437
شهر الله في الكتاب و السنّة

د ـ خير من ألف شهر !

يسجّل القرآن الكريم صراحةً : « لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ » الأمر الّذي يدلّل على الطابع الاستثنائي المتميّز لهذه البرهة الزمنية وما تنطوي عليه من فرادة في بركاتها ، على النحو الّذي يعادل العمل الصالح فيها ؛ العملَ الصالح خلال عمر طويل ينوف على الثمانين عاما !
تجاوبا مع هذا المعنى ، جاء في تفسير الآية ما نصّه :
« العَمَلُ الصّالِحُ فيها مِنَ الصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وأنواعِ الخَيرِ ، خَيرٌ مِنَ العَمَلِ في ألفِ شَهرٍ لَيسَ فيها لَيلَةُ القَدرِ » . ۱
وهذا الثراء العريض في بركات هذه اللّيلة وغناها ، هو الّذي يفسّر في الحقيقة حثّ النَّبي والأئمّة وتحريضهم المسلمين على أن ينتفعوا من ليلة القدر لحظة فلحظة ، حتّى نهى النَّبي صلى الله عليه و آله من النوم في اللّيلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان ۲ ، وهو الّذي يفسّر أيضا حرص بضعته البتول السيّدة فاطمة الزهراء عليهاالسلامعلى ألاّ ينام أحد من أهل بيتها في هذه اللّيلة ۳ .
أجل ، إنَّ من يعيش نعمة الإيمان بالقرآن ، ويدرك أنَّ العملَ في ليلة واحدة يعادل في بركاته لحياته الخالدة وعطاءاته لتلك الحياة الأبدية ، العملَ خلال عمر طويل ، لا يسعه التفريط بهذه الفرصة الثمينة الغالية والهبة الّتي لا تضاهى .

3 . دوام ليلة القدر

تفيد عمليّة دراسة آيات سورة القدر وتحليل النصوص الإسلامية ، أنَّ ليلة القدر لا تختصّ بزمان نزول القرآن وبعصر النَّبي صلى الله عليه و آله ، وإنَّما هي دائمة مستمرّة منذ بداية خلق الإنسان ، وأوّل وجوده إلى نهاية العالم وآخر وجود الإنسان فيه ، وذلك للاعتبارات التالية :

1.انظر تمام الحديث وتخريجه في ص ۴۰۳ ، ح ۶۱۳ .

2.انظر : ص ۴۴۹ ، ح ۷۱۰ ، وص ۴۶۶ ، ح ۷۴۲ .

3.انظر : ص ۴۶۷ ، ح ۷۴۴ .


شهر الله في الكتاب و السنّة
436

ذلك الأدلّة القطعية الّتي تفيد إجابة الدعاء طوال السنة خاصّةً في عرفات ، وفي المشاهد المشرّفة ، فلا يمكن عندئذٍ قبول ظاهر بعض الروايات الّتي تنصّ على أنَّ مقدّرات ليلة القدر لا ينالها التحوّل والتغيير ۱ .

ب ـ بداية سنة التقدير

أوضحنا في مدخل الكتاب أنَّ بداية السَّنة تختلف تبعا لتعدد الاعتبارات ، ومن ثَمَّ فإنَّ الروايات الّتي تنصّ على أنَّ ليلة القدر هي أوّل السَّنة ورأسها على ما ذكرنا بعضها في المتن ، إنّما جاءت باعتبار سنة تقدير اُمور الناس وتدبير شؤونهم وما يحصل لهم وما يكون ، وهي بهذه المثابة أو الاعتبار آخر السَّنة أيضا ، أي آخر السَّنة المقدَّرة الّتي مضت ، وأوّل السَّنة المقدّرة الجديدة .

ج ـ اختصاصها بولاة الأمر

الخصيصة الثالثة الّتي تحفّ ليلة القدر ، أنَّ اللّه سبحانه يُطلع في هذه الليلة أكمل الناس وأفضل بني آدم وأسماهم على صورة تقديره وحكمه ومسار تدبيره للعباد .
فنجد في تفسير القميِّ في ذيل الآية الكريمة : « تَنَزَّلُ الْمَلَئِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيهَا » ما نصّه :
« تَنَزَّلُ المَلائِكةُ وروحُ القُدُسِ عَلى إمامِ الزَّمانِ ، ويَدفَعونَ إلَيهِ ما قَد كَتَبوهُ مِن هذهِ الاُمورِ » .۲
هذه العملية وإن كانت لا تنسب إلى المعصوم صراحةً ، إلاّ أنّها تعدّ حصيلة لمدلولات ما جاء من روايات في هذا الباب ، وعندئذٍ يمكن القول : إنَّ من خصائص ليلة القدر اختصاصها بالإمام المهدي ـ عجل اللّه تعالى فرجه ـ ، ممّا يعني أنَّ التوسل به عليه السلام في هذه الليلة خاصّة له دوره النافذ في تيسير اُمور الإنسان وفتح الآفاق أمامه ، لما يؤدّي إلى تغيير مصيره باتجاه تحقيق المزيد من المكاسب لسنته الجديدة .

1.انظر ص ۴۰۵ ، ح ۶۱۹ ، وص ۴۰۸ ، ح ۶۲۸ .

2.انظر الحديث وتخريجه في ص ۴۱۶ ، ح ۶۵۰ .

  • نام منبع :
    شهر الله في الكتاب و السنّة
    سایر پدیدآورندگان :
    الافقی، رسول
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1382
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 100723
صفحه از 628
پرینت  ارسال به