وأنت خبير بأنّ ظاهر التشبيه لا يدلّ على المماثلة من جميع الوجوه، حتّى يجوز سَبْي ذراري البُغاة، ونهب أموالهم كالمشركين، بل التشبيه في أصل المنّ والعفو . وقوله تعالى في سورة النجم : «وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادا الْأُولى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى» . ۱
قال البيضاوي : «أي والقُرى التي ائتفكت بأهلها؛ أي انقلبت، وهي قرى قوم لوط، أهوى بعد أن رفعها ، فقلبها» ۲ انتهى .
وأقول : الإهواء: الإسقاط من علوّ إلى سفل . ويحتمل أن تكون «المؤتفكة» معطوفة على «عادا الاُولى» ، أو جملة حاليّة، والعائد إلى ذي الحال محذوفا؛ أي أهواها .
ويحتمل كون «المؤتفكة» مفعول «أهوى»، والجملة معطوفة على «أهلك» . قال الفيروزآبادي : «أفكه ، وعنه، يأفكه إفكا: صرفه، وقلبه. والمؤتفكات : مدائن قلبت على قوم لوط عليه السلام ، وائتفكت البلدة: انقلبت» . ۳
وقال : «هَوَى الشيء: سقط، كأهوى، وانهوى. وفلان: مات، وهويّا، بالفتح والضمّ [وهويانا]: سقط من علوّ إلى سفل» . ۴
وقوله : (هم أهل البصرة) ؛ كأنّ المراد أهل المؤتكفة أهل البصرة، بأن يقدر في الآية مضاف، أو يُراد بالمؤتفكة أهلها مجازا .
(هي المؤتفكة) .
اللّام للعهد، وفسّر عليه السلام المؤتفكة في هذه الآية بالبصرة ، ويؤيّده ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره: «أنّها ائتفكت بأهلها مرّتين، وعلى اللّه تمام الثالثة، وتمام الثالثة في الرجعة» . ۵
وعن أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه في ذمّ أهل البصرة : «يا أهل المؤتفكة، ائتفكت بأهلها انقلبت بهم ثلاثا، وعلى اللّه تمام الرابعة» . ۶
ومثله طرق العامّة . قال ابن الأثير: «في حديث أنس : البصرة إحدى المؤتفكات؛ يعني
1.النجم (۵۳) ۵۰ - ۵۳ .
2.تفسير البيضاوي ، ج ۵ ، ص ۲۶۱ .
3.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۲۹۲ (أفك) .
4.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۴۰۴ (هوي) .
5.تفسير القمّي ، ج ۲ ، ص ۳۳۹ . وعنه في بحار الأنوار ، ج ۱۱ ، ص ۲۸ ، ح ۱۷ .
6.تأويل الآيات ، ص ۶۸۹ .