263
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6

موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6
262

ثانيا : تأسيس أركان العزاء في عهد الإمامين الباقر والصادق عليهماالسلام1 . عهد الإمام الباقر عليه السلام

يختلف عهد الإمام الباقر عليه السلام من بعض النواحي عن عهد الإمام زين العابدين عليه السلام ، فمن جهة كانت حركات التوعية التي قام بها الإمام زين العابدين عليه السلام وأصحابه قد غيّرت ـ إلى حدٍّ ما ـ الجوّ الفكري والسياسي ، وكان تحرّر العراق من سلطة الاُمويّين في السنوات العشر الأخيرة، قد هيّأ من جهة اُخرى الأرضيّة لمراسم العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام .
وإنّ حضور «التوّابين» عند قبر الإمام عليه السلام ـ والذي حدث في هذا العقد ـ هو نموذج للتغيّر الفكري السائد .
ففي هذه السنوات ـ ومع الأخذ بنظر الاعتبار ما مرّ ذكره من العوامل والأسباب مضافا للعوامل والأسباب الاُخرى التي يجب أن نتناولها في مجال آخر ـ تغيّر الضمير الاجتماعي والدينيّ للمسلمين ، وتفجّرت ثورات ، منها : ثورة أهل المدينة ، ثمّ على أثرها وقعة الحَرّة، وثورة ابن الزبير، وثورتي التوّابين والمختار . وعلى الرغم من أنّ كلّ هذه الثورات لم تكن متّحدة في الدوافع والأهداف والاتّجاهات؛ إلّا أنّها تركت أثراً في حدوث التحوّل على الأصعدة السياسيّة والفكريّة المختلفة في المجتمع. وقد تعامل بنو اُمية بكلّ قسوة وبطش مع هذه الحركات ، ولم يألوا جهداً في قمعها ، وتجاوزوا الحدود في انتهاك حرمة مدينتي مكّة والمدينة المقدّستين في هذه الأحداث .
وعلى إثر أحداث كهذه تولّى الإمام الباقر عليه السلام إمامة الاُمّة ، فقد كانت مرّت سنوات طويلة على شهادة الإمام الحسين عليه السلام ، وكان المختار قد أنزل العقوبة بالقتلة، ولكن كلّ ذلك، لم يمنع من أن يواصل الإمام الباقر عليه السلام التذكير بحادثة كربلاء، بل كان كأبيه عليه السلام ، يستغلّ أيّ فرصة من أجل توعية الناس أكثر وتبيين الأسباب التي أدّت إلى حادثة كربلاء وكيفيتها، وتحويل مراسم العزاء الحسينيّة إلى شعائر وتيّار ديني وفكري .
ونظراً إلى ما مرّ ، وفي ظلّ الظروف التي سادت آنذاك، فقد كان الإمام عليه السلام يتمتّع بمركز اجتماعي وفكري رفيع، وكان قد اكتسب المرجعيّة الدينيّة ؛ إذ كان الناس يرجعون إليه كثيرا . ولذلك فقد كان شعاع وجوده ونفوذ كلامه يفوق والده عليه السلام ، وقد استغلّ الإمام الباقر عليه السلام كلّ ذلك من أجل تحويل العزاء إلى شعائر وتيّار فكري على مرّ التاريخ، ومن جملة ذلك بيان أقوال الإمام زين العابدين عليه السلام ـ باعتباره الشاهد في حادثة كربلاء ـ في فضل البكاء على الإمام الحسين عليه السلام ۱ ، وإقامة مجالس العزاء في داره، وتشجيع منشدي المراثي ۲ على تناول أبعاد هذه المأساة في قالب الأشعار وإنشاد الرثاء، وتحريض الشيعة على إقامة مجالس العزاء في بيوتهم مع مراعاة الاحتياط؛ بهدف الأمن من ردود فعل النظام الحاكم ۳ ، والاهتمام بالأدب والشعر في تخليد الحادثة ۴ ، وطرح فكرة التعطيل عن العمل في يوم عاشوراء لأوّل مرّة . ۵
وأخيراً التأكيد على أنّ إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام تعين الأفراد في الدنيا على دينهم ، وتؤدّي في الآخرة إلى جوارهم للإمام الحسين عليه السلام والنبيّ صلى الله عليه و آله ۶ ، وتعتبر هذه النقطة من النقاط البالغة الأهمّية ؛ إذ كيف يمكن لعزاء الإمام الحسين عليه السلام أن يعين مقيميه في الدنيا ، وتكون نتيجته مجاورة النبيّ صلى الله عليه و آله ، ولماذا؟ أليس الإمام يواصل بكلامه البالغ الأهمّية هذا نفسَ الجبهة الواسعة التي كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد اتّخذها؟! وهو من كان حسينيّاً فهو محمّدي ، ومن ليس كذلك فليس بمحمّدي ! وهذا حقّا يدعو إلى التأمّل .
وعلى أيّ حال، فعلى الرغم من الاضطهاد الشديد الذي تعرّض له الشيعة والعلويّون في عهد تلك الحكومة الظالمة، والحيلولة دون إقامة العزاء، إلّا أنّ الإمام عليه السلام سعى من خلال التشجيع والحضّ على إقامة مجالس العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام ، من أجل تثبيت أركان مراسم العزاء ما أمكنه ذلك ، وأضفى عليها طابع الشعائر ، وجسّد في مجالس العزاء أدب التعزية ۷ الذي لا يقتصر في مسيرة التذكير بكربلاء على أمس واليوم ، بل يمتدّ إلى الغد وما بعده أيضاً. كما أظهر كيفية الإسهام في مواصلة هذه السنّة على امتداد التاريخ .

1.راجع : ص ۲۲۸ ( الفصل الرابع / بكاء الإمام زين العابدين عليه السلام ) .

2.راجع : ص ۲۳۲ ( الفصل الرابع / بكاء الإمام الباقر عليه السلام ) .

3.تتجلّى هذه الملاحظة في قول الإمام عليه السلام : «يأمر من في داره ممّن لا يتّقيه، بالبكاء عليه» من نصّ الحديث الوارد في مصباح المتهجّد: ص ۷۷۲.

4.راجع : ص ۱۷۸ ( الفصل الثاني / ذكر مصائبه عند الإمام الباقر عليه السلام ) .

5.راجع : ص ۱۸۵ ( الفصل الثالث / تعطيل الأعمال اليومية ) .

6.راجع : ص ۱۵۱ ( الفصل الأوّل / الحثّ على إقامة المأتم للحسين عليه السلام ) .

7.راجع : ص ۱۸۵ ( الفصل الثالث / تعطيل الأعمال اليومية ) و ص ۱۸۷ ( إقامة العزاء في الدار ) .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1390
عدد المشاهدين : 201631
الصفحه من 430
طباعه  ارسل الي