75
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

لحقهم، فصاح أمير المؤمنين عليه السلام : «أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب، وصيّ رسول اللّه وابن عمّه، اثبتوا إن شئتم»، فظهر للقوم أشخاص على صور الزطّ، تخيّل في أيديهم شُعَلُ النيران، قد اطمأنّوا وأطافوا ۱ بجنبات الوادي، فتوغّل أمير المؤمنين بطن الوادي ، وهو يتلو القرآن ، ويؤمئ بسيفه يمينا وشمالاً، فما لبثت الأشخاص حتّى صارت كالدخان الأسود، وكبّر أمير المؤمنين عليه السلام ، ثمّ صعد من حيث هبط، فقام مع القوم الذين اتّبعوه حتّى أسفر الموضع عمّا اعتراه ، فقال له أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما لقيت يا أبا الحسن، فلقد كدنا أن نهلك خوفا، وأشفقنا عليك أكثر ممّا لحقنا ؟!
فقال عليه السلام لهم : «إنّه لمّا تراءى لي العدوّ، جهرتُ فيهم بأسماء اللّه تعالى، فتضاءلوا، وعلمت ما حلّ بهم من الجزع، فتوغّلت الوادي غير خائف منهم، ولو بقوا على هيأتهم لأتيتُ على آخرهم، وقد كفى اللّه كيدهم، وكفى المؤمنين ۲ شرّهم، وستسبقني بقيّتهم إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يؤمنون به» .
وانصرف أمير المؤمنين عليه السلام بمن معه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأخبره الخبر ، فسرّي عنه، ودعا له بخير ، وقال له : «قد سبقك يا عليّ إلى من أخافه اللّه بك ، وأسلم، وقبلتُ إسلامه ، ثمّ ارتحل بجماعة المسلمين حتّى قطعوا الوادي آمنين غير خائفين» . ۳
وهذا الحديث قد روته العامّة كما روته الخاصّة ، ولم يتناكروا شيئا .
وقوله : (لمّا أجبت) بصيغة الخطاب.
و«لمّا» بالتشديد بمعنى «إلّا» ؛ أي ما فعلت شيئا إلّا أحببت .
قال الفيروزآبادي :
«لمّا»، تكون بمعنى «حين» و«لم» الجازمة و«إلّا» ، وإنكار الجوهري كونه بمعنى «إلّا» غير جيّد. يقال: سألتك لمّا فعلت، ومنه: «إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ»۴ ، «وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ»۵ . وقرأ عبداللّه : إن كلّ لمّا كذّب الرسل . ۶

1.في المصدر : - «وأطافوا» .

2.في المصدر : «المسلمين» .

3.الإرشاد ، ج ۱ ، ص ۳۳۹ - ۳۴۱ (مع اختلاف يسير) .

4.الطارق (۸۶) : ۴ .

5.يس (۳۶) : ۳۲ .

6.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۱۷۷ (لم) .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
74

وقوله : (عَزَمْتُ عليك) .
قال الجوهري : «ويُقال أيضا : عَزَمت عليك ؛ بمعنى أقسمتُ عليك» . ۱
وقوله : (كائن ما كنت) ؛ لأنّه خبر مبتدأ محذوف . والجملة في محلّ النصب على الحاليّة . وفي بعض النسخ: «كائنا» . ۲
وقوله : (بالعزيمة) ؛ هي آية من القرآن، أو دعاء تقرأ على ذوي الآفات لدفعها .
وقوله : (عليّ بن أبي طالب) مفعول «عزم»، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله فاعله .
وقوله : (وادي الصبرة) .
في القاموس: «الصبرة، بالضمّ: الحجارة الغليظة المجتمعة» . ۳
وقوله : (فأجابوا وأطاعوا) .
روى المفيد رحمه الله في إرشاده بإسناده عن ابن عبّاس، قال : لمّا خرج النبيّ صلى الله عليه و آله إلى بني المصطلق، جنب عن الطريق، فأدركه الليل، ونزل بقرب وادٍ وعرٍ، فلمّا كان في آخر الليل هبط [عليه] جبرئيل عليه السلام يخبره أنّ طائفة من كفّار الجنّ قد استبطنوا الوادي ، يريدون كيده وإيقاع الشرّ بأصحابه عند سلوكهم إيّاه، فدعا أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له : «اذهب إلى هذا الوادي، فسيعرض لك من أعداء اللّه الجنّ من يريدك، فادفعهم بالقوّة التي أعطاك اللّه عزّ وجلّ، وتحصّن منهم بأسماء اللّه ـ عزّ وجلّ ـ التي خصّك بعلمها» .
وأنفذ معه مائة رجل من أخلاط الناس، وقال لهم : «كونوا معه، وامتثلوا أمره» ، فتوجّه أمير المؤمنين عليه السلام إلى الوادي، فلمّا قرُب من شفيره أمر المائة الذين صحبوه أن يقفوا بقرب الشفير، ولا يُحدثوا شيئا حتّى يؤذن لهم ، ثمّ تقدّم، فوقف على شفير الوادي، وتعوّذ باللّه من أعدائه، وسمّى اللّه عزّ اسمه، وأومأ إلى القوم الذين تبعوه أن يتقرّبوا منه، فقربوا وكان بينه وبينهم فرجة مسافتها غلوة، ثمّ رام الهبوط إلى الوادي، فاعترضت ريح عاصف كاد أن تقع القوم على وجوههم؛ لشدّتها، ولم تثبت أقدامهم على الأرض من هول الخصم ومن هول ما

1.الصحاح ، ج ۵ ، ص ۱۹۸۵ (عزم) .

2.واستظهره العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۹۵ .

3.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۶۷ (صبر) مع تلخيص .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 154512
صفحه از 624
پرینت  ارسال به