231
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2

بيعة يزيد في المدينة المشرّفة

حجّ معاوية في سنة 50 ه ، واعتمر في رجب سنة 56 ه ، وكان في كلا السفرين يسعى وراء بيعة يزيد ، وله في ذلك خطوات واسعة ومواقف ومفاوضات مع بقيّة الصحابة ووجوه الاُمّة ، غير أنّ المؤرّخين خلطوا أخبار الرحلتين بعضها ببعض وما فصّلوها تفصيلاً .

الرحلة الاُولى

قال ابن قتيبة : قالوا : استخار اللّه معاوية ، وأعرض عن ذكر البيعة حتّى قدم المدينة سنة خمسين ، فتلقّاه الناس ، فلمّا استقرّ في منزله أرسل إلى عبداللّه بن عبّاس ، وعبداللّه بن جعفر بن أبي طالب ، وإلى عبداللّه بن عمر ، وإلى عبداللّه بن الزبير ، وأمر حاجبه أن لا يأذن لأحدٍ من الناس حتّى يخرج هؤلاء النفر . فلمّا جلسوا تكلّم معاوية فقال :
الحمد للّه الّذي أمرنا بحمده ، ووعدنا عليه ثوابه ، نحمده كثيرا كما أنعم علينا كثيرا ، وأشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله .
أمّا بعد : فإنّي قد كبر سنّي ووهن عظمي ، وقرب أجلي وأوشكت أن اُدعى فاُجيب ، وقد رأيت أن أستخلف عليكم بعدي يزيد ، ورأيته لكم رضىً ، وأنتم عبادلة قريش وخيارها وأبناء خيارها ، ولم يمنعني أن اُحضر حسنا وحسينا إلّا أنّهما أولاد أبيهما ، على حسن رأيي فيهما ، وشديد محبّتي لهما ، فردّوا على أمير المؤمنين خيرا يرحمكم اللّه .
فتكلّم عبداللّه بن العبّاس فقال :
الحمد للّه الّذي ألهمنا أن نحمده ، واستوجب علينا الشكر على آلائه وحسن بلائه ، وأشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، وصلّى اللّه على محمّد وآل محمّد .
أمّا بعد ، فإنّك قد تكلّمت فأنصتنا ، وقلت فسمعنا ، وإنّ اللّه جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه اختار محمّدا صلى الله عليه و آله لرسالته ، واختاره لوحيه ، وشرّفه على خلقه ، فأشرف الناس من تشرّف به ، وأولاهم بالأمر أخصّهم به ، وإنّما على الاُمّة التسليم لنبيّها إذ اختاره اللّه لها ، فإنّه إنّما اختار محمّدا بعلمه وهو العليم الخبير ، وأستغفر اللّه لي ولكم .
فقام عبداللّه بن جعفر ، فقال :
الحمد للّه أهل الحمد ومنتهاه ، نحمده على إلهامنا حمده ، ونرغب إليه في تأدية حقّه ، وأشهد أن لا إله إلّا اللّه واحدا صمدا لم يتّخذ صاحبةً ولا ولدا ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله صلى الله عليه و آله .
أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة إن اُخذ فيها بالقرآن ، «أُوْلُواْ الأَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَـبِ اللَّهِ»۱ ، وإن اُخذ فيها بسنّة رسول اللّه فاُولو رسول اللّه ، وإن اُخذ بسنّة الشيخين أبي بكر وعمر فأيّ الناس أفضل وأكمل وأحقّ بهذا الأمر من آل الرسول . وأيم اللّه ، لو ولّوه بعد نبيّهم لوضعوا الأمر موضعه ، لحقّه وصدقه ، ولاُطيع اللّه وعُصي الشيطان ، وما اختلف في الاُمّة سيفان ، فاتّق اللّه يا معاوية ! فإنّك قد صرت راعيا ونحن الرعيّة ، فانظر لرعيّتك ؛ فإنّك مسؤول عنها غدا . وأمّا ما ذكرت من ابنَي عمّي وتركك أن تحضرهما ، فواللّه ، ما أصبت الحقّ ، ولا يجوز لك ذلك إلّا بهما ، وإنّك لتعلم أنّهما معدن العلم والكرم ، فقُل أو دع ، وأستغفر اللّه لي ولكم .
فتكلّم عبداللّه بن الزبير ، فقال :
الحمد للّه الذي عرّفنا دينه ، وأكرمنا برسوله ، أحمده على ما أبلى وأولى ، وأشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا عبده ورسوله .
أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة لقريش خاصّة ، تتناولها بمآثرها السنيّة وأفعالها المرضيّة ، مع شرف الآباء ، وكرم الأبناء ، فاتّق اللّه يا معاوية ! وأنصف من نفسك ؛ فإنّ هذا عبداللّه بن عبّاس ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهذا عبداللّه بن جعفر ذو الجناحين ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنا عبداللّه بن الزبير ابن عمّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وعليُّ خلّف حسنا وحسينا ، وأنت تعلم مَن هما وما هما ، فاتّق اللّه يا معاوية ! وأنت الحاكم بيننا وبين نفسك .
فتكلّم عبداللّه بن عمر ، فقال :
الحمد للّه الّذي أكرمنا بدينه وشرّفنا بنبيّه صلى الله عليه و آله .
أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة ليست بهرقليّة ولا قيصريّة ولا كسرويّة يتوارثها الأبناء عن الآباء ، ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي ، فواللّه ، ما أدخلني مع الستّة من أصحاب الشورى ، إلّا أنّ الخلافة ليست شرطا مشروطا ، وإنّما هي في قريش خاصّة ، لمن كان لها أهلاً ممّن ارتضاه المسلمون لأنفسهم ، مَن كان أتقى وأرضى ، فإن كنتَ تريد الفتيان من قريش ، فلعمري إنّ يزيد من فتيانها ، واعلم أنّه لا يغني عنك من اللّه شيئا .
فتكلّم معاوية فقال :
قد قلت وقلتم ، وإنّه قد ذهبت الآباء وبقيت الأبناء ، فابني أحبّ إليَّ من أبنائهم ، مع أنّ ابني إن قاولتموه وجد مقالاً ، وإنّما كان هذا الأمر لبني عبد مناف ؛ لأنّهم أهل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا مضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولّى الناسُ أبا بكر وعمر من غير معدن الملك والخلافة ، غير أنّهما سارا بسيرةٍ جميلة ، ثمّ رجع الملك إلى بني عبد مناف ، فلا يزال فيهم إلى يوم القيامة ، وقد أخرجك اللّه يا بن الزبير وأنت يابن عمر منها ، فأمّا ابنا عمّي هذان ۲ فليسا بخارجين من الرأي إن شاء اللّه .
ثمّ أمر بالرحلة ، وأعرض عن ذكر البيعة ليزيد ، ولم يقطع عنهم شيئا من صِلاتهم واُعطياتهم ، ثمّ انصرف راجعا إلى الشام ، وسكت عن البيعة فلم يعرض لها إلى سنة إحدى وخمسين . ۳
قال الأميني : لم يذكر في هذا اللفظ ما تكلّم به عبد الرحمن ، ذكره ابن حجر في الإصابة ج 2 ص 408 ۴ ، قال : خطب معاوية فدعا الناس إلى بيعة يزيد ، فكلّمه الحسين بن عليّ عليه السلام وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر ، فقال له عبد الرحمن :
أهرقليّة ؟ كلّما مات قيصر كان قيصر مكانه ؟ ! لا نفعل واللّه أبدا .

1.الأنفال : ۷۵ .

2.يريد عبداللّه بن عبّاس وعبداللّه بن جعفر .

3.الإمامة والسياسة : ج ۱ ص ۱۹۴ ، جمهرة الخطب : ج ۲ ص ۲۴۹ .

4.وفي الطبعة المعتمدة : ج ۴ ص ۲۷۶ الرقم ۵۱۶۷ .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2
230

كتاب معاوية إلى عبداللّه بن جعفر

كتب إلى عبداللّه :
أمّا بعد ، فقد عرفتَ أثَرَتي إيّاك على مَن سِواك ، وحسن رأيي فيك وفي أهل بيتك ، وقد أتاني عنك ما أكره ، فإن بايعت تُشكر ، وإن تأبَ تُجبر ، والسّلام . ۱
فكتب إليه عبداللّه بن جعفر :
أمّا بعد ، فقد جاءني كتابك ، وفهمتُ ما ذكرتَ فيه من أثرتك إيّاي على من سواي ، فإن تفعل فبحظّك أصبت ، وإن تأبَ فبنفسك قصّرت . وأمّا ما ذكرت من جبرك إيّاي على البيعة ليزيد ، فلعمري لئن أجبرتني عليها لقد أجبرناك وأباك على الإسلام ، حتّى أدخلناكما كارهَين غير طائعَين والسّلام . ۲
وكتب معاوية إلى عبداللّه بن الزبير :
رأيت كرام الناس إن كفّ عنهمبحلم رأوا فضلاً لمن قد تحلّما
ولا سيّما إن كان عفوا بقدرةفذلك أحرى أن يجلّ ويعظما
ولست بذي لؤم فتعذر بالّذيأتيته من أخلاق مَن كان ألوما
ولكنّ غشّا لست تعرف غيرهوقد غشّ قبل اليوم إبليس آدما
فما غشّ إلّا نفسه في فعالهفأصبح ملعونا وقد كان مكرَها
وإنِّي لأخشى أن أنا لك بالّذيأردت فيجزي اللّه مَن كان أظلما
فكتب عبداللّه بن الزبير إلى معاوية :
ألا سمع اللّه الذي أنا عبدهُفأخزى إله الناس من كان أظلما
وأجرى على اللّه العظيم بحلمهوأسرعهم في الموبقات تقحّما
أغرّك۳أن قالوا : حليم بعزّةوليس بذي حلم ولكن تحلّما
ولو رمت ما أن قد عزمت وجدتنيهزبر۴عرين يترك القرن۵أكتما
واُقسم لولا بيعة لك لم أكنلأنقضها لم تنج منّي مسلما۶

1.الإمامة والسياسة : ج ۱ ص ۲۰۱ .

2.الإمامة والسياسة : ج ۱ ص ۲۰۲ .

3.اغترّ بالشيء : خُدِعَ به (الصحاح : ج ۲ ص ۷۶۸ «غرر») .

4.الهِزَبْرُ : الأسد (القاموس المحيط : ج ۲ ص ۱۶۱ «هزبر») .

5.القرن ـ بالكسر ـ : إذا كان مثله في الشجاعة والشدّة (لسان العرب : ج ۱۳ ص ۳۳۶ «قرن») .

6.الإمامة والسياسة : ج ۱ ص ۲۰۱ و ۲۰۲ .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1389
عدد المشاهدين : 140949
الصفحه من 411
طباعه  ارسل الي