دور النظام الإداري والاقتصادي للكوفة في التعبئة العسكرية للناس7
كانت التركيبة العرقية والعقيدية والسياسية لأهل الكوفة ، وكذلك خصائصهم النفسية ، تستوجب أن يكون للظروف الاقتصادية السائدة في هذه المدينة دور مؤثّر للغاية في تعبئتهم عسكرياً ، ومن أجل إيضاح هذا الموضوع من الضروري أن نشير إشارة قصيرة إلى النظام الإداري ومصادر دخل الأهالي :
أ ـ النظام الإداري
كانت أهمّ عناصر المنظومة الإدارية للكوفة عبارة عن :
أوّلا : الوالي
يمثّل «الوالي» أهمّ مسؤول تنفيذي في الكوفة ، حيث كان يعيّن بشكل مباشر من جانب رئيس الحكومة المركزية ، وتُوكَل إليه إدارة اُمور الكوفة وتوابعها ۱۲ .
ثانياً : رؤساء الأرباع
عندما عُيّن «زيادُ بن أبيه» عام 50 للهجرة أميراً على الكوفة ، ۳ قسّم جميع قبائل الكوفة إلى أربعة أقسام بهدف السيطرة أكثر على هذه المدينة ۴ : ربع أهل المدينة ، ربع تميم وهمدان ، ربع ربيعة وكندة ، ربع مذحج وأسد . وعيّن لكلّ ربع رئيساً ، حيث كان يسمّى مجموعهم رؤساء الأرباع . ۵
وكان الرؤساء الذين اختارهم زياد للأرباع هم بالترتيب كالتالي : عمرو بن حريث ، خالد بن عرفطة ، قيس بن الوليد وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري . ۶
وقد استعان مسلم بن عقيل بدوره بهذا النظام أيضاً عند القيام بنهضته وثورته ، حين نظّم أفراد كلّ ربع في الربع نفسه ، واختار هو نفسه رئيساً للربع غير الرئيس المنصوب من قبل الحكومة .
وتطالعنا خلال ثورة مسلم في الكوفة ـ وبعد اعتقال هاني ومحاصرة القصر ـ أسماء رؤساء الأرباع المعيّنين من جانبه وهم :
مسلم بن عوسجة الأسدي رئيس ربع مذحج وأسد ، عبيد اللّه بن عمر بن عزيز الكندي رئيس ربع كندة وربيعة ، عبّاس بن جعدة الجدلي رئيس ربع أهل المدينة ، وأبو ثمامة الصائدي رئيس ربع تميم وهمدان . ۷
ولم يكن هاني بن عروة يتولّى رئاسة ربع كندة وربيعة من جانب الحكومة ، ولكنّه كان يتمتّع بالاحترام الكبير بين أهالي هذا الربع الذي كان أكثر أرباع الكوفة سكّاناً ، وبلغ هذا الاحترام درجة بحيث يقال: إنّه إذا طلب المساعدة هبّ ثلاثون ألف سيف لنجدته ، ۸ ولكنّ ابن زياد استطاع بسياساته واستغلال عمرو بن الحجّاج الزبيدي المنافس ل«هاني» أن يخفض هذا التأثير إلى الحدّ الأدنى ، وأن يقتله في النهاية دون أن يبدي الربع أيّ تحرك ! ۹
1.كانت مدن إيران الكبرى : آذربايجان ، زنجان ، قزوين ، طبرستان ، كابل تعدّ من توابع الكوفة آنذاك .
2.تاريخ العراق في عصور الخلافة العربية : ص ۲۱ .
3.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۲۳۵ .
4.الأعلام للزركلي : ج ۳ ص ۵۳ .
5.مجلّة مشكاة : العدد ۵۳ ص ۳۰ .
6.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۲۶۸ .
7.راجع : ص ۱۲۷ (الفصل الرابع / دعوة مسلم قوّاته والحركة نحو القصر) .
8.تاريخ الكوفة : ص ۲۹۷ .
9.ممّا يجدر ذكره أنّ القبائل المختلفة التي كانت تشارك في الفتوح كانت تدار قبل تأسيس مدينة الكوفة تحت نظام «الأعشار» ، وبعد توطّن جيش سعد مدينة الكوفة اُسّس «نظام الأسباع» بدلاً من «نظام الأعشار» بأمر الخليفة الثاني ، واستمرّ هذا النظام حتّى عهد إمارة «زياد» (مجلّة «مشكاة» : العدد ۵۳ ص ۲۹ وراجع : تاريخ الطبري : ج ۴ ص ۴۸) .