لحقهم، فصاح أمير المؤمنين عليه السلام : «أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب، وصيّ رسول اللّه وابن عمّه، اثبتوا إن شئتم»، فظهر للقوم أشخاص على صور الزطّ، تخيّل في أيديهم شُعَلُ النيران، قد اطمأنّوا وأطافوا ۱ بجنبات الوادي، فتوغّل أمير المؤمنين بطن الوادي ، وهو يتلو القرآن ، ويؤمئ بسيفه يمينا وشمالاً، فما لبثت الأشخاص حتّى صارت كالدخان الأسود، وكبّر أمير المؤمنين عليه السلام ، ثمّ صعد من حيث هبط، فقام مع القوم الذين اتّبعوه حتّى أسفر الموضع عمّا اعتراه ، فقال له أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما لقيت يا أبا الحسن، فلقد كدنا أن نهلك خوفا، وأشفقنا عليك أكثر ممّا لحقنا ؟!
فقال عليه السلام لهم : «إنّه لمّا تراءى لي العدوّ، جهرتُ فيهم بأسماء اللّه تعالى، فتضاءلوا، وعلمت ما حلّ بهم من الجزع، فتوغّلت الوادي غير خائف منهم، ولو بقوا على هيأتهم لأتيتُ على آخرهم، وقد كفى اللّه كيدهم، وكفى المؤمنين ۲ شرّهم، وستسبقني بقيّتهم إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يؤمنون به» .
وانصرف أمير المؤمنين عليه السلام بمن معه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأخبره الخبر ، فسرّي عنه، ودعا له بخير ، وقال له : «قد سبقك يا عليّ إلى من أخافه اللّه بك ، وأسلم، وقبلتُ إسلامه ، ثمّ ارتحل بجماعة المسلمين حتّى قطعوا الوادي آمنين غير خائفين» . ۳
وهذا الحديث قد روته العامّة كما روته الخاصّة ، ولم يتناكروا شيئا .
وقوله : (لمّا أجبت) بصيغة الخطاب.
و«لمّا» بالتشديد بمعنى «إلّا» ؛ أي ما فعلت شيئا إلّا أحببت .
قال الفيروزآبادي :
«لمّا»، تكون بمعنى «حين» و«لم» الجازمة و«إلّا» ، وإنكار الجوهري كونه بمعنى «إلّا» غير جيّد. يقال: سألتك لمّا فعلت، ومنه: «إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ»۴ ، «وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ»۵ . وقرأ عبداللّه : إن كلّ لمّا كذّب الرسل . ۶
1.في المصدر : - «وأطافوا» .
2.في المصدر : «المسلمين» .
3.الإرشاد ، ج ۱ ، ص ۳۳۹ - ۳۴۱ (مع اختلاف يسير) .
4.الطارق (۸۶) : ۴ .
5.يس (۳۶) : ۳۲ .
6.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۱۷۷ (لم) .