15
مراقبات شهر رمضان

أمّا الرواية الّتي تتحدّث عن أنّ « ليلة القدر » هي أوَّل السنة ، فبلحاظ أنّ هذه الليلة هي ليلة التقدير الّتي يقدّر فيها كلّ شيء يكون في السنة . وبشأن الرواية الّتي تتحدّث عن أنّ يوم « عيد الفطر » هو أوَّل السَّنة ؛ فالاعتبار في ذلك يرجع إلى أنّ هذا اليوم أوَّل يوم في السَّنة يحلّ فيه الأكل والشرب على ما صرّحت به الرواية نفسها ؛ أو لأنّها تومئ إلى أنَّ عيد الفطر بداية شوط جديد في حياة الإنسان واستئنافه العمل مجدّدا ، بعد أن رمضت ذنوبه في لهيب معاناة الصوم ، وانمحت من صحيفة أعماله واستُؤصلت منها تماما .

2 . الضّيافة الإلهيّة

الخصيصة البارزة الثانية الّتي تتألّق في سماء هذا الشهر الفضيل ، هي الإمكانات الّتي يتيحها لضيافة اللّه سبحانه ، على ما نطق به رسول اللّه صلى الله عليه و آله بقوله في وصف هذه الخصلة :
« هُوَ شَهرٌ دُعيتُم فيهِ إلى ضِيافَةِ اللّهِ ، وَجُعِلتُم فيهِ مِن أهلِ كَرامَةِ اللّهِ » .۱
هذه الخصيصة في الحقيقة هي أساس الخصوصية الاُولى ، بل هي منشأ جميع خصوصيات شهر رمضان المبارك ومنبثق كلّ البركات الّتي تحفّ به .
بعبارة اُخرى ، يمكن القول إنَّ ضيافة اللّه في هذه المدّة الزمنية والأغذية المعنوية الخاصّة الّتي أعدّها سبحانه لضيوفه في هذه الضيافة ، هي منشأ التحوّلات المعنوية العميقة الّتي تطرأ على حياة الإنسان في هذا الشهر الفضيل ، وهي مائدة مفتوحة للجميع يصيب من ينهل منها بركات عظيمة تنأى على الحصر .

معنى ضيافة اللّه

في طليعة الأسئلة الّتي تحفّ بهذه الخصيصة البارزة ، ما يرتبط بمعنى ضيافة اللّه سبحانه لأحبّائه في شهر رمضان وما المقصود من ذلك ؟ أليس الناس جميعا وفي

1.راجع : ص ۶۵ ح ۸۴ . وص ۲۹ (خصائص شهر رمضان / شهر ضيافة اللّه ) .


مراقبات شهر رمضان
14

اللحظات ، وإنّما يبدو أنَّ هذه البداية هي من جملة الاُمور الاعتبارية الّتي تكتسب معاني مختلفة تبعا لتنوع الاعتبارات وتعدّدها ۱ ، وعندئذٍ يمكن أن يكون كلّ يوم أوَّل السَّنة أو نهايتها تبعا لاعتبار خاص ، وهذا ما يفسّر الاختلاف الناشِئ بين الاُمم والأقوام في تحديد أوائل سنينها ، إذ اختارت فارس القديمة مطلع شهر « فروردين » [الموافق 21 آذار ميلادي ]بدايةً لسنتها وعدّت ذلك عيدا ، ولا تزال على ذلك أعرافها حتّى الوقت الحاضر ، على حين اتّخذ العرب أوّل « محرّم » بدايةً لسنتهم ، وفي المقابل اتّخذ النصارى « ميلاد السيّد المسيح » رأسا لسنتهم .

بداية السّنة وتجديد الحياة المعنوية

عندما ندرس مفهوم أوَّل السَّنة على ضوء الثقافة الإسلامية ، نجد أنّ هذه الظاهرة في الإسلام تخضع لاعتبارات مختلفة ، فمن النصوص الإسلامية ما يركّز على أنَّ شهر رمضان أوَّل السَّنة ۲ ، ومنها ما يسجّل أن « ليلة القدر » هي أوَّل السَّنة ۳ ، كما أنّ فيها ما يذهب إلى تحديد أوَّل السَّنة بـ « عيد الفطر » . ۴
فكما أنّ « فروردين » هو أوّل السنة الطبيعية ، حيث تكتسي الأرض في هذا الشهر حُلّةً قشيبةً وتُورِق فيه الأشجار ، فكذلك يأتي شهر رمضان ليكون بداية سنة الإنسانية من منظور الإسلام ، ففي هذا الشهر الكريم تتجدّد الحياة المعنوية لأهل السير والسلوك الذين يُغِذّون السير صوب الكمال المطلق ، وتنبلج نفوسهم عن طاقات تجعلهم على اُهبة الاستعداد للقاء اللّه ، وبذا يمكن القول أن « فروردين » بداية تجديد دورة الحياة المادية للنباتات في عالم الطبيعة ، وأنَّ « شهر رمضان » بداية تجديد دورة الحياة المعنوية للإنسان في عالم الإنسانية .

1.راجع : بحار الأنوار : ج ۵۸ ص ۳۷۶ وجواهر الكلام : ج ۵ ص ۲۵ .

2.راجع : ص ۳۰ (خصائص شهر رمضان / أوّل السَّنة) . و ص ۲۸۰ ح ۳۴۷ .

3.راجع : ص ۲۱۲ (خصائص ليلة القدر / هي أوّل السَّنة وآخرها) .

4.راجع : ص ۲۸۰ ح ۳۴۷ .

  • نام منبع :
    مراقبات شهر رمضان
    المساعدون :
    الافقي، رسول
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 108467
الصفحه من 308
طباعه  ارسل الي