223
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

وَذُرِّيّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ * [... ]أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْما لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ» 1 ؛ فَإِنَّهُ وَكَّلَ بِالْفُضَّلِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَالْاءِخْوَانِ وَالذُّرِّيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى: إِنْ تَكْفُرْ بِهِ أُمَّتُكَ فَقَدْ وَكَّلْتُ أَهْلَ بَيْتِكَ بِالْاءِيمَانِ الَّذِي أَرْسَلْتُكَ بِهِ ، فَلَا يَكْفُرُونَ بِهِ أَبَدا، وَلَا أُضِيعُ الْاءِيمَانَ الَّذِي أَرْسَلْتُكَ بِهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ مِنْ بَعْدِكَ عُلَمَاءِ أُمَّتِكَ، وَوُلَاةِ أَمْرِي بَعْدَكَ، وَأَهْلِ اسْتِنْبَاطِ الْعِلْمِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ كَذِبٌ وَلَا إِثْمٌ وَلَا زُورٌ وَلَا بَطَرٌ وَلَا رِيَاءٌ، فَهَذَا بَيَانُ مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ أَمْرُ هذِهِ الْأُمَّةِ، إِنَّ اللّهَ ـ جَلَّ وَعَزَّ ـ طَهَّرَ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّهِ عليهم السلام ، وَسَأَلَهُمْ أَجْرَ الْمَوَدَّةِ، وَأَجْرى لَهُمُ الْوَلَايَةَ، وَجَعَلَهُمْ أَوْصِيَاءَهُ وَأَحِبَّاءَهُ ثَابِتَةً بَعْدَهُ فِي أُمَّتِهِ.
فَاعْتَبِرُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ فِيمَا قُلْتُ، حَيْثُ وَضَعَ اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَلَايَتَهُ وَطَاعَتَهُ وَمَوَدَّتَهُ وَاسْتِنْبَاطَ عِلْمِهِ وَحُجَجَهُ، فَإِيَّاهُ فَتَقَبَّلُوا، وَبِهِ فَاسْتَمْسِكُوا تَنْجُوا بِهِ، وَتَكُونُ لَكُمُ الْحُجَّةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَطَرِيقُ رَبِّكُمْ جَلَّ وَعَزَّ، لَا تَصِلُ وَلَايَةٌ إِلَى اللّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ إِلَا بِهِمْ، فَمَنْ فَعَلَ ذلِكَ كَانَ حَقّا عَلَى اللّهِ أَنْ يُكْرِمَهُ، وَلَا يُعَذِّبَهُ، وَمَنْ يَأْتِ اللّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ بِغَيْرِ مَا أَمَرَهُ كَانَ حَقّا عَلَى اللّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَنْ يُذِلَّهُ، وَأَنْ يُعَذِّبَهُ».

شرح

السند مجهول .
قوله : (عهد إلى آدم) أي أمره وأوصاه .
وقوله : (أن لا يقرب هذه الشجرة) أي لا يتناول، ولا يأكل منها. عبّر عنها بالقُرب مبالغةً في تحريمها .
وقال البيضاوي :
الشجرة: هي الحنطة، أو الكرمة، أو التينة، أو شجرة من أكل منها أحدث ـ قال : ـ والأولى أن لا تعيّن من غير قاطع، كما لم تعيّن في الآية؛ لعدم توقّف ما هو المقصود عليه . انتهى . 2
ونقل الاختلاف عن الاُمّة في نهيه عليه السلام عن أكل الشجرة نهي تنزيه أو تحريم ، فمذهب علمائنا الأوّل، وقالوا : لا ينافيه نسبة العصيان والغواية إليه في قوله تعالى : «وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ

1.الأنعام (۶) : ۸۴ - ۸۹ .

2.تفسير البيضاوي ، ج ۱ ، ص ۲۹۷ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
222

وَنَهَاهُمْ عَمَّا يَكْرَهُ، فَقَصَّ عَلَيْهِمْ أَمْرَ خَلْقِهِ بِعِلْمٍ، فَعَلِمَ ذلِكَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَ أَنْبِيَاءَهُ وَأَصْفِيَاءَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ 1 وَالْاءِخْوَانِ وَالذُّرِّيَّةِ الَّتِي بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَذلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ وَعَزَّ: «فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكا عَظِيما» ؛ 2 فَأَمَّا الْكِتَابُ فَهُوَ النُّبُوَّةُ، وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فَهُمُ الْحُكَمَاءُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الصَّفْوَةِ، وَأَمَّا الْمُلْكُ الْعَظِيمُ فَهُمُ الْأَئِمَّةُ [الْهُدَاةُ] 3 مِنَ الصَّفْوَةِ، وَكُلُّ هؤُلَاءِ مِنَ الذُّرِّيَّةِ الَّتِي بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَالْعُلَمَاءُ الَّذِينَ جَعَلَ اللّهُ فِيهِمُ الْبَقِيَّةَ، وَفِيهِمُ الْعَاقِبَةَ، وَحِفْظَ الْمِيثَاقِ حَتّى تَنْقَضِيَ الدُّنْيَا، وَالْعُلَمَاءَ 4 وَلِوُلَاةِ الْأَمْرِ اسْتِنْبَاطُ الْعِلْمِ، وَلِلْهُدَاةِ.
فَهذَا شَأْنُ الْفُضَّلِ مِنَ الصَّفْوَةِ وَالرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْحُكَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْهُدى وَالْخُلَفَاءِ الَّذِينَ هُمْ وُلَاةُ أَمْرِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاسْتِنْبَاطِ عِلْمِ اللّهِ، وَأَهْلُ آثَارِ عِلْمِ اللّهِ مِنَ الذُّرِّيَّةِ الَّتِي بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ مِنَ الصَّفْوَةِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام مِنَ الْابَاءِ وَالْاءِخْوَانِ وَالذُّرِّيَّةِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَمَنِ اعْتَصَمَ بِالْفُضَّلِ انْتَهى بِعِلْمِهِمْ، وَنَجَا بِنُصْرَتِهِمْ، وَمَنْ وَضَعَ وُلَاةَ أَمْرِ اللّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَأَهْلَ اسْتِنْبَاطِ عِلْمِهِ فِي غَيْرِ الصَّفْوَةِ مِنْ بُيُوتَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام ، فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَجَعَلَ الْجُهَّالَ وُلَاةَ أَمْرِ اللّهِ، وَالْمُتَكَلِّفِينَ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَهْلُ اسْتِنْبَاطِ عِلْمِ اللّهِ، فَقَدْ كَذَبُوا عَلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ، وَرَغِبُوا عَنْ وَصِيِّهِ وَطَاعَتِهِ، وَلَمْ يَضَعُوا فَضْلَ اللّهِ حَيْثُ وَضَعَهُ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى، فَضَلُّوا، وَأَضَلُّوا أَتْبَاعَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ إِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي آلِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ؛ لِقَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَلَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكا عَظِيما» ، فَالْحُجَّةُ الْأَنْبِيَاءُ عليهم السلام وَأَهْلُ بُيُوتَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام حَتّى تَقُومَ السَّاعَةُ؛ لأنَّ كِتَابَ اللّهِ يَنْطِقُ بِذلِكَ وَصِيَّةُ اللّهِ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ الَّتِي وَضَعَهَا عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ» 5 ، وَهِيَ بُيُوتَاتُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْحُكَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْهُدى، فَهذَا بَيَانُ عُرْوَةِ الاْءِيمَانِ الَّتِي نَجَا بِهَا مَنْ نَجَا قَبْلَكُمْ، وَبِهَا يَنْجُو مَنْ يَتَّبِعُ الْأَئِمَّةَ، وَقَالَ اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فِي كِتَابِهِ: «وَنُوحا هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ * وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطا وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ * وَمِنْ آبائِهِمْ

1.في الحاشية عن بعض النسخ والوافي و شرح المازندراني: «الآباء».

2.النساء (۴): ۵۴.

3.في الحاشية عن بعض النسخ: «الهدى». وفي الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : - «الهداة» .

4.في الحاشية عن بعض النسخ: «للعلماء».

5.النور (۲۴) : ۳۶ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 153298
صفحه از 624
پرینت  ارسال به