433
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

وهذا إشارة إلى قوله تعالى في مواضع من الكتاب الكريم؛ منها قوله جلّ طَوله : «وَالْجِبَالَ أَوْتَادا»۱ ، ومنها قوله : «وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ»۲ . قال المبرّد : «أي منع الأرض أن تميد» . وقيل : أي لئلّا تميد . وقيل : كراهة أن تميد . ۳
وقال بعض المفسّرين :
الميد: الاضطراب بالذهاب في الجهات الثلاث . وقيل : إنّ الأرض كانت تميد وتضطرب، وترجُف رجوفَ السقف بالوطئ، فثقّلها اللّه بالجبال الرواسي؛ ليمتنع من رجوفها .
وروت العامّة عن ابن عبّاس أنّه قال : «إنّ الأرض بسطت على الماء، فكانت تكفأ بأهلها، كما تكفأ السفينة، فأرساها اللّه تعالى بالجبال» . ۴
وقال بعض المحقّقين :
المراد بالأرض قطعاتها وبقاعها، لا مجموع كرة الأرض . ويكون الجبال أوتادا لها أنّها حافظة لها عن الميدان والاضطراب بالزلزلة ونحوها ، إمّا لحركة البخارات المحتقنة في داخلها بإذن اللّه تعالى ، أو لغير ذلك من الأسباب التي يعلمها مبدعها ومُنشئها .
وأيّده بما روي في الأخبار: «أنّ ذا القرنين لمّا انتهى إلى السدّ، جاوزه، فدخل الظلمات، فإذا هو بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع. فقال له ذو القرنين : مَن أنت؟ قال : أنا ملك من ملائكة الرحمن، موكّل بهذا الجبل، فليس من جبلٍ خلقه اللّه ـ عزّ وجلّ ـ إلّا وله عِرق إلى هذا الجبل، فإذا أراد اللّه ـ عزّ وجلّ ـ أن يزلزل مدينة، أوحى إليَّ، فزلزلتها» . ۵
وقوله : (فشمخت، واستطالت) .
شمخ، كمنع: علا، وطال . وشمخ الرجل بأنفه: تكبّر .
ولعلّ المعنى الأخير هنا أنسب، وإن اُريد الأوّلان فالعطف للتفسير، أو من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ؛ فإنّ الفعل مع الطلب أقوى منه بلا طلب .

1.النبأ (۷۸) : ۷ .

2.النحل (۱۶) : ۱۵ .

3.اُنظر : بحار الأنوار ، ج ۵۷ ، ص ۱۰۱ .

4.اُنظر : مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۳۶۰ .

5.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار ، ج ۴ ، ص ۲۵۰ ؛ و ج ۵۷ ، ص ۱۰۷ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
432

متن الحديث التاسع والعشرين والمائة

۰.وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ، قَالَ:«قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : مَا خَلَقَ اللّهُ ـ جَلَّ وَعَزَّ ـ خَلْقا إِلَا وَقَدْ أَمَّرَ عَلَيْهِ آخَرَ يَغْلِبُهُ فِيهِ، وَذلِكَ أَنَّ اللّهَ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ لَمَّا خَلَقَ الْبِحَارَ السُّفْلى، فَخَرَتْ، وَزَخَرَتْ، وَقَالَتْ: أَيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي؟ فَخَلَقَ الْأَرْضَ، فَسَطَحَهَا عَلى ظَهْرِهَا، فَذَلَّتْ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْأَرْضَ فَخَرَتْ، وَقَالَتْ: أَيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي؟ فَخَلَقَ الْجِبَالَ، فَأَثْبَتَهَا عَلى ظَهْرِهَا أَوْتَادا مِنْ أَنْ تَمِيدَ بِمَا عَلَيْهَا، فَذَلَّتِ الْأَرْضُ، وَاسْتَقَرَّتْ، ثُمَّ إِنَّ الْجِبَالَ فَخَرَتْ عَلَى الْأَرْضِ، فَشَمَخَتْ، وَاسْتَطَالَتْ، وَقَالَتْ: أَيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي؟ فَخَلَقَ الْحَدِيدَ، فَقَطَعَهَا، فَقَرَّتِ الْجِبَالُ، وَذَلَّتْ.
ثُمَّ إِنَّ الْحَدِيدَ فَخَرَتْ عَلَى الْجِبَالِ، وَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي؟ فَخَلَقَ النَّارَ، فَأَذَابَتِ الْحَدِيدَ، فَذَلَّ الْحَدِيدُ.
ثُمَّ إِنَّ النَّارَ زَفَرَتْ، وَشَهَقَتْ، وَفَخَرَتْ، وَقَالَتْ: أَيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي؟ فَخَلَقَ الْمَاءَ، فَأَطْفَأَهَا، فَذَلَّتْ.
ثُمَّ إِنَّ الْمَاءَ فَخَرَ، وَزَخَرَ، وَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي؟ فَخَلَقَ الرِّيحَ، فَحَرَّكَتْ أَمْوَاجَهُ، وَأَثَارَتْ مَا فِي قَعْرِهِ، وَحَبَسَتْهُ عَنْ مَجَارِيهِ، فَذَلَّ الْمَاءُ.
ثُمَّ إِنَّ الرِّيحَ فَخَرَتْ، وَعَصَفَتْ، وَأَرْخَتْ أَذْيَالَهَا، وَقَالَتْ: أَيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي؟ فَخَلَقَ الْاءِنْسَانَ، فَبَنى، وَاحْتَالَ، وَاتَّخَذَ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ مِنَ الرِّيحِ وَغَيْرِهَا، فَذَلَّتِ الرِّيحُ.
ثُمَّ إِنَّ الْاءِنْسَانَ طَغى، وَقَالَ: مَنْ أَشَدُّ مِنِّي قُوَّةً؟ فَخَلَقَ اللّهُ لَهُ الْمَوْتَ، فَقَهَرَهُ، فَذَلَّ الْاءِنْسَانُ.
ثُمَّ إِنَّ الْمَوْتَ فَخَرَ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا تَفْخَرْ؛ فَإِنِّي ذَابِحُكَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ: أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ لَا أُحْيِيكَ أَبَدا، فَتُرْجى، أَوْ تُخَافَ، وَقَالَ أَيْضا: وَالْحِلْمُ يَغْلِبُ الْغَضَبَ، وَالرَّحْمَةُ تَغْلِبُ السُّخْطَ، وَالصَّدَقَةُ تَغْلِبُ الْخَطِيئَةَ».
ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «مَا أَشْبَهَ هذَا مِمَّا قَدْ يَغْلِبُ غَيْرَهُ».]

شرح

(من أن تميد بما عليها) .
الباء للتعدية . والميد: التحرّك، والاضطراب، والتمايل .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 153156
صفحه از 624
پرینت  ارسال به