كتاب مولد فاطمة عليهاالسلام - الصفحه 176

۴.وعن ابن عباس قال : دخلتْ عائشة على النبيّ صلى الله عليه و آله وهو يقبّل فاطمة ـ صلوات اللّه عليها ـ فقالت له : يا رسول اللّه ، أتُقبّلها وهي ذات بعل؟!۱
فقال لها :
أما واللّه لو علمتِ وُدّي لها إذا لازددتِ لها حُبّا : إنّه لمّا عُرج بي إلى السماء فصرت إلى السماء الرابعة أذّن جبرئيل ، وأقام ميكائيل ، ثمّ قال لي : اُدنُ . فقلت : أدنو وأنت بحضرتي؟! فقال لي : نعم ؛ إنّ اللّه فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين ، و فضّلكَ أنت خاصّةً . فدنوتُ فصلّيتُ بأهل السماء الرابعة ، ثمّ التفتُّ عن يميني فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام في رَوضة من رياض الجنّة ، وقد اكتنفها جماعة من الملائكة .
ثمّ إني صرت إلى السماء الخامسة ، ومنها إلى السادسة فنوديتُ : يا محمّد ، نعم الأب أبوك إبراهيم ، و نعم الأخ أخوك عليّ .
فلمّا صرت إلى الحُجب أخذ جبرئيل بيديّ فأدخلني الجنّة ، فإذا أنا بشجرةٍ من نور [في ]أصلها ملكان يطويان الحُليّ و الحُلَل ، فقلت : حبيبي جبرئيل ، لمن هذه الشجرة؟ فقال : هذه لأخيك عليّ بن أبي طالب ، و هذان الملكان يطويان له الحُليّ والحلل إلى يوم القيامة .
ثمّ تقدّمت أمامي ، فإذا برُطب ألين من الزبد ، وأطيب رائحة من المسك ، وأحلى من العسل! فأخذت رُطَبةً فأكلتُها ، فتحوّلت الرُّطَبة نُطفةً في صلبي ، فلمّا أن هبطتُ على الأرض واقعتُ خديجة ، فحملتْ بفاطمة ؛ ففاطمة حوراء إنسيّة ؛ فإذا اشتقتُ إلى الجنّة شممت رائحة فاطمة . ۲

1.ويعود السؤال السابق هنا أيضا : فهل كان ابن عباس حاضرا ناظرا؟ أو ناقلاً عن من؟

2.نقل الإربلي الحديث السابق (۳) عن حذيفة ، ثمّ ذكر موارد الخلاف فيه مع هذا الحديث (۴) عن ابن عبّاس مرسلاً . و أسنده الصدوق في كتابه الآخر : علل الشرائع (ج ۱ ، ص ۳۱۸) عن أحمد بن حسن القطّان ، عن الحسن بن علي العسكري ، عن محمّد بن زكريّا ، عن عمر بن عمران ، عن عُبيد اللّه بن موسى القيسي ، عن جَبَلةَ المكّية ، عن طاووس اليماني ، عن ابن عبّاس . و نحن أوردناه عن علل الشرائع . ثمّ علّق الإربلي يقول : ربما سمع أمثال هذه الأحاديث الّتي تفرّد أصحابنا الشيعة بنقلها في هذا المعنى و غيره بعضُ المتسرّعين ، فيطلق لسانه بالطعن فيها و تكذيب مَن رواها ، غير ناظر في الأمر الذي من أجله صدّق ما رواه و كذّب غيره . و أنا أذكر فصلاً غرضي فيه الإنصاف و قصدي فيه توَخّي الحقّ ؛ واللّه يعلم أنّها عادتي في كلّ ما اُورده ، و طريقي في كلّ ما آتيه . و أنت ـ أيّدك اللّه ـ متى نظرت في ذلك نظر من يريد تحقيق الحقّ ، ظهر لك صحّة ما أوردته و حقيقة ما أردته . و بيان هذا : أنّه لا يقتضي عقلُ من يؤمن باللّه و اليوم الآخر ، و يقول بالبعث والنشور ، و يصدّق بالجنّة والنار : أن يسعى لنفسه في البعد من اللّه و رسوله و جنّته ، والقرب من عذاب اللّه وسخطه وناره ، نعوذ باللّه من ذلك! . فمن المحال أنّ الشيعي يعلم أنّ حديثا ورد في حقّ أحد الصحابة فيقول ببطلانه و يميل إلى تكذيبه ، أو يحرّفه عمّا ورد لأجله ؛ مكابرةً للحقّ و دفعا له بالراح ، و إقداما على اللّه و رسوله ، و كذبا على اللّه و رسوله ، و قد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار! و قال : من كذب عليّ كُلِّف أن يعقد شعرة من نار ، وليس بعاقد . فعلى هذا : لا يكون الرجل مسلما و هو يكذب على اللّه و رسوله : فكيف يفعل الشيعيّ مثل هذا أو يَقدم عليه و فيه من الخطر وسوء العاقبة ما ذكرت لك؟! والذي يجب أن يقال : أنّ الشيعة روت أحاديث نقلها رجالهم المعروفون عندهم بالأمانة والعدالة ، فنقلوها عنهم ، ولم يعرفوا رجال الجمهور لينقلوا عنهم ، و كذا حال اُولئك فيما رووه عن رجالهم . فأخبار هؤلاء لا تكون حجةً على اُولئك و بالعكس . ثمّ إنّ طوائف الجمهور ينقل بعضهم ما لا ينقله الباقون ، ويحرّم بعضهم ما أحلّه الآخرون ، و لا يتسرّعون فيما بينهم فيقولون : كذب فلان! و قد خالفه بل ربما اعتذر عنه و سمّاه مجتهدا و قال : إلى هذا أدّى اجتهاده ، و «اختلاف الاُمّة رحمة» في أمثال ذلك . ومتى سمعوا حديثا رواه الشيعة أقدموا على ردّه و كذّبوا ناقله و راويه ، مُسترسلين إلى ذلك ، و إنّما روي بالطرق الّتي بها رووا ، فهلّا عاملوه معاملتهم لأصحابهم الذين خالفوهم؟! ونضرب مثالاً يحصل به التأنيس بهذه المقدّمة ، و يقوم به عذر الشيعة عند من عساهُ ينصف و يقارب ، و قليلٌ ما هم : لا شبهة أنّ كتاب الجمع بين الصحيحين لمسلم والبخاري ، من أوثق الكتب و أصحّها نقلاً و أثبتها رجالاً عند الجمهور . و من رواة الأحاديث فيه : طلحة والزبير و عائشة ، و هم في مناصبتهم عليّا عليه السلام و مظاهرتهم عليه و حربهم له معروفو الحال ، حتى قُتل في «وقعة الجمل» اُلوف من الفريقين . و من رواة الحديث في هذا الكتاب : معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص ، و قد فعلا بعلي عليه السلام ما فعلا ، وأقدما على سبّه و حربه ، و نازعاه رداء الإمامة ، و حروبهم في «صفّين» معروفة ، و سرايا معاوية إلى الحجاز واليمن وقتل شيعة عليّ تحت كلّ حجر ومدر واضح جليّ . ومن رواة هذا الكتاب : المغيرة بن شعبة ، وحاله في الانحراف عن علي عليه السلام حالُه . ومن رواة هذا الكتاب : عمران بن حطّان ، وكان خارجيّا يلعن عليّا ويقول بكفره . فهل يُلام مُتشيع إذا وقف عن تصديق مَن هذا سبيله؟! فالشيعة تبعُ رجالهم الثقاة عندهم ، واُولئك تبعُ رجالهم الثقاة عندهم . وقد جرت العادة أنّه إذا تعارضَت البيّنات وتكافأت الأدلّة أن يرجَّح الحاكم إن وجد مرجّح . والشيعة يُسقطون ما رووه ، ويأخذون حاجتهم مما رواه الجمهور ، فيحصل مرادهم بإجماع الطائفتين . وهذا مُرجّح ظاهر لمن تأمّله . وهذا الحديث الذي أوجب إيراد هذا الكلام ليس بأغرب من حديث رووه في الصحاح : أنّه صلى الله عليه و آله قال لعمر : إني رأيت قصرا في الجنة ، مِن صفته كذا ومِن صفته كذا ، فقلت : لمن هذا؟ فقيل : لعمر ، وكنت أردت دخوله فذكرتُ غيرتك فولّيت مُدبرا! فبكى عمر وقال : ومنك أغار؟! في حديث هذا معناه . صحيح البخاري ، ج ۵ ، ص ۹ ، ط مكة ؛ وصحيح مسلم ، ج ۴ ص ۱۰۳ ، ط مصر . فكيف يُصدَّق أمثال هذا ويكذَّب أمثال ذاك لو لا الميل؟! نعوذ باللّه من شرور أنفسنا وغلبة الأهواء علينا . وليكن هذا القول في كل ما نورده من الأحاديث الّتي يرويها أصحابنا كافيا .

الصفحه من 190
الكلمات الدالة