رسالة في « معاوية بن شريح » - صفحه 113

[ في الأُصول الأربعمائة ]

أقول : إنّ المعروف في ألسنة العلماء أنّ الأُصول الأربعمائة جُمعت في عهد مولانا الصادق عليه السلام أو الصادقين عليهماالسلام . ۱
وعن المحقّق في المعتبر أنّه كُتبت من أجوبة الصادق عليه السلام في المسائل أربعمائة مصنَّف لأربعمائة مصنِّف سمّوها «أُصولاً» . ۲
وظاهر العبارة أنّ التسمية ب «الأُصول» من المصنّفين لها .
لكن عن إعلام الورى أنّه روى عن الصادق عليه السلام من مشهور أهل العلم أربعة آلاف إنسان ، وصنّف من جواباته في المسائل أربعمائة كتاب ، معروفة تسمّى
ب «الأُصول» رواها أصحابه وأصحاب ابنه موسى عليهماالسلام . ۳
وحكى العلاّمة البهبهاني عن ابن شهرآشوب أنّه في معالمه نقل عن شيخنا المفيد أنّ الإماميّة صنّفوا من عهد أميرالمؤمنين عليه السلام إلى زمان العسكري أربعمائة كتاب تسمّى ب «الأُصول» . ۴
والظاهر من هذه العبارة ـ كعبارة الإعلام ـ أنّ المقصود التسمية في كلمات أرباب الرجال وغيرهم .
ويمكن أن يكون المقصود التسمية من مؤلّفي الأُصول .
قال الشهيد الثاني في الدراية : وكان قد استقرّ أمر المتقدّمين على أربعمائة مصنَّف لأربعمائة مصنِّف سمّوها ب «الأُصول» وكان عليها اعتمادهم . ۵
وظاهر هذه العبارة أنّ التسمية ب «الأُصول» ليست من المصنّفين للأُصول ، بل من غيرهم .
وينافي الكلمات المذكورة ما ذكره الشيخ في أوّل الفهرست من أنّ أُصول أصحابنا لاتكاد تضبط ؛ لانتشار أصحابنا في البلدان وأقاصي الأرض . ۶
إلاّ أنّ التعبير ب «الأصل» قد تكرّر من الشيخ في الفهرست ، قال في أوّله :
أمّا بعد ، فإنّي لمّا رأيت جماعةً من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرست كتب أصحابنا وما صنّفوه من التصانيف ورووه من الأُصول ، ولم أجد أحداً منهم استوفى ذلك ولا ذكر أكثره ، بل كلٌّ منهم كان غرضه أن يذكر ما اختصّ بروايته وأحاطت به خزانته من الكتب ،
ولم يتعرّض أحد منهم باستيفاء جميعه ، إلاّ ما كان قصده أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيداللّه رحمه اللّه ، فإنّه عمل كتابين : أحدهما ذكر فيه المصنَّفات ، والآخَر ذكر فيه الأُصول ، واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه ، غير أنّ هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا ، واخترم هو رحمه اللّه وعمد بعضُ ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم ، ولمّا تكرّر من الشيخ الفاضل ـ أدام اللّه علوّه وعزّه ـ الرغبة فيما يجري هذا المجرى وتوالى منه الحثّ على ذلك ورأيته حريصاً عليه ، عمدتُ إلى عمل كتاب يشتمل على ذكر المصنَّفات والأُصول ، ولم أُفرد أحدهما بالذكر لئلاّ يطول الكتابان ؛ لأنّ في المصنِّفين مَنْ له أصلٌ ، فيحتاج إلى أن يعاد ذكره في كلّ واحد من الكتابين ، فيطول ذكره .
ثمّ قال :
فإذا ذكرت كلّ واحد من المصنِّفين وأصحاب الأُصول فلابدّ أن أُشير إلى ما قيل فيه من التعديل والتجريح ، وهل يعوّل على روايته أو لا ، وأُبيّن اعتقاده ، وهل هو موافق للحقّ أو هو مخالف له ؟ لأنّ كثيراً من مصنّفي أصحابنا وأصحاب الأُصول ينتحلون المذاهب الفاسدة وإن كانت كتبهم معتمدةً . ۷
قوله : «أحمد بن الحسين بن عبيداللّه » هذا هو ابن الغضائري المعروف ، بناءً على كون ابن الغضائري هو أحمد ، كما جرى عليه جماعة ، ۸ وهو الأجود ، لا الحسين كما هو صريح الشهيد الثاني في إجازة والد شيخنا البهائي ، ۹ وظاهر
الفاضل الاسترآبادي . ۱۰
وتحرير الحال موكولٌ إلى ما حرّرناه في الرسالة المعمولة في باب ابن الغضائري .
وكيف كان مقتضى ما ذُكر من العبارة اختصاص «الأصل» بمعنى خاصّ عند الشيخ ، بل عنده وغيره ممّن تقدّم عليه ، بل مقتضاه اشتهار «الأصل» بالمعنى المذكور ، لكنّ «الكتاب» في قوله : «وإن كانت كتبهم معتمدةً» قد أُطلق على الأعمّ من المصنَّف والأصل .
وقد أطلق «الأصل» على «الكتاب» في ترجمة أحمد بن محمّد بن سلمة ، حيث ذكر أنّه روى عنه حميد أُصولاً كثيرة ، منها كتاب زياد بن مروان القندي . ۱۱ وفي ترجمة حميد بن زياد أيضاً حيث قال : له كتب على عدد كتب الأُصول . ۱۲
وفي الرجال في ترجمة أحمد بن الحسين بن المفلس في قوله : روى عنه حميد كتاب زكريّا بن محمّد المؤمن وغير ذلك من الأُصول . ۱۳
وكذا في الرجال في ترجمة عبيداللّه بن أحمد بن نُهَيْك ومحمّد بن عبّاس بن عيسى ومحمّد بن الرجا البجلي فيما ذكره من أنّ حميداً روى عنهم كتباً كثيرة من الأُصول . ۱۴
وقد أطلق «الأصل» قبال «الكتاب» في الفهرست في ترجمة حسين بن أبي العلاء فيما ذكره من أنّ له كتاباً يُعدّ في الأُصول ، ۱۵ وكذا في ترجمة
أحمد بن الحسين حيث قال : وله كتاب النوادر ، ومن جملة أصحابنا مَنْ عدَّه من جملة الأُصول . ۱۶
والذي يقوى عندي أنّ «الأصل» هو مَجمعُ الأخبار ، سواء انتزع فيه الخبر أم لا ، وسواء كان معتمداً عليه أم لا ، و «الكتاب» أعمّ منه وممّا ذُكر فيه التاريخ أو الحكايات أو المسائل الفقهيّه أو غيرها ، كما يُذكر ذلك في بعض التراجم .
إلاّ أنّ الظاهر أنّه لا يطلق «الكتاب» في كلام الشيخ في الفهرست بدل «الأصل» وإن أطلق «الكتاب» على «الأصل» مع ذكر الأصل كما فيمامرّ ؛ فقد ظهر فساد الأقوال السابقة .
والظاهر أنّ الأُصول على ترتيبٍ خاصّ ، كما يظهر ممّا ذكره الشيخ في الفهرست في ترجمة أحمد بن محمّد بن نوح من أنّ له كتاباً في الفقه على ترتيب الأُصول . ۱۷ ولم أقف على أن يقال : لفلان أصلان أو اُصول .
هذا ، وقد استظهر من بعضٍ القولُ بأنّ كون الرجل صاحب الأصل يفيدُ الوثاقةَ . ۱۸
وحكى العلاّمه البهبهاني عن خاله ۱۹ بل وعن جدّه ۲۰ ـ على ما هو بباله ـ أنّه يفيد الحُسْن المصطلح ، أي الحُسْن بالمعنى الأخصّ ، أعني المدح مع الإيمان ، واختار نفسه إفادة الحُسْن بالمعنى الأعمّ ، أي مطلق المدح الأعمّ
من سوء المذهب . ۲۱
وظاهر بعضٍ عدم إفادة شيء ، بل ظاهره كون هذا مذهب الأكثر . ۲۲
أقول : إنّ كلاًّ من القولين الأوّلين لا يعبأ به ؛ حيث إنّه قد سمع ما قاله الشيخ في الفهرست من أنّ كثيراً من أصحاب الأُصول ينتحلون المذاهب الفاسدة ، ۲۳ مع أنّه قال الشيخ في الفهرست في ترجمة إبراهيم بن عبد الحميد : ثقة له أصل . ۲۴ ولو أفاد كون الرجل صاحب الأصل للتوثيق ، لما جرى على التوثيق في الترجمة المذكورة بالصراحة .
مضافاً إلى أنّه قد ذكر الشيخ في الفهرست أنّ الحسن بن صالح بن حي صاحب الأصل ، ۲۵ مع أنّه زيديّ ، كما نصّ عليه الشيخ في الرجال ، ۲۶ وفي التهذيب في باب المياه وأحكامها : أنّه زيديّ ، متروك العمل بما يختصّ بروايته . ۲۷ فضلاً عن أنّ الشيخ في الفهرست قد ذكر في ترجمة عليّ بن أبي حمزة أنّ له أصلاً ، ۲۸ وحاله معروف حتّى قرب أن يُضرب به المثل ، وإن حَكَم بعض الأعلام بأنّه يمكن القول بقبول روايته ؛ لما قال شيخ الطائفة في العدّة من أنّ الطائفة عملت بأخباره ، ۲۹
ولقوله في الرجال : «له أصل» ۳۰ ولما حكي عن ابن الغضائري من أنّه
قال في ترجمة ابنه الحسن : إنّ أباه أوثق منه . ۳۱ وروايةِ كثير من الأعاظم عنه ، كابن أبي عمير وصفوان بن يحيى ۳۲ والبزنطي ۳۳ وغيرهم ۳۴ . ۳۵
قوله : «ولقوله في الرجال» الظاهر أنّ المقصود في الرجال ، لا كتاب رجال الشيخ ؛ لأنّ ذلك المقال قد اتّفق من الشيخ في الفهرست ، وما نقل من كلامه في الرجال خالٍ عن ذلك المقال ، بل ليس أمثال ذلك المقال من مقالة الشيخ في الرجال .
وأمّا القول الأخير فيضعّف بأنّ إنكار إفادة المدح خلاف الإنصاف ، بل تتأتّى الدلالة على الإيمان لو قلنا بانصراف الإطلاق إليه ؛ قضيّة غلبة الإيمان في الرواة لو لم يكن كتاب الرجال ـ المذكور فيه كون الراوي الأصلَ ـ موضوعاً لذكر الإماميّين ، وإلاّ فلا إشكال في باب الإيمان ، لكن يتأتّى الإشكال في كفاية المدح المستفاد في الباب في اعتبار الخبر .
نعم ، تتأتّى الكفاية في اعتبار الخبر على تقدير توصيف الأصل بكونه معتمداً عليه ، بناءً على ظهور كون الخبر مأخوذاً عن الأصل المعتمد عليه على تقدير الأخذ من الأصل ، أو ظهور كون الخبر من الأخبار المرويّة في الأصل على تقدير السماع من الراوي صاحب الأصل ، بل على ذلك المنوال الحال على تقدير توصيف الأصل بأنّه رواه جماعة ، وإن أمكن الإشكال فيه .
فإذَنْ الأقوى هو القول الثالث ، إلاّ أنّ حديث انصراف الإطلاق إلى الإيمان بواسطة الغلبة يقضي قوّة القول الثاني .
وبما سمعت يظهر حال «الكتاب» إلاّ أنّ عدم إفادة كون الراوي صاحب الكتاب لاعتبار الخبر أظهر ؛ لعدم القول باختصاص الكتاب بما كان معتمداً عليه ، بخلاف الأصل ، كما يظهر ممّا مرّ .

1.انظر تهذيب المقال ۱ : ۸۹ ، ومقباس الهداية ۲ : ۲۷ .

2.المعتبر ۱ : ۲۶ .

3.إعلام الورى في أعلام الهدى ۱ : ۵۳۵ .

4.تعليقة الوحيد البهبهاني : ۷ ؛ معالم العلماء : ۳ . وانظر منتهى المقال۱ : ۶۸ .

5.الدراية : ۱۷ .

6.الفهرست : ۲ و ۳ .

7.الفهرست : ۲ .

8.كالسيّد الداماد في الرواشح السماوية : ۱۱۱ ، الراشحة الخامسة والثلاثون ، والمجلسي الأوّل في روضة المتّقين ۱۴ : ۳۳۰ ، والمجلسي الثاني في بحارالأنوار ۱ : ۲۲ .

9.راجع بحارالأنوار ۱۰۸ : ۱۵۹ ، وانظر منتهى المقال ۱ : ۲۵۲ .

10.منهج المقال : ۳۹۸ .

11.رجال الشيخ : ۴۴۰ / ۲۲ .

12.الفهرست : ۶۰ / ۲۳۸ .

13.رجال الشيخ : ۴۴۱ / ۲۶ .

14.رجال الشيخ : ۴۸۰ و ۴۹۹ / ۱۹ و ۵۱ و ۵۲ .

15.الفهرست : ۵۴ / ۲۰۴ .

16.الفهرست : ۲۶ / ۷۰ .

17.الفهرست : ۳۷ / ۱۱۷ .

18.انظر روضة المتّقين ۱ : ۸۶ .

19.كما في مرآة العقول ۱ : ۱۰۸ حيث قال : «الحديث التاسع مجهول على المشهور بسعدان بن مسلم ، وربّما يعدّ حسناً ؛ لأنّ الشيخ قال : له أصل» . وقال أيضاً في ۱۰ : ۱۲۴ عند ذكر الحسن بن أيوب : «وقال النجاشي : له كتاب أصل ، وكون كتابه أصلاً عندي مدح عظيم» .

20.كما في روضة المتّقين ۱ : ۸۶ . وانظر منتهى المقال ۱ : ۶۵ .

21.تعليقة الوحيد البهبهاني : ۷ .

22.منتهى المقال ۱ : ۶۶ .

23.الفهرست : ۲ .

24.الفهرست : ۷ / ۱۲ .

25.الفهرست : ۵۰ / ۱۷۵ .

26.رجال الشيخ : ۱۶۶ / ۷ .

27.تهذيب الأحكام ۱ : ۴۰۸ ، ح ۱۲۸۲ ، باب المياه وأحكامها .

28.الفهرست : ۹۶ / ۴۱۸ .

29.عدّة الأُصول ۱ : ۱۵۰ .

30.الفهرست : ۹۶ / ۴۱۸ . وانظر رجال الشيخ : ۳۵۳ / ۱۰ .

31.مجمع الرجال ۲ : ۱۲۲ .

32.كما في طريق الشيخ في الفهرست : ۹۶ / ۴۰۸ .

33.الكافي ۱ : ۳۴۶ ، ح ۳۵ .

34.مثل جعفر بن بشير البجلي في الكافي ۴ : ۴۰۰ ، ح ۷ .

35.حكاه بلفظ «قيل» الوحيد البهبهاني في تعليقته : ۲۲۳ ، وانظر منتهى المقال ۴ : ۳۲۸ / ۱۹۳۲ .

صفحه از 126