433
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

الكتمان على قسمين :
الأوّل : ما هو باتّباع الهوى والميل إلى الدنيا لمنصب ۱ الإفتاء والقضاء بدون استحقاق ، وذلك بتذاكر العلم وصفة الحلم ، كما مرّ في خامس الباب .
الثاني : ما هو للتقيّة ودفع الضرر .
والمراد في الآية القسم الأوّل بأن يكون البيّنات عبارة عن الآيات المحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ وعن الاختلاف بالظنّ ، ويكون الهدى عبارة عن الإمام العالم بجميع ما يحتاج إليه الرعيّة ومعطوفا على «ما أنزلنا» ، والضمير في «بيّناه» للهدى ، وقوله : «للناس» للدلالة على أنّ البيّنات الدالّة على الهُدى لا اشتباه فيها أصلاً ، فمنكر الهدى مكابر كافر بآيات اللّه «وَمَن يَكْفُرْ بِئايَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ» . ۲(فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : فَهَلَكَ إِذَنْ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ) . إشارةٌ إلى قوله تعالى : «يَكْتُمُ إِيمَانَهُ»۳ .
(مَا زَالَ الْعِلْمُ مَكْتُوما مُنْذُ بَعَثَ اللّهُ نُوحا) . إشارةٌ إلى نحو قوله تعالى في سورة الشعراء : «قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنْ الْمَرْجُومِينَ»۴ .
إن قلت : في «كتاب الروضة» في ذيل حديث آدم مع الشجرة ۵ ما بدل على أنّه كان مكتوما قبل نوح هكذا ، فلبث هبة اللّه والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث النبوّة وآثار علم النبوّة حتّى بعث اللّه نوحا عليه السلام .
قلت : المراد تعيين أوّل من جاء بشريعة مستأنفة وكان مع الكتمان ، وهبة اللّه على شرع آدم ، أو أوّل ما جاء في ظاهر القرآن من الكتمان ، أو أوّل اُولي العزم من الرُّسل ، ولذا يكون نوح أوّل من يُسأل يوم القيامة عن التبليغ كما في «كتاب الروضة» في حديث

1.في «ج» : «كمنصب» .

2.آل عمران (۳) : ۱۹ .

3.غافر (۴۰) : ۲۸ .

4.الشعراء (۲۶) : ۱۱۶ .

5.الكافي ، ج ۸ ، ص ۱۱۴ ، ح ۹۲ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
432

الدنيّة ، كان المرء خسيسا لا قيمة له ، وإن كان ما يحسن رفيعا كالعلم بالدِّين ، كان المرء رفيعا .
(فَتَكَلَّمُوا فِي الْعِلْمِ) . اللام للعهد ، أي العلم بالدِّين للعمل ، أي تكلّموا في كسب العلم ، وتذاكروه حتّى تحسنوه .
(تَبَيَّنْ) . مجزومٌ بجواب الأمر ، وأصله «تتبيّن» حذف إحدى التاءين من باب التفعّل ، والبين : البُعد ، يُقال : أبانه : إذا أبعده وأفرده عن أمثاله ، وتبيّن : إذا تفرّد وبعُدَ عن أمثاله ؛ والمقصود يرتفع جدّا .
(أَقْدَارُكُمْ) فإنّ التفاوت بين قدر من يحسن العلم بالدِّين ليعمل به ومَن يحسن شيئا غير هذا العلم أظهر من أن يخفى .
وحمل اللام في العلم على الجنس ممكن ، لكنّه ينافي ظاهره ۱ ما مرّ في أوّل «باب المستأكل بعلمه» من ذمّ النَّهم في العلم .
الخامس عشر : (الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ) ؛ بتقدير «يقول قولاً» بقرينة قوله : «فقال أبو جعفر عليه السلام » .
(وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُقَالُ لَهُ : عُثْمَانُ الْأَعْمى ، وَهُوَ يَقُولُ : إِنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَزْعُمُ) أي يدّعي (أَنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ الْعِلْمَ يُؤْذِي۲رِيحُ بُطُونِهِمْ أَهْلَ النَّارِ) .
لم يزل المخالفون يشنّعون على الفرقة الناجية في التقيّة ويقولون : لا يجوز التقيّة ، ومقصودهم تعريضهم للقتل ، وإلّا فالأمر في جواز التقيّة أظهر من أن يخفى ، وكان منشأ تلبيسهم سوء النظر في آية سورة البقرة : «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ»۳ ؛ وذلك أنّ

1.في حاشية «أ» : «قوله : ينافي ظاهره إلى آخره ، وذلك لأنّه يظهر ممّا مرّ أنّ المراد بالنهم في العلم أن يكون المقصود من طلب العلم التوسّع فيه وجامعيّة أنواع العلوم ، وهو مذموم (مهدي)» .

2.في «أ» : «تؤذي» .

3.البقرة (۲) : ۱۵۹ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 92122
صفحه از 602
پرینت  ارسال به