّ بإمامة عليّ عليه السلام ويعرض عن مبايعته ، لابدّ أن يعترف ويُقرّ بإمامة عبدالملك بن مروان الذي يكون ترك بيعته كفرا ورجوعا إلى الجاهليّة، وتكون نتيجة ذلك مبايعته بذلك الشكل المُهين لقَدَم عامله السفّاح الحجّاج بن يوسف ! بل بلغ الأمر بعبد اللّه بن عمر أنّه يرى في يزيد بن معاوية الذي ارتكب ما ارتكب بحق الإسلام وأهل البيت عليهم السلام ، مصداقا للإمام في حديث : «من مات بغير إمام» معتبرا الخروج عليه كفرا وارتدادا !
لقد نقل المؤرّخون أنّ أهل المدينة تحرّكوا بعد حادثة كربلاء الأليمة في سنة 63 هجريّة ، حتّى آل الأمر إلى «واقعة الحرّة» ، فدخل عبداللّه بن عمر على زعيم قريش في هذه النهضة عبداللّه بن مطيع ، فأمر له بوسادة ليجلس فقال له ابن عمر : لم أدخل عليك لأجلس ولكن لاُحدّثك بحديث سمعته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: «مَن ماتَ ولَيسَ في عُنُقِهِ بَيعَةٌ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً » . ۲
انظر إلى هذه المهارة في تفسير حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله على خلاف مقصوده صلى الله عليه و آله ! وهذه هي الظاهرة الخطرة التي حذّر الرسول في هذا الحديث وغيره من الأحاديث من الوقوع فيها ، ودعا الاُمّة إلى اتّباع أئمّة الحق .
لقد حُرّف تحذير رسول اللّه صلى الله عليه و آله على يد المتلاعبين بالسياسة من المتظاهرين بالإسلام ، وكذلك على يد أدواتهم وعمّالهم ، وبذلك صار يُساء إلى الحديث من خلال الحديث نفسه ، وإلى الإسلام من خلال الإسلام نفسه ، والنتيجة هي الخروج من عصر العلم والإسلام والرجوع إلى عهد الجاهليّة والكفر ، وذلك عندما نتجاهل موقع الإمامة في المجتمع الإسلامي ، ونغفل وصايا النبي صلى الله عليه و آله في ذلك.
على هذا الأساس فإنّ المقصود بالأحاديث الواردة في أنّ «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» هو التحذير ـ بلا أدنى شك ـ من مغبّة ترك ولاية الأئمّة عليهم السلام الثابت ضرورة التمسّك بها في حديث الثقلين والغدير ومئات الأحاديث الاُخرى الواردة للاُمّة في هذا الشأن .

1.راجع : القصص : ۴۱ .

2.صحيح مسلم : ج ۳ ص ۱۴۷۸ ح ۵۸ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج2
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 169248
الصفحه من 686
طباعه  ارسل الي