597
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

وأنت خبير بأنّ ظاهر التشبيه لا يدلّ على المماثلة من جميع الوجوه، حتّى يجوز سَبْي ذراري البُغاة، ونهب أموالهم كالمشركين، بل التشبيه في أصل المنّ والعفو . وقوله تعالى في سورة النجم : «وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادا الْأُولى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى» . ۱
قال البيضاوي : «أي والقُرى التي ائتفكت بأهلها؛ أي انقلبت، وهي قرى قوم لوط، أهوى بعد أن رفعها ، فقلبها» ۲ انتهى .
وأقول : الإهواء: الإسقاط من علوّ إلى سفل . ويحتمل أن تكون «المؤتفكة» معطوفة على «عادا الاُولى» ، أو جملة حاليّة، والعائد إلى ذي الحال محذوفا؛ أي أهواها .
ويحتمل كون «المؤتفكة» مفعول «أهوى»، والجملة معطوفة على «أهلك» . قال الفيروزآبادي : «أفكه ، وعنه، يأفكه إفكا: صرفه، وقلبه. والمؤتفكات : مدائن قلبت على قوم لوط عليه السلام ، وائتفكت البلدة: انقلبت» . ۳
وقال : «هَوَى الشيء: سقط، كأهوى، وانهوى. وفلان: مات، وهويّا، بالفتح والضمّ [وهويانا]: سقط من علوّ إلى سفل» . ۴
وقوله : (هم أهل البصرة) ؛ كأنّ المراد أهل المؤتكفة أهل البصرة، بأن يقدر في الآية مضاف، أو يُراد بالمؤتفكة أهلها مجازا .
(هي المؤتفكة) .
اللّام للعهد، وفسّر عليه السلام المؤتفكة في هذه الآية بالبصرة ، ويؤيّده ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره: «أنّها ائتفكت بأهلها مرّتين، وعلى اللّه تمام الثالثة، وتمام الثالثة في الرجعة» . ۵
وعن أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه في ذمّ أهل البصرة : «يا أهل المؤتفكة، ائتفكت بأهلها انقلبت بهم ثلاثا، وعلى اللّه تمام الرابعة» . ۶
ومثله طرق العامّة . قال ابن الأثير: «في حديث أنس : البصرة إحدى المؤتفكات؛ يعني

1.النجم (۵۳) ۵۰ - ۵۳ .

2.تفسير البيضاوي ، ج ۵ ، ص ۲۶۱ .

3.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۲۹۲ (أفك) .

4.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۴۰۴ (هوي) .

5.تفسير القمّي ، ج ۲ ، ص ۳۳۹ . وعنه في بحار الأنوار ، ج ۱۱ ، ص ۲۸ ، ح ۱۷ .

6.تأويل الآيات ، ص ۶۸۹ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
596

وقوله عليه السلام : (الفئتان) ؛ كأنّه تفسير للطائفتين في الآية، كأنّ سائلاً سأل عن الطائفتين، فقال : الفئتان .
واللّام للعهد؛ أي هما الفئتان اللتان تعرفهما؛ يعني أصحاب عليّ عليه السلام ، وأصحاب الجمل، كما صرّح به في قوله عليه السلام : (إنّما جاء تأويل هذه الآية) أي تفسيرها، وبيان موردها.
والتأويل: تفسير ما يؤول إليه الشيء .
(يوم البصرة) أي يوم بغى أهلها على أمير المؤمنين عليه السلام ، وقتالهم معه .
وقوله : (لأنّهم بايعوا) ؛ يعني أمير المؤمنين عليه السلام .
(طائعين) أي منقادين .
(غير كارهين) ؛ قيل : هذا بيان لكفرهم وبغيهم على جميع المذاهب؛ فإنّ مذهب المخالفين أنّ مدار وجوب الطاعة على البيعة ، فهم بايعوا غير مكرَهين، فإذا نكثوا فهم على مذهبهم أيضا من الباغين . ۱
(وهي) أي الطائفة المذكورة؛ يعني أهل البصرة .
(الفئة الباغية) أي المسمّاة بهذا الاسم في عرف الشرع .
(كما قال اللّه عزّ وجلّ) ؛ يعني بيّنهم وبيّن حكمهم في الآية السابقة .
(فكان الواجب) أي بحكم الآية .
وقوله : (حيث كان) ؛ كلمة تدلّ على المكان ؛ لأنّها ظرف في الأمكنة بمنزلة حين في الأزمنة .
وقيل : يجوز إطلاقها على الزمان مجازا .
وقوله : (إنّما منَّ عليهم وعفا) أي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله على أهل مكّة بعد الظفر عليهم، وعفا عنهم ما صنعوا به من الإيذاء والإهانة والتكذيب .
وقوله : (حَذْو النعل بالنعل) أي صنع أمير المؤمنين عليه السلام بأهل البصرة مثل ما صنع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأهل مكّة، كما تقطع إحدى النعلين على قدر الاُخرى . يُقال : حذوت النعل بالنعل، إذا قرّبت كلّ واحدةٍ على صاحبتها وقطعتها بقدرها .

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۶ ، ص ۷۰ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 154523
صفحه از 624
پرینت  ارسال به