241
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2

موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2
240

كلمة الإمام السبط

فتيسّر ۱ ابن عبّاس للكلام ونصب يده للمخاطبة ، فأشار إليه الحسين عليه السلام وقال :
عَلى رِسلِكَ ، فَأَنَا المُرادُ ، ونَصيبي فِي التُّهَمَةِ أوفَرُ .
فأمسك ابن عبّاس ، فقام الحسين عليه السلام فحمد اللّه وصلّى على الرسول ، ثمّ قال :
أمّا بَعدُ يا مُعاوِيَةُ ! فَلَن يُؤَدِّيَ القائِلُ وإن أطنَبَ ۲
في صِفَةِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله مِن جَميعٍ جُزءا ، وقَد فَهِمتُ ما لَبَستَ بِهِ الخَلَفَ بَعدَ رَسولِ اللّه ِ مِن إيجازِ الصِّفَةِ وَالتَّنَكُّبِ عَنِ استِبلاغِ البَيعَةِ ۳ ، وهَيهاتَ هَيهاتَ يا مُعاوِيَةُ ! فَضَحَ الصُّبحُ فَحمَةَ الدُّجى ، وبَهَرَتِ الشَّمسُ أنوارَ السُّرُجِ ، ولَقَد فَضَّلتَ حَتّى أفرَطتَ ، وَاستَأثَرتَ حَتّى أجحَفتَ ، ومَنَعتَ حَتّى بَخِلتَ ۴ ، وجُرتَ حَتّى جاوَزتَ ، ما بَذَلتَ لِذي حَقٍّ مِن أتَمِّ ۵ حَقِّهِ بِنَصيبٍ ، حَتّى أخَذَ الشَّيطانُ حَظَّهُ الأَوفَرَ ونَصيبَهُ الأَكمَلَ .
وفَهِمتُ ما ذَكَرتَهُ عَن يَزيدَ مِنِ اكتِمالِهِ وسِياسَتِهِ لِاُمَّةِ مُحَمَّدٍ ، تُريدُ أن توهِمَ النّاسَ في يَزيدَ ، كَأَنَّكَ تَصِفُ مَحجوبا أو تَنعَتُ غائِبا ، أو تُخبِرُ عَمّا كانَ مِمَّا احتَوَيتَهُ بِعِلمٍ خاصٍّ ، وقَد دَلَّ يَزيدُ مِن نَفسِهِ عَلى مَوقِعِ رَأيِهِ ، فَخُذ لِيَزيدَ فيما أخَذَ بِهِ ، مِنِ استِقرائِهِ الكِلابَ المُهارِشَةَ ۶ عِندَ التَّحارُشِ ، وَالحَمامَ السِّبقَ لِأَترابِهِنَّ ، وَالقيناتِ ۷ ذَواتِ المَعازِفِ ، وضُروبِ المَلاهي ، تَجِدهُ ناصِرا ۸ .
ودَع عَنكَ ما تُحاوِلُ ، فَما أغناكَ أن تَلقَى اللّه َ بِوِزرِ هذَا الخَلقِ بِأَكثَرَ مِمّا أنتَ لاقيهِ ، فَوَاللّه ِ ما بَرِحتَ تُقَدِّرُ ۹ باطِلاً فى جَورٍ ، وحَنَقا في ظُلمٍ ، حَتّى مَلَأتَ الأَسقِيَةَ ، وما بَينَكَ وبَينَ المَوتِ إلّا غَمضَةٌ ، فَتَقدَمُ عَلى عَمَلٍ مَحفوظٍ في يَومٍ مَشهودٍ ، ولاتَ حينَ مَناصٍ ۱۰ .
ورَأَيتُكَ عَرَضتَ بِنا بَعدَ هذَا الأَمرِ ، ومَنَعتَنا عَن آبائِنا [تُراثا] ۱۱ ، ولَقَد ـ لَعَمرُ اللّه ِ ـ أورَثَنَا الرَّسولُ عليه السلام وِلادَةً وجِئتَ لَنا بِها ، ما ۱۲
حَجَجتُم بِهِ القائِمَ عِندَ مَوتِ الرَّسولِ فَأَذعَنَ لِلحُجَّةِ بِذلِكَ ، ورَدَّهُ الإِيمانُ إلَى النَّصَفِ ، فَرَكِبتُمُ الأَعاليلَ ، وفَعَلتُمُ الأَفاعيلَ ، وقُلتُم : كانَ ويَكونُ ، حَتّى أتاكَ الأَمرُ ـ يا مُعاوِيَةُ ـ مِن طَريقٍ كانَ قَصدُها لِغَيرِكَ ، فَهُناكَ «فَاعْتَبِرُواْ يَـأُوْلِى الْأَبْصَـرِ»۱۳ .
وذَكَرتَ قِيادَةَ الرَّجُلِ القَومَ بِعَهدِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وتَأميرَهُ لَهُ ، وقَد كانَ ذلِكَ ولِعَمرِو بنِ العاصِ يَومَئِذٍ فَضيلَةٌ بِصُحبَةِ الرَّسولِ وبَيعَتِهِ لَهُ ، وما صارَ لِعَمرٍو يَومَئِذٍ حَتّى أنِفَ القَومُ إمرَتَهُ وكَرِهوا تَقديمَهُ ، وعَدّوا عَلَيهِ أفعالَهُ ، فَقالَ صلى الله عليه و آله : «لا جَرَمَ مَعشَرَ المُهاجِرينَ ، لا يَعمَلُ عَلَيكُم بَعدَ اليَومِ غَيري » ، فَكَيفَ تَحتَجُّ بِالمَنسوخِ مِن فِعلِ الرَّسولِ في أوكَدِ الأَحوالِ وأولاها بِالمُجتَمَعِ عَلَيهِ مِنَ الصَّوابِ ؟ أم كَيفَ صاحَبتَ بِصاحِبٍ تابِعٍ وحَولَكَ مَن لا يُؤمَنُ في صُحبَتِهِ ، ولا يُعتَمَدُ في دينِهِ وقَرابَتِهِ ، وتَتَخَطّاهُم إلى مُسرِفٍ مَفتونٍ ، تُريدُ أن تَلبِسَ النّاسَ شُبهَةً يَسعَدُ بِهَا الباقي في دُنياهُ وتَشقى بِها في آخِرَتِكَ ، إنَّ هذا لَهُوَ الخُسرانُ المُبينُ ، وَأستَغفِرُ اللّه َ لي ولَكُم .
فنظر معاوية إلى ابن عبّاس ، فقال : ما هذا يابن عبّاس ؟ ولما عندك أدهى وأمرّ .
فقال ابن عبّاس :
لعمر اللّه ، إنّها لذرّية الرسول ، وأحد أصحاب الكساء ، ومن البيت المطهّر ، فَالهَ عمّا تريد ، فإنّ لك في الناس مُقنِعا حتّى يحكم اللّه بأمره وهو خير الحاكمين .
فقال معاوية :
أعوَد ۱۴ الحلم التحلّم ، وخيره التحلّم عن الأهل ، انصرفا في حفظ اللّه .
ثمّ أرسل معاوية إلى عبد الرحمن بن أبي بكر ، وإلى عبداللّه بن عمر ، وإلى عبداللّه بن الزبير ، فجلسوا ، فحمد اللّه وأثنى عليه معاوية ، ثمّ قال :
يا عبداللّه بن عمر ، قد كنت تحدّثنا أنّك لا تُحبّ أن تبيت ليلة وليس في عنقك بيعة جماعة ، وإنّ لك الدنيا وما فيها ، وإنّي اُحذّرك أن تشقّ عصا المسلمين ، وتسعى في تفريق ملئهم ، وأن تسفك دماءهم ، وإنّ أمر يزيد قد كان قضاء من القضاء ، وليس للعباد خيرة من أمرهم ، وقد وكّد الناس بيعتهم في أعناقهم ، وأعطوا على ذلك عهودهم ومواثيقهم . ثمّ سكت .
فتكلّم عبداللّه بن عمر ، فحمد اللّه وأثنى عليه . ثمّ قال :
أمّا بعد : يا معاوية ، قد كان قبلك خلفاء وكان لهم بنون ، ليس ابنك بخير من أبنائهم ، فلم يروا في أبنائهم ما رأيت في ابنك ، فلم يحابوا في هذا الأمر أحدا ، ولكن اختاروا لهذه الاُمّة حيث علموهم ، وإن تحذّرني أن أشقّ عصا المسلمين ، واُفرّق ملأهم ، وأسفك دماءهم ، ولم أكن لأفعل ذلك إن شاء اللّه ، ولكن إن استقام الناس فسأدخل في صالح ما تدخل فيه اُمّة محمّد صلى الله عليه و آله .
فقال معاوية : يرحمك اللّه ! ليس عندك خلافٌ .
ثمّ قال معاوية لعبد الرحمن بن أبي بكر نحو ما قاله لعبد اللّه بن عمر ، فقال له عبد الرحمن :
إنّك واللّه لوددنا أن نكلك إلى اللّه فيما جسرت عليه من أمر يزيد ، والّذي نفسي بيده لتجعلنّها شورى أو لأعيدها جذَعةً ۱۵ .
ثمّ قام ليخرج فتعلّق معاوية بطرف ردائه ، ثمّ قال :
على رسلك ، اللّهمّ اكفنيه بما شئت ، لا تظهرنّ لأهل الشام ؛ فإنّي أخشى عليك منهم .
ثمّ قال لابن الزبير نحو ما قاله لابن عمر ، ثمّ قال له :
أنت ثعلب روّاغ ، كلّما خرجت من جُحر انجحرت في آخر ، أنت ألّبت هذين الرجلين ، وأخرجتهما إلى ما خرجا إليه .
فقال ابن الزبير :
أتريد أن تبايع ليزيد ؟ أرأيت إن بايعناه أيّكما نطيع ، أنطيعك أم نطيعه ؟ ! إن كنت مللت الخلافة فاخرج منها وبايع ليزيد فنحن نبايعه .
فكثر كلامه وكلام ابن الزبير ، حتّى قال له معاوية في بعض كلامه : واللّه ، ما أراك إلّا قاتلاً نفسك ، ولكأنّي بك قد تخبّطت في الحبالة ۱۶ . ثمّ أمرهم بالانصراف ، واحتجب عن الناس ثلاثة أيّام لا يخرج .
ثمّ خرج ، فأمر المنادي أن ينادي في الناس أن يجتمعوا لأمرٍ جامع ، فاجتمع الناس في المسجد ، وقعّد هؤلاء ۱۷ حول المنبر ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ ذكر يزيد فضله وقراءته القرآن ، ثمّ قال :
يا أهل المدينة ! لقد هممت بيعة يزيد وما تركت قرية ولا مدرة ۱۸ إلّا بعثت إليها بيعته ، فبايع الناس جميعا وسلّموا ، وأخّرت المدينة بيعته ، وقلتُ : بيضته وأصله ، ومن لا أخافهم عليه ، وكان الّذين أبوا البيعة منهم من كان أجدر أن يصله ، واللّه لو علمت مكان أحدٍ هو خير للمسلمين من يزيد لبايعت له .
فقام الحسين عليه السلام فقال : وَاللّه ِ ، لَقَد تَرَكتَ مَن هُوَ خَيرٌ مِنهُ أبا واُمّا ونَفسا . فقال معاوية : كأنّك تريد نفسك ؟ فقال الحسين عليه السلام : نَعَم ، أصلَحَكَ اللّه ُ .
فقال معاوية :
إذا اُخبِرُك ، أمّا قولك : خير منه اُمّا ، فلعمري اُمّك خير من اُمّه ، ولو لم يكن إلّا أنّها امرأة من قريش لكان لنساء قريش أفضلهنّ ، فكيف وهي ابنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ ثمّ فاطمة في دينها وسابقتها ، فاُمّك لعمر اللّه خير من اُمّه . وأمّا أبوك فقد حاكم أباه إلى اللّه ، فقضى لأبيه على أبيك .
فقال الحسين عليه السلام : حَسبُكَ جَهلُكَ ؛ آثَرتَ العاجِلَ عَلَى الآجِلِ . فقال معاوية : وأمّا ما ذكرت من أنّك خير من يزيد نفسا ، فيزيد واللّه خير لاُمّة محمّد منك ! !
فقال الحسين عليه السلام : هذا هُوَ الإِفكُ وَالزّورُ ، يَزيدُ شارِبُ الخَمرِ ومُشتَرِي اللَّهوِ خَيرٌ مِنّي ؟ ! فقال معاوية : مهلاً عن شتم ابن عمّك ؛ فإنّك لو ذكرت عنده بسوء لم يشتمك .
ثمّ التفت معاوية إلى الناس وقال :
أيّها الناس ، قد علمتم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قُبض ولم يستخلف أحدا ، فرأى المسلمون أن يستخلفوا أبا بكر ، وكانت بيعته بيعة هدى ، فعمل بكتاب اللّه وسنّة نبيّه ، فلمّا حضرته الوفاة رأى أن [يستخلف عمر ، فعمل عمر بكتاب اللّه وسنّة نبيّه ، فلمّا حضرته الوفاة رأى أن] ۱۹ يجعلها شورى بين ستّة نفر اختارهم من المسلمين ، فصنع أبو بكر ما لم يصنعه رسول اللّه ، وصنع عمر ما لم يصنعه أبو بكر ، كلّ ذلك يصنعون نظرا للمسلمين ، فلذلك رأيت أن اُبايع ليزيد لما وقع الناس فيه من الاختلاف ، ونظرا لهم بعين الإنصاف . ۲۰

1.تيسّر لفلان : أي تهيّأ (لسان العرب : ج ۵ ص ۲۹۶ «يسر») .

2.أطنب في الكلام : بالغ فيه (الصحاح : ج ۱ ص ۱۷۲ «طنب») .

3.في الإمامة والسياسة : «النعت» بدل «البيعة» .

4.في الإمامة والسياسة : «مَحَلتَ» بدل «بخلت» .

5.في الإمامة والسياسة : «اسم» بدل «أتمّ» .

6.المهارشة بالكلاب : هو تحريش بعضها على بعض (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۲۷ «هرش») .

7.القينة : الأمة مغنّية كانت أو غير مغنّية (الصحاح : ج ۶ ص ۲۱۸۶ «قنن») .

8.في الإمامة والسياسة : «باصرا» بدل «ناصرا» .

9.في الإمامة والسياسة : «تَقدَحُ» بدل «تقدّر» .

10.ولات حين مناص : أي ليس وقت تأخّر وفِرار (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۶۰ «نوص») .

11.ما بين المعقوفين أثبتناه من الإمامة والسياسة .

12.في الإمامة والسياسة : «أما» بدل «ما» .

13.الحشر : ۲ .

14.العائدة : العطف والمنفعة . يقال : هذا الشيء أعود عليك من كذا ؛ أي أنفع (الصحاح : ج ۲ ص ۵۱۴ «عود») .

15.أعدت الأمر جَذَعا : أي جديدا كما بدأ (لسان العرب : ج ۸ ص ۴۴ «جذع») .

16.الحِبالة : ما يُصاد بها من أيّ شيء كان (النهاية : ج ۱ ص ۳۳۳ «حبل») .

17.يعني المتخلّفين عن بيعة يزيد .

18.العرب تسمّي القرية مدرة ؛ لأنّ بنيانها غالبا من المدر [أي الطين] (المجموع : ج ۱۸ ص ۵۴) .

19.ما بين المعقوفين أثبتناه من الإمامة والسياسة .

20.الإمامة والسياسة : ج ۱ ص ۲۰۴ ـ ۲۱۲ ، تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۳۰۳ وراجع : المعجم الكبير : ج ۱۹ ص ۳۵۶ ح ۸۳۳ .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1389
عدد المشاهدين : 141094
الصفحه من 411
طباعه  ارسل الي