295
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6

موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6
294

مراسم العزاء في محرّم في كتب رحلات السوّاح

من المناسب الآن أن نسلّط الضوء على ما كتبه الرحّالة الذين زاروا إيران. فقد قدّم «بيترودلاواله» الذي سافر إلى إيران في سنة 1618م/ 1207 هـ . ق، تقريراً واضحاً وطريفاً في رحلته كالتالي :إنّ الناس يعمّهم الحزن في العشرة الاُولى من محرّم ، ويرتدون ثياب العزاء في الملأ العامّ ويسيرون في الحارات والأزقّة، ويتذكّرون مصيبة الإمام الحسين عليه السلام بهذه الحركة التي يطغى عليها الحزن والألم. كما أنّ البعض يلطّخون أجسامهم باللون الأحمر؛ علامة على الدم المسفوك جورا والأعمال القبيحة التي ارتُكبت في ذلك العصر . وينشدون أثناء ذلك الأشعار الحزينة بانسجام ، ويضربون بالأعواد بعضها على بعض بحيث تصدر منها الألحان الحزينة، وعند الظهر يجتمعون في الساحة وينشد عليهم المراثي أحد الخطباء من نسل آل محمّد صلى الله عليه و آله ، ويتحدّث عن الحسين عليه السلام ويسرد أحداث ذلك اليوم. وكانت هذه المراسم تقام في المساجد نهاراً وفي الأماكن العامّة والبيوت ليلاً. فالراثي ينشد والناس يبكون ويردّدون «آه يا حسين! سيّدنا يا حسين!».كما قدّم تقريراً دقيقاً عن كيفيّة حمل السلاح على الخيل والنعوش الرمزيّة ، ووضع الأطفال على سروج الخيل والتوابيت كتعبير عن التشييع الرمزي . ۱ كما سافر «تاورنيه» ۲ إلى إيران في العامين 1632 و1667م وروى في رحلته أساليب عزاء الإيرانيّين في عاشوراء ، مختلطة أحياناً بانطباعات خاطئة ناجمة عن عدم الاطّلاع على طبيعة هذه المسيرة. وقد روى لنا :إنّ الناس يحضرون المراسم وهم في غاية الحزن والغمّ ، ويصطحبون إلى بيوتهم ليلاً أشخاصاً مقدّسين وطاهرين ويطعمونهم ، وعندما يحلّ الغروب ينصبون المنابر في الطرق كي يعتليها الوعّاظ ليعظوا الناس ويهيّئونهم للعزاء في هذا اليوم .كما ذكر قائلاً:
أوكل الملك منذ مدّة مسؤولية الحفاظ على النظم في هذه المراسم إلى (بيگلر بيگي) كي ينظّم حركة المواكب وكيفيّة إقامة مراسم العزاء في نفس الوقت .وتحدّث عن كيفية حركة مواكب العزاء، والذهاب إلى الساحة، والمجيء بالخيل، ونصب النعوش وإجلاس الأطفال عليها بشكل رمزي. وذكر قائلاً :إنّ الملك يقدّم أثناء مراسم العزاء الخلع الملكيّة إلى ستّة من قرّاء الرثاء الذين يجلسون بشكل خاصّ إلى جانب قاعة الملك، على أسرّة خاصّة ليرووا قصّة شهادة الإمام الحسين عليه السلام ... وهذه المراسم تبدأ قبل الظهر بخمس ساعات وتستمرّ حتّى ظهر عاشوراء . ۳ كما روى «جملي كاردي» الذي قدم إلى إيران عام 1105 هـ . ق أيّام سلطة الشاه سليمان الصفوي، مراسم العزاء في محرّم كالتالي :بحلول شهر محرّم ينشغل الناس بالعزاء وقد سيطر عليهم الحزن العميق، وتستمرّ هذه المراسم عشرة أيّام. ويضعون الكراسي في الساحات والحارات والأزقّة والطرق ، ويتحدّث الخطباء لهم عن أقوال القتلى ومناقبهم ومصائبهم وكيفية شهادتهم ، فيما يصغي أهالي الحارات إلى هذه المواعظ وهم يرتدون الثياب الدالّة على الحداد . ۴ وعلى أيّ حال، فقد كان لمراسم العزاء في هذا العصر نطاق واسع ملفت للنظر، وعلى سبيل المثال، فقد وصلتنا من بين الوثائق الحكوميّة للدولة العثمانيّة تقارير عن شعائر العزاء التي كانت تقيمها الفرقة البكتاشية ۵ في يوم عاشوراء، رغم كلّ التشدّد الذي كانت تمارسه هذه الدولة . ۶ وكان الشيعة في العراق والشام وحلب وحتّى في شرق الإمبراطوريّة العثمانيّة يمارسون هذه الشعائر، ويروي المؤرّخ «مارينو سالزتون» أنّ الشيعة كانوا يشكّلون في أعتاب القرن العاشر الهجري أربعة أخماس آسيا الصغرى (تركيا) . ۷ ومن الطبيعيّ أنّهم كانوا يقيمون مراسم العزاء وخاصّة في مدن الحلّة وكربلاء والنجف نظراً إلى أنّ إقامة العزاء كان قد أصبح سنّة ثابتة. ومن الطريف أنّ ابن طولون، مؤرّخ القرن العاشر، يخبرنا عن مسيرة العزاء وكيفيّته في الشام خلال تقرير حوادث عامي 907 ۸ و 924 ه . ق .وقد كان العزاء على الإمام الحسين عليه السلام واسعاً للغاية في العهد الصفوي ؛ نظراً إلى تمتّعه بدعم حكوميّ مضافا الى تنوّعه ، وأصبح الناس الذين كانوا قد حافظوا على هذه السنّة وأقاموا العزاء سرّاً وعلناً على مرّ التاريخ، أصبحوا الآن يقيمون العزاء بشكل علني ودون أن يعيروا الأهمّية لانتقادات المعارضين، بل صاروا يضيفون إلى أساليب العزاء الرائجة أساليب اُخرى أحيانا ، بنحو لم يكن بعضها مرضيّا عند العلماء ، وعلى حدّ تعبير عبد اللّه الأفندي «أطواراً غريبة» ۹ ، لكنّها لم تبلغ الحدّ الذي يدفع العلماء إلى أن يمنعوا الناس منها .وقد أدّى اتّساع مراسم العزاء في البلدان المختلفة وبأشكال متباينة، إلى أن تنفذ شيئاً فشيئاً بين الشعائر المحلّية والوطنيّة أيضاً وتحوّلت إلى شعائر وطنيّة ودينيّة . وقد تعدّت شعائر العزاء النطاق الجغرافي لإيران إلى المناطق الاُخرى . ۱۰ وعلى سبيل المثال فقد انتشرت بين شيعة الهند، واكتسبت هناك الطابع المحلّي بشكل مدهش ، ثمّ انتقلت مع المهاجرين الهنود إلى بلدان مثل أندونيسيا، بل وحتّى بلدان أميركا الوسطى. وسنذكر فيما يلي فهرساً بأساليب العزاء الشائعة في العاصمة الصفويّة ، والتي انعكست في الرحلات والمؤلّفات المكتوبة في ذلك العصر ۱۱ :1. ظهور حالة العزاء على المدن .
2. جعل السواد في المساجد والحسينيّات والتكايا والطرق منذ بداية محرّم .3. ارتداء الثياب السوداء وعدم الاهتمام بالزينة الظاهرية (مثل حلق اللحية وتقصير الشعر وما إلى ذلك ، وكان البعض يسوّدون جلود أجسامهم ويسيرون في الطرقات) .4. قراءة المراثي في العشرة الاُولى من محرّم ويوم عاشوراء في البيوت والمساجد والتكايا .5. حركة مواكب العزاء في الطرق في العشرة الاُولى من محرّم (وتشمل مواكب اللطم والضرب بالسلاسل والشفرات والحجر) .6. رفع أعلام العزاء على أبواب الدور .
7. قراءة المراثي والتعزيات في مجالس العزاء .8. توزيع العشاء على المشاركين في العزاء .
9. تجمّع المواكب في مكان (مثل التكايا) خارج المدينة .10. حركة أشباه شخصيات كربلاء (مثل الإمام الحسين عليه السلام وأولاده واُسرته) في الطرق، حيث كانوا أحياناً يسيرون بين حشود الناس على هيآت ملطّخة بالدماء وواجمة، وكانوا أحياناً يعيدون إلى الأذهان سبي أطفال أهل البيت عليهم السلام من خلال حمل الأطفال نصف العراة على الجمال بشكل معكوس .11. حمل تابوت الإمام الحسين عليه السلام وقد وضع عليه السيف والعمامة والأسلحة الاُخرى ، وتسيير عدد من الخيول دون فرسان كرمز للإمام عليه السلام وأصحابه وقد وضعت عليها أنواع الأسلحة والعمائم .
12. المحامل والهوادج التي يجلس داخلها ممثّلون يمثّلون سبي أطفال الإمام الحسين عليه السلام ، وتسيير عدد من الجمال وقد وضعت عليها المحامل والهوادج .13. عرض جلد خروف مذبوح لتوّه فوق جمل وقد نفذ فيه عدد من السهام .
14. عرض الرؤوس المقطوعة لشهداء كربلاء من خلال استخدام التماثيل، أو التمثيل الفنّي .15. بكاء ونياح النساء الواقفات على جانبي الطريق لمشاهدة مسيرة مواكب العزاء .16. حركة موكب ضرب الأحجار، حيث كانوا يصدرون أصواتاً مثيرة للحزن من خلال ضرب قطعتين من الحجر ببعضهما البعض .17. نثر التبن على رؤوس المشاركين في مراسم العزاء .
18. حمل الأعلام والرايات أمام مواكب العزاء وحمل المشاعل والشموع أحياناً .19. حركة حاملي الأطباق إلى جوار تابوت الإمام الحسين عليه السلام وقد وضعت أنواع الأسلحة على الأطباق ، في حين يدور حاملو الأطباق حول أنفسهم على صوت الصنج والنايات .20. ارتداء الثياب الزرقاء، أو الحمراء في الأيّام العشرة الاُولى من محرّم .
21. ارتداء الثياب الخضراء الفاخرة المزركشة.22. تسيير حصان مجلّل بالسروج المزركشة الفاخرة في مقدّمة المواكب وتزيينه بالسهام والأقواس والسيوف وعدّة الحرب .23. إطلاق اثنتي عشرة حمامة في الهواء .
24. تسيير 72 شخصاً يرتدون الدروع بين صفوف المشاركين في العزاء .25. الطواف بدميتين تمثّلان ابن زياد وابن ملجم في الطرق وإحراقهما بالنار في نهاية المراسم .

1.سفرنامة پيتر ودلاواله (بالفارسية)، القسم الرابع :ص ۱۲۲ .

2.جان تاتيت تاورنيه، السائح الفرنسي (المولود عام ۱۶۰۵م)، الذي قدم إلى إيران في عهد حكم الشاه صفي والشاه عبّاس الثاني والشاه سليمان (سفرنامة تاورنيه «بالفارسية»).

3.سفرنامة تاورنيه (بالفارسية) : ص ۴۱۲ (القسم الرابع / الفصل السابع) .

4.سفرنامة جملي كاردي (بالفارسية) : ص ۱۲۵ (القسم الثاني / الفصل الأول) .

5.هي إحدى طرق التصوّف ، ولا زالت موجودة بوضوح في الآناضول والبلقان (راجع : فرهنگ فرق إسلامي «بالفارسية»: ص۱۰۲) .

6.مجلّة معارف: الدورة العاشرة، العدد ۱، فروردين ـ تير ۱۳۷۲ ص ۶۲ ـ ۱۱۶ .

7.إسلام در إيران (بالفارسية) لپطروشفسكي : ص ۳۸۷ نقلاً عن «سفيران وينزي»۹۲۰ ه . ق/ ۱۵۱۴م.

8.مفاكهة الخلّان في حوادث الزمان لابن طولون- في سنة ۹۰۷-: وفي يوم عاشوراء اجتمع جماعة من أوباش الأعاجم والقلندرية وأظهروا قاعدة الروافض من إدماء الوجوه وغير ذلك، فقام عليهم بعض الناس. و ـ في سنة ۹۲۴ـ : وفي يوم الثلاثاء سابعه [سابع المحرم ]دارت أعاجم يندبون الحسين قدس سره ، في أسواق دمشق، وطلعوا إلى الصالحية ومعهم سنجق وباسوس مملوء دراهم، فصاحت صوفية دمشق، وذهبوا إلى القاضي زين الدين الرومي، وأخبروه بهذه البدعة، فأمر بالقبض عليهم، ففتّشوا عليهم فرأوهم في سوق جقمق، فربطوهم وجاؤوا بهم إلى القاضي المذكور. فأمر بكسر سنجقهم وضربهم، فخرجوا هاربين (مفاكهة الخلّان في حوادث الزمان : ج ۲ ص ۷۸).

9.صفوية در عرصة دين، فرهنگ وسياست (بالفارسية): ج ۱ ص ۴۶۵ نقلاً عن تحفة فيروزيه، ميرزا عبد اللّه أفندي : ص ۱۶۶.

10.وصلنا نقل تاريخي طريف من «رحلة محمّد ربيع بن محمّد إبراهيم»، سفير الدولة الصفوية في دولة سيام الواقعة في منطقة الهند والصين، والتي عُرفت بـ «السفينة السليمانية»، ويمكن أن تكون من مصاديق هذا الادّعاء. وقد كان هذا البلد الذي هو اليوم جزء من الأراضي التايلندية الحالية، يستعين عادةً بحكومة إيران في المنافسات المحلّية مع الحكومات الاُخرى؛ وذلك على إثر نفوذ التجّار الإيرانيين في حكومتها، وكانت تربطها علاقات جيّدة للغاية مع الدولة الصفوية. وقد أشار السفير الذي سافر إلى هذا البلد في عهد الشاه سليمان في مذكرات سفره، إلى موضوع إقامة مراسم العزاء فيه قائلاً: «حلّ محرّم سنة ۱۰۹۸، وكان هذا الملك [ملك سيام] في بادئ الأمر حيث جلس على مسند حكم تلك الولاية بمساعدة شعب إيران الذين كانوا منشغلين بإقامة مراسم العزاء لأبي عبداللّه الحسين عليه السلام بالنحو الذي سنذكره عاجلاً، كان قد قرّر أن يقيم أهالي مغولية [أي أهالي منطقة الهند والصين وسيام ]مراسم العزاء حسب طقوسهم وشعائرهم، وقام المرحوم آقا محمّد بهدم بيت الأصنام إلى جوار ديارهم بعد أن رأى المصلحة في ذلك، وبنى مسجداً له فضوة، وقرّر أن يمنحهم سنوياً المفروشات والآثاث والشربت والشموع والمصابيح وما يحتاجونه من أجل إقامة المراسم مع مبلغ نقدي من مخصّصات كلّ سنة، وكان قد بذل الاهتمام في هذه السنّة من باب أولى. ولذلك فقد انشغل الإيرانيون [المقيمون في ذلك البلد ]بالتعزية، وكلّف بأن ينقل هؤلاء العبيد كلّ يوم إلى ذلك المسجد ثمّ يعتلي الخطيب المنبر ليلعن بصوت عال عبدة الأوثان والكفّار، وكان في سنواته السابقة يقف ليلاً على ظهر الفيل ويتجوّل ويتفرّج، وكانوا حسب السنّة العريقة والمراسيم المتينة يقرؤون في أوّل الاحتفال وآخره، الفاتحة لسلامة إمام الدين والدنيا وولي النعمة التحقيقي، وكذلك لإفناء واستعدام أعداء أهل البيت، وبعد ذلك يقرؤون الفاتحة للاستهداء (سفينة سليماني «بالفارسية»: ص ۷۴ و ۷۵) .

11.يمكن القول إنّ الآداب والأساليب التي كانت شائعة في العاصمة هي دليل على تنوّع الأساليب في المناطق الأُخرى، رغم أنّ البعض منها قد يكون مقتصراً على العاصمة.

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1390
عدد المشاهدين : 201714
الصفحه من 430
طباعه  ارسل الي