345
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2

2 . علم الأئمّة عليهم السلام بالغيب

من العقائد المؤكّدة والضروريّة لدى الشيعة هي علم الأئمّة بالغيب . نعم، هناك اختلافات طفيفة في وجهات النظر في مقدار ذلك العلم ومداه ، ولكنّ الشكوك لا تعتري أصله بأيّ شكل من الأشكال. وبالطبع فإنّ الشيعة يعتبرون هذا العلم بالغيب من باب إذن اللّه ، وفي طول علمه سبحانه لكن في الرتبة الإنسانيّة . وتستند هذه العقيدة إلى الروايات الكثيرة التي نقلت في مصادر الحديث.

3. عدم حيلولة علم الغيب دون أداء الواجبات الظاهريّة

من القضايا التي أدّت إلى الانزلاق والمغالطة في هذا البحث ، هي عدم الالتفات إلى أنّ علم الغيب لا يحول دون أداء الواجبات الظاهريّة . وبعبارة اُخرى: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام كانوا يتمتّعون بعلم الغيب ، إلّا أنّهم لم يتّخذوه أساساً لأداء الواجبات ، فرسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يفعل ذلك في قضاياه وأحكامه ، بل وحتّى عند توجّهه إلى ساحة الحرب والقتال، بل كان يقول :
إنَّما أقضي بَينَكُم بِالبَيِّناتِ وَالأَيمانِ ، وبَعضُكُم ألحَنُ بِحُجَّتِهِ مِن بَعضٍ ، فَأَيُّما رَجُلٍ قَطَعتُ لَهُ مِن مالِ أخيهِ شَيئاً فَإِنَّما قَطَعتُ لَهُ بِهِ قِطعَةً مِنَ النّارِ . ۱
ولو لم يكن الأمر كذلك فسوف يكون من الصعب تبرير ذهابه إلى مكّة وإحرامه ، وانتهاء ذلك إلى صلح الحديبيّة ، وكذا معركة اُحد ، والكثير من الأحداث الاُخرى .
وبعبارة أوضح : إنّ أئمّة الدين كانوا يستندون إلى الأساليب المتعارفة في تحصيل العلم والوعي في الشؤون الاجتماعيّة والعلاقات بين الناس ، ولم يكونوا يوظّفون معلوماتهم الغيبيّة لذلك . نعم، قد يعتمدون عليها أحيانا لإظهار معاجزهم أو كراماتهم ، ومع ذلك فلم يكن اُسلوبهم الرائج به والمتعارف عليه.
كتب العلّامة المجلسي في جلاء العيون وكذا في الرسالة التي كتبها حول حكمة شهادة الإمام الحسين عليه السلام :
الشبهة العالقة في أذهان العوامّ وهي لماذا توجّه [الإمام الحسين عليه السلام ] إلى كربلاء واصطحب معه أهل بيته، رغم أنّه كان يعلم بشهادته؟ يمكن تقديم عدّة أجوبة عليها ، فجوابها المجمل أنّنا يجب ألّا نقيس أحوال أئمّة الدين [في موضوع علم الغيب والاطّلاع على القضاء والقدر ]بأحوالنا ، فتكليفهم هو تكليف آخر. وإذا ماكان تكليف المطّلعين على أسرار قضاء الحقّ تعالى وقدره كتكليفنا في هذا الباب ، وكان بمقدورهم رفع تلك القضاءات، لكان من اللّازم ألّا يجري عليهم أيّ قضاء ، ولا يبتلوا بأيّ بلاء ، وأن تقع جميع الاُمور حسب رغبتهم البدنيّة ، وهو ما يخالف مصلحة العليم القدير.
وعلى هذا ينبغي ألّا يكونوا مكلّفين بالعلم الواقع ، وأن يشتركوا مع سائر الناس في التكاليف الظاهريّة ، كما أنّهم كانوا مكلّفين بالظاهر في باب طهارة الأشياء ونجاستها ، وإيمان العباد وكفرهم. ولو كانوا مكلّفين بالعلم الواقع، لكان من الواجب ألّا يعاشروا أيّ أحد ، ويعتبروا كلّ الأشياء نجسة ، ويحكموا بكفر أكثر العالم... وإذا ما كان الأمر كذلك، فإنّ الإمام الحسين عليه السلام كان مكلّفاً بحسب الظاهر بأن يجاهد المنافقين والكفّار مع وجود الأعوان والأنصار . ۲
كما كتب العلّامة الطباطبائي في الرسالة التي ألّفها حول علم الإمام بالغيب ، ونقد فيها بشكل غير مباشر بعض وجهات النظر في مجال هدف ثورة الإمام الحسين عليه السلام ، قائلاً:
وردت عن طريق النقل، روايات متواترة بأنّ ... الإمام عليه السلام مطّلع على جميع الاُمور عن طريق الموهبة الإلهية، لا عن طريق الاكتساب ، وأنّه يعرف كلّ ما يريده بأدنى التفات بإذن اللّه ... [ولكن ]أيّ نوع من التكليف لا يتعلّق بمتعلّق هذا النوع من العلم من ناحية أنّه متعلَّق هذا النوع من العلم وحتميّ الوقوع ، كما لا يرتبط به قصد وطلب من الإنسان... .
وهذا العلم الممنوح للإمام عليه السلام ليس له أثر في أعماله ، ولا علاقة له بتكاليفه الخاصّة ؛ إذ إنّ كلّ أمر يرتبط بالقضاء الحتمي لا يتعلّق به الأمر أو النهي، أو الإرادة والقصد الإنساني ... .
وليس من الصحيح أن نعتبر ظواهر أعمال الإمام عليه السلام ، والتي يمكن تطبيقها على العلل والأسباب الظاهريّة، دليلاً على عدم امتلاك هذا العلم الفطريّ وشاهدا على الجهل بالواقع. كأن يقال : إن كان سيّد الشهداء عليه السلام عالما بالواقع فلماذا أرسل مسلماً سفيراً له إلى الكوفة؟ ولماذا بعث كتاباً إلى أهل الكوفة بواسطة الصيداوي، ولماذا توجّه بنفسه من مكّة إلى الكوفة...؟
والإجابة على هذه الأسئلة ونظائرها تتّضح من خلال الملاحظة المشار إليها ، فقد عمل الإمام عليه السلام في هذه المواضع وأمثالها بالعلوم التي نحصل عليها من المجاري العاديّة ، ومن الشواهد والقرائن . ۳

1.الكافي : ج ۷ ص ۴۱۴ ح ۱ .

2.جلاء العيون : ص ۷۰۰- ۷۰۱، مجموعة رسائل اعتقادي «بالفارسيّة» : ص ۱۹۹ - ۲۰۰.

3.سرگذشت كتاب شهيد جاويد «بالفارسية» : ص ۵۲۸ - ۵۳۲.


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2
344

أوّلاً: الفرضيّات

لا شكّ في أنّنا لا نستطيع تحليل حادثة عاشوراء ونهضة الإمام الحسين عليه السلام خارج إطار العقائد الشيعيّة المسلّم بها والمستوحاة من القرآن والسنّة والتاريخ، وكذلك المسلّمات العقلية والعقلائية، وتتقوّم هذه الفرضيّات بالمعتقدات الدينيّة والمسلّمات العقليّة والعقلائية، وسنذكر أهمّها بشكل مقتضب :

1 . الأهداف العامّة للإمامة والخلافة الإلهيّة

يستند الشيعة في بحث إثبات الإمامة إلى النصوص المؤكّدة الواردة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله بشأن ضرورة الإمامة ، مضافا إلى اُمور يرونها من شؤون الإمامة ، ومنها :
أ ـ بيان معاني القرآن وسنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ب ـ السعي من أجل حفظ الدين وصيانته من الاضمحلال والانحراف .
ج ـ السعي من أجل تطبيق الدين وتحقّقه .
د ـ الاقتداء.
وقد وظّف الأئمّة عليهم السلام أقوالهم وأفعالهم وحياتهم ومماتهم وكرّسوها في طريق تحقيق هذه الأهداف ، فضلاً عن أنّهم رسموا لأنفسهم أهدافاً سامية في النصوص الكثيرة التي أشاروا فيها إلى مكانتهم ، مثل رواية الإمام الرضا عليه السلام في بيان أبعاد الإمامة :
إنَّ الإِمامَةَ زِمامُ الدّينِ ، ونِظامُ المُسلِمينَ ، وصَلاحُ الدُّنيا ، وعِزُّ المُؤمِنينَ . إنَّ الإِمامَةَ اُسُّ الإِسلامِ النّامي ، وفَرعُهُ السّامي . بِالإِمامِ تَمامُ الصَّلاةِ ، وَالزَّكاةِ ، وَالصِّيامِ ، وَالحَجِّ ، وَالجِهادِ ، وتَوفيرِ الفَيءِ وَالصَّدَقاتِ ، وإمضاءِ الحُدودِ وَالأَحكامِ ، ومَنعِ الثُّغورِ وَالأَطرافِ . الإمامُ يُحِلُّ حَلالَ اللّه ِ ، ويُحَرِّمُ حَرامَ اللّه ِ ، ويُقيمُ حُدودَ اللّه ِ ، ويَذِبُّ عَن دينِ اللّه ِ ، ويَدعو إلى سَبيلِ رَبِّهِ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ، وَالحُجَّةِ البالِغَةِ . . . الإِمامُ أمينُ اللّه ِ في خَلقِهِ ، وحُجَّتُهُ عَلى عِبادِهِ ، وخَليفَتُهُ في بِلادِهِ ، وَالدّاعي إلَى اللّه ِ ، وَالذّابُّ عَن حُرَمِ اللّه . الإِمامُ المُطَهَّرُ مِنَ الذُّنوبِ ، وَالمُبَرَّأُ عَنِ العُيوبِ ، المَخصوصُ بِالعِلمِ ، المَوسومُ بِالحِلمِ ، نِظامُ الدّينِ ، وعِزُّ المُسلِمينَ ، وغَيظُ المُنافِقينَ ، وبَوارُ الكافِرينَ . . . مُضطَلِعٌ بِالإِمامَةِ ، عَالِمٌ بِالسِّياسَةِ ، مَفروضُ الطّاعَةِ ، قائِمٌ بِأَمرِ اللّه ِ عَزَّ وجَلَّ ، ناصِحٌ لِعبادِ اللّه ِ ، حافِظٌ لِدينِ اللّه ِ... . ۱
ولذلك فإنّ من المتعينّ تفسير كلّ حدث في حياتهم من خلال النظر إلى هذه الأهداف السامية ، وكما هو واضح فإنّ حادثة عاشوراء غير مستثناة من ذلك .

1.الكافي : ج ۱ ص ۲۰۰ - ۲۰۲ ح ۱ .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1389
عدد المشاهدين : 140939
الصفحه من 411
طباعه  ارسل الي