الكتمان على قسمين :
الأوّل : ما هو باتّباع الهوى والميل إلى الدنيا لمنصب ۱ الإفتاء والقضاء بدون استحقاق ، وذلك بتذاكر العلم وصفة الحلم ، كما مرّ في خامس الباب .
الثاني : ما هو للتقيّة ودفع الضرر .
والمراد في الآية القسم الأوّل بأن يكون البيّنات عبارة عن الآيات المحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ وعن الاختلاف بالظنّ ، ويكون الهدى عبارة عن الإمام العالم بجميع ما يحتاج إليه الرعيّة ومعطوفا على «ما أنزلنا» ، والضمير في «بيّناه» للهدى ، وقوله : «للناس» للدلالة على أنّ البيّنات الدالّة على الهُدى لا اشتباه فيها أصلاً ، فمنكر الهدى مكابر كافر بآيات اللّه «وَمَن يَكْفُرْ بِئايَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ» . ۲(فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : فَهَلَكَ إِذَنْ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ) . إشارةٌ إلى قوله تعالى : «يَكْتُمُ إِيمَانَهُ»۳ .
(مَا زَالَ الْعِلْمُ مَكْتُوما مُنْذُ بَعَثَ اللّهُ نُوحا) . إشارةٌ إلى نحو قوله تعالى في سورة الشعراء : «قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنْ الْمَرْجُومِينَ»۴ .
إن قلت : في «كتاب الروضة» في ذيل حديث آدم مع الشجرة ۵ ما بدل على أنّه كان مكتوما قبل نوح هكذا ، فلبث هبة اللّه والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث النبوّة وآثار علم النبوّة حتّى بعث اللّه نوحا عليه السلام .
قلت : المراد تعيين أوّل من جاء بشريعة مستأنفة وكان مع الكتمان ، وهبة اللّه على شرع آدم ، أو أوّل ما جاء في ظاهر القرآن من الكتمان ، أو أوّل اُولي العزم من الرُّسل ، ولذا يكون نوح أوّل من يُسأل يوم القيامة عن التبليغ كما في «كتاب الروضة» في حديث