1 / 10
هُوِيَّةُ عِدَّةٍ مِمَّن تَخَلَّفَ عَن بَيعَتِهِ
1 / 10 ـ 1
عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب
ولد في السنة الثانية بعد البعثة ۱ وأسلم منذ نعومة أظفاره مع أبيه في مكّة ، ۲ وهاجر إلى المدينة المنوّرة قبل أبيه ۳ أو معه . ۴
ولصغر سنّه ۵ لم يشترك في حربي بدر ۶ واُحد ، نعم التحقَ بعسكر المسلمين في حرب الخندق وما بعدها من الحروب . ۷ كما روى أحاديث كثيرة في كتب أهل السنّة . ۸
وقد استُشير عمر ـ أواخر أيّام حياته ـ في جعله أحد أعضاء الشورى ، لكنّه خالف ذلك وقال : ليس له أهليّة الخلافة ، بل ليس له القدرة على طلاق زوجته! ۹
بَيدَ أنّه ذُكر في بعض الروايات أنّه صار أحد أعضاء الشورى بأمر أبيه على أن لا يكون له من الأمر شيء . ۱۰
ولمّا تسنّم عثمان الخلافة ابتعد عن الساحة السياسيّة ، فلم يشترك في التيّارات السياسيّة الحاكمة آنذاك ، كما اعتزل الساحة السياسيّة والاجتماعيّة أيّام خلافة الإمام علي عليه السلام ، بل جعل العزلة قوام سياسته الاجتماعية ، فلم يشترك مع الإمام عليه السلام في شيء من حروبه أيّام الخلافة . ۱۱
ومن الواضح أنّ هذه السيرة كانت قائمة على اُسس واهية لا على أساس متين ، ولهذا لم يتّخذها منهجا إلّا هذه البرهة من حياته ؛ فلم يعتزل الساحة أيّام الخلفاء! الثلاث ، كما لم يعتمد هذه السياسة زمن الحكّام الَّذين تقلّدوا زمام الاُمور بعد أمير المؤمنين عليه السلام ؛ حيث بايع معاوية ۱۲ ويزيد ۱۳ مع تخلّف عدد كبير من الصحابة والوجوه البارزة من الاُمّة ـ ومنهم الحسين بن علي عليهما السلام ـ عن بيعته . وكذا بايع عبد الملك ، ۱۴ بل حثّ محمّد ابن الحنفيّة على البيعة له لمّا امتنع منها وشرط لها بيعة جميع النّاس . ۱۵
والعجب أنّه ذهب ليلاً إلى الحجّاج بن يوسف ليمدّ له يد البيعة لعبد الملك ؛ لئلّا يبقى ليلةً بلا إمام ، لأنّه روى عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «مَن ماتَ ولا إمام لَهُ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً» ، فاحتقره الحجّاج ـ ذلك الحاكم المتكبّر الظالم ـ ومدّ له رجله من تحت الفراش ليصفق عليها يد البيعة ؛ لعلمه بأنّ منشأ هذه البيعة هو الخوف والضعف والعجز . ۱۶
مع أنّه لم يصحب الإمام في شيء من حروبه أيّام خلافته . ۱۷ نعم لم يكن من المعادين له أيضا ، بل كان من جملة الَّذين وصفهم الإمام عليه السلام بأنّهم «خَذَلُوا الحَقَّ ، ولَم يَنصُرُوا الباطِلَ» . ۱۸
نعم أشارت بعض النصوص التاريخيّة إلى أنّه تأسّف نهاية عمره أسفاً عميقاً على تساهله وعدم نصرته للإمام عليه السلام ، وكان يقول : «ما آسى على شيء إلّا أنّي لم اُقاتل مع عليّ الفئةَ الباغية» . ۱۹
نعم في بعض المصادر أنّ المراد بـ «الفئة الباغية» في كلامه هو الخوارج ، ۲۰ أو الحجّاج ، ۲۱ أو ابن الزبير . ۲۲ وإذا لاحظنا قوله : «مع عليّ» في النصّ الَّذي أشرنا إليه لا يبقى مجال لاحتمال آخر .
وكان يقول : كلّ من يدعوني إلى الصلاة أقتدي به ؛ من أيّ فرقة كان ، ولا أتبع من يدعوني إلى القتال . ۲۳
وكان يعتقد أنّ الحكومة وطاعة الحاكم قائمان على أساس «قانون القَهر» ، فكان يقول : الحقّ لمَن غلب وتسلّط على رقاب النّاس وقهرهم . ۲۴
ولمّا كان الإمام عليّ عليه السلام يؤكّد حرّية النّاس واختيارهم في البيعة ويقول : «لا اُجبر أحدا على طاعتي» تخلّف عن بيعته ، ولم يتخلّف عن البيعة ليزيد بن معاوية !
وقد عرّف انتفاضة أهل المدينة ـ حين اشتهر فسق يزيد وفجوره وعدم تورّعه عن فعل أيّ محرم ، وبعد قتله أبا عبد اللّه الحسين عليه السلام ـ بأنّها غدر للبيعة ، ولذا منع أهله عن الاشتراك فيها . ۲۵
وأخيراً ، فمع أنّ عبد اللّه كثير الرواية ، بل هو في عِداد كبار محدّثي أهل السنة لكنّه قليل المعرفة ، ضيّق الرؤية ، متحجّرا ، لا يملك تحليلاً متينا للتيارات السياسيّة والاجتماعيّة القائمة آنذاك . وقد أعانه ضعف شخصيّته وطلبه للحياة على ارتكاب ذلك الموقف القبيح .
توفّي سنة (74 ه ) عن عُمرٍ يناهز (84) سنة . ۲۶
1.استنتاج من الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۱۴۳ ، تهذيب الكمال : ج ۱۵ ص ۳۴۰ الرقم ۳۴۴۱ ، تاريخ بغداد : ج ۱ ص ۱۷۲ الرقم ۱۳ ، الاستيعاب : ج ۳ ص ۸۱ الرقم ۱۶۳۰ .
2.الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۱۴۲ ، تهذيب الكمال : ج ۱۵ ص ۳۳۳ الرقم ۳۴۴۱ ، تاريخ بغداد : ج ۱ ص ۱۷۱ الرقم ۱۳ ، تاريخ دمشق : ج ۳۱ ص ۸۴ ، الاستيعاب : ج ۳ ص ۸۱ الرقم ۱۶۳۰ ، اُسد الغابة : ج ۳ ص ۳۳۷ الرقم ۳۰۸۲ وزاد فيهما «قد قيل : إنّ إسلامه كان قبل إسلام أبيه» ، المستدرك على الصحيحين : ج ۳ ص ۶۴۷ ح ۶۳۷۷ وفيه «أسلم عبد اللّه بن عمر قبل أبيه» وفيه تأمّل ، لأنّ إسلام عمر في السنة السادسة من البعثة وفي هذه السنة كان لعبد اللّه بن عمر أربع أو خمس سنين .
3.الاستيعاب : ج ۳ ص ۸۱ الرقم ۱۶۳۰ ، اُسد الغابة : ج ۳ ص ۳۳۷ الرقم ۳۰۸۲ .
4.الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۱۴۲ ، تهذيب الكمال : ج ۱۵ ص ۳۳۳ الرقم ۳۴۴۱ ، تاريخ بغداد : ج ۱ ص ۱۷۱ الرقم ۱۳ ، تاريخ دمشق : ج ۳۱ ص ۸۵ ، سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۲۰۴ الرقم ۴۵ .
5.الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۱۴۳ ، تهذيب الكمال : ج ۱۵ ص ۳۳۳ الرقم ۳۴۴۱ ، تاريخ بغداد : ج ۱ ص ۱۷۲ الرقم ۱۳ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج ۵ ص ۴۵۴ الرقم ۱۹۹ ، تاريخ دمشق : ج ۳۱ ص ۸۳ .
6.المستدرك على الصحيحين : ج ۳ ص ۶۴۴ ح ۶۳۶۲ ، الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۱۴۳ ، الاستيعاب : ج ۳ ص ۸۱ الرقم ۱۶۳۰ ، اُسد الغابة : ج ۳ ص ۳۳۷ الرقم ۳۰۸۲ ، سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۲۱۰ الرقم ۴۵ .
7.تهذيب الكمال : ج ۱۵ ص ۳۳۳ الرقم ۳۴۴۱ ، المستدرك على الصحيحين : ج ۳ ص ۶۴۴ ح ۶۳۶۲ ، الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۱۴۳ ، تاريخ بغداد : ج ۱ ص ۱۷۲ الرقم ۱۳ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج ۵ ص ۴۵۴ الرقم ۱۹۹ ، تاريخ دمشق : ج ۳۱ ص ۷۹ ، الاستيعاب : ج ۳ ص ۸۱ الرقم ۱۶۳۰ ، اُسد الغابة : ج ۳ ص ۳۳۸ الرقم ۳۰۸۲ .
8.سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۲۰۴ الرقم ۴۵ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج ۵ ص ۴۵۵ الرقم ۱۹۹ ، تهذيب الكمال : ج ۱۵ ص ۳۳۳ الرقم ۳۴۴۱ ، تاريخ دمشق : ج ۳۱ ص ۷۹ و ۸۰ ، البداية والنهاية : ج ۹ ص ۵ .
9.تاريخ اليعقوبي : ج ۲ ص ۱۶۰ ؛ تاريخ الطبري : ج ۴ ص ۲۲۸ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۲۱۹ .
10.تاريخ الطبري : ج ۴ ص ۲۲۹ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۲۲۰ ، تاريخ دمشق : ج ۳۱ ص ۱۷۹ ، الإمامة والسياسة : ج ۱ ص ۱۵۸ .
11.تاريخ الطبري : ج ۴ ص ۴۴۶ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۳۱۲ وراجع ص ۳۱۴ وتاريخ الطبري : ج ۴ ص ۴۶۰ .
12.الاستيعاب : ج ۳ ص ۴۷۲ الرقم ۲۴۶۴ .
13.الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۱۸۲ ، مروج الذهب : ج ۲ ص ۳۶۱ .
14.صحيح البخاري : ج ۶ ص ۲۶۳۴ ح ۶۷۷۷ وح ۶۷۷۹ ، الموطّأ : ج ۲ ص ۹۸۳ ح ۳ ، السنن الكبرى : ج ۸ ص ۲۵۴ ح ۱۶۵۶۴ ، الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۱۸۳ ، مروج الذهب : ج ۲ ص ۳۶۱ .
15.الطبقات الكبرى : ج ۵ ص ۱۱۱ ، سير أعلام النبلاء : ج ۴ ص ۱۲۸ الرقم ۳۶ .
16.شرح نهج البلاغة : ج ۱۳ ص ۲۴۲ ؛ الفصول المختارة : ص ۲۴۵ ، الإيضاح : ص ۷۳ .
17.الاستيعاب : ج ۳ ص ۸۳ الرقم ۱۶۳۰ ، اُسد الغابة : ج ۳ ص ۳۳۹ الرقم ۳۰۸۲ .
18.نهج البلاغة : الحكمة ۱۸ ؛ الاستيعاب : ج ۲ ص ۱۷۳ الرقم ۹۶۸ .
19.المستدرك على الصحيحين : ج ۳ ص۶۴۳ ح۶۳۶۰ ، الاستيعاب : ج ۳ ص ۸۳ الرقم ۱۶۳۰ ، سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۲۳۲ الرقم ۴۵ ، أنساب الأشراف : ج ۲ ص ۴۰۴ ، الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۱۸۷ ، اُسد الغابة : ج ۳ ص ۳۳۹ الرقم ۳۰۸۲ وليس فيهما «مع عليّ» .
20.فتح الباري : ج ۱۲ ص ۲۸۶ .
21.الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۱۸۵ و ص ۱۸۷ ، تاريخ دمشق : ج ۳۱ ص ۱۹۷ ، سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۲۳۲ الرقم ۴۵ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج ۵ ص ۴۶۵ الرقم ۱۹۹ .
22.السنن الكبرى : ج ۸ ص ۲۹۸ ح ۱۶۷۰۶ ، تاريخ دمشق : ج ۳۱ ص ۱۹۳ ، سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۲۲۹ الرقم ۴۵ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج ۵ ص ۴۶۵ ح ۱۹۹ .
23.الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۱۶۹ ، حلية الأولياء : ج ۱ ص ۳۰۹ ، تاريخ دمشق : ج ۳۱ ص ۱۹۱ ، سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۲۲۸ ح ۴۵ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج ۵ ص ۴۶۵ ح ۱۹۹ .
24.الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۱۴۹ ، الاستيعاب : ج ۳ ص ۴۷۲ الرقم ۲۴۶۴ .
25.مسند ابن حنبل : ج ۲ ص ۴۱۲ ح ۵۷۱۳ وص ۳۰۴ ح ۵۰۸۸ ، الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۱۸۳ .
26.المستدرك على الصحيحين : ج ۳ ص ۶۴۲ ح ۶۳۵۵ وح ۶۳۵۸ ، الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۱۸۷ ، تاريخ بغداد : ج ۱ ص ۱۷۳ الرقم ۱۳ . وفيه أقوال اُخرى ، منها : «مات سنة ۷۳ وكان عُمرُه ۸۷ سنة» ، التاريخ الكبير : ج ۵ ص ۲ الرقم ۴ ، تاريخ دمشق : ج ۳۱ ص ۸۳ الرقم ۸۷ ، تاريخ بغداد : ج ۱ ص ۱۷۳ الرقم ۱۳، تاريخ الإسلام للذهبي : ج ۵ ص ۴۶۷ .