445
شهر الله في الكتاب و السنّة

6 . أفضل أعمال ليلة القدر

في سياق بيانه لنوافل ليالي شهر رمضان في المجلس الثالث والتسعين من كتاب « الأمالي » ، وبعد أن ذكر صلاة مِئَة ركعة لليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ، عاد شيخ المحدّثين ابن بابويه قدس سرهليقول : « ومن أحيا هاتين الليلتين بمذاكرة العلم فهو أفضل » ۱ .
يبدو أنَّ هذا المطلب مستمدّ من حديث تكلّم فيه النَّبي صلى الله عليه و آله إلى أبي ذرّ ، ذكر فيه بالتفصيل أفضلية العلم وتفوّقه على العبادة ، جاء في آخره :
« يا أبا ذَرٍّ الجُلوسُ ساعَةً عِندَ مُذاكرَةِ العِلمِ خَيرٌ لَك مِن عِبادَةِ سَنَةٍ صِيامِ نَهارِها وَقِيامِ لَيلِها » . ۲
على أنَّ المدوّنات الروائية تضمّ بالإضافة إلى هذا الحديث عددا كبيرا من الروايات الصادرة عن أهل البيت عليهم السلام ۳ ، ممّا له دلالة على أنَّ طلب العلم يفوق العبادة ويرجّح عليها بمراتب ، لإضاءة هذه المسألة بالمزيد من الإيضاحات ، من الضروري الانتباه إلى الاُمور التالية :

أ ـ أيّ علم وأيّ عبادة ؟

حسبا للرّؤية الفقهية لعمليّة التّعلم خمسة احكام ، والتأمّل في نصوص الأحاديث الّتي ترجّح العلم على العبادة يشير بوضوح ، أنَّ المقصود هو ترجيح التعلّم الواجب أو المستحبّ على العبادات المستحبّة ۴ .

ب ـ دور العبادة في انبثاق نور العلم

للعبادات من منظور النصوص الإسلامية دورها الأساسي الّذي تنهض به في انبثاق

1.الأمالي للصدوق : ۷۴۷ .

2.جامع الأخبار : ۱۰۹ / ۱۹۵ ، بحار الأنوار : ۱ / ۲۰۳ / ۲۱ . انظر تمام الحديث في المصدر .

3.انظر : العلم والحكمة في الكتاب والسنة : ۲۱۸ « فضل طلب العلم على العبادة » .

4.لتوضيح هذه النقطة والّتي تليها أكثر ، انظر : العلم والحكمة في الكتاب والسنة : ۲۲۳ « تنبيهات حول فضل العلم على العبادة » .


شهر الله في الكتاب و السنّة
444

لو كانت متعدّدة ، خاصّةً بعد أن اتّسعت جغرافية الإسلام إثر الفتوحات الإسلامية الضخمة الّتي امتدت إلى أقاصي بلدان العالم .
ومع ذلك كلّه ، فإنَّ رعاية الاحتياط بملاحظة النظرية المشهورة ، يملي الاستفاضة بالمزيد من عطايا شهر رمضان وبركاته .
لكن يالها من سعادة غامرة ينعم بها اُولئك النفر ممّن لا يحتاج إلى مثل هذا الكلام في تحديد ليلة القدر ومعرفتها ، فاُولئك يشاهدون حقائق هذه اللَّيلة ونزول الملائكة والروح ببصيرة القلوب ، وهم من ثَمَّ ينغمرون بجلال هذه اللَّيلة وينعمون ببركاتها وهباتها على أفضل ما يُرجى ، على أنَّ هذه النعمة الّتي يحظى بها هؤلاء لا تقف عند حدود ليلة القدر ، بل تتخطّى ذلك إلى تحديد أوّل الشهر أيضا من دون حاجة إلى الاستهلال وإلى شهادة الشهود وإلى استعمال الأجهزة العلمية . إنّ الفقيه العارف الجليل السيّد ابن طاووس قدس سرهيصف هذه الحالة بقوله :
« اعلم أنّ تعريف اللّه ـ جلّ جلاله ـ لعباده بشيء من مراده فإنّه لا ينحصر بمجرّد العقل جميع أسبابه ، ولا يدرك بعين الشرع تفصيل أبوابه ؛ لأنّ اللّه ـ جلّ جلاله ـ قادر لذاته ، فهو قادر على أن يعرِّف عباده مهما شاء ومتى شاء بحسب إرادته ، وأعرف على اليقين من يعرف أوائل الشهور وإن لم يكن ناظرا إلى الهلال،ولا حضر عنده أحد من المشاهدين ، ولا يعمل على شيء ممّا تقدَّم من الروايات،ولا بقول منجّم ولا باستخارة ، ولا بقول أهل العدد ، ولا في المنام ، بل هو من فضل ربّ العالمين الّذي وهبه نور الألباب من غير سؤال،وألهمه العلم بالبديهيّات من غير طلب لتلك الحال، ولكن هو مكلَّف بذلك وحدَه على اليقين حيث علم به على التعيين » . ۱
يبدو أنَّ الإشارة في النصّ هي إلى شخص السيّد ابن طاووس نفسه ، بيد أنّه امتنع عن التصريح نأيا عن امتداح النفس والثناء عليها .

1.الإقبال : ۱ / ۶۱ .

  • نام منبع :
    شهر الله في الكتاب و السنّة
    سایر پدیدآورندگان :
    الافقی، رسول
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1382
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 100719
صفحه از 628
پرینت  ارسال به